القمم العالية

القمم العالية - محمد الغباري

منذ مدة يتعرض الدكتور ياسين سعيد نعمان لهجوم بذيء من قبل مجموعة تاج المقيمة في بريطانيا بسبب التزامه بقيم الانتماء لوطن يواجه تحديات سياسية واقتصادية تجعل من السهل على الانتهازيين استثمار هذه الأوضاع لتحقيق مكاسب نفعية صغيرة أو تحقيق أمنيات فقدت مع انتصار ثورة 14 أكتوبر التي أنجزت استقلال جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني وعملائه الذين كانوا يتمنون البقاء في تجمعات قروية متخلفة ومشيخات وسلطنات تتيح لهم الحصول على عطايا المستعمر، واستعباد أبناء الفقراء والفلاحين.
الحملة التي بدت أكثر وقاحة مع الكلمة الفصل التي افتتحت بها أعمال الدورة الرابعة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي، كشفت حجم العداء الذي تكنه تلك المجاميع للحزب الاشتراكي وثورة أكتوبر ولكل مناضل قاوم الاستعمار حتى رحيله، كما أظهرت مخزون البذاءات التي يرتكز عليها هؤلاء في تصديهم لمشاريع البناء الوطني التي تسمو فوق الخطابات القروية والعنصرية، وتنظر بازدراء لدعوات الكراهية على أسس جغرافية، لان هؤلاء لا يجيدون سوى الشتم ولا يبيعون إلا اللغة البذيئة.
منذ ما بعد حرب صيف 1994م الكارثية أطلق الاشتراكي الدعوة لمعالجة آثارها إدراكا منه لحجم الأضرار التي خلفتها في الجسد الوطني وعلى الأرض، وهو إذ يدرك خطورة رفض مثل هذه الدعوة فإنه كان يعلم أن اتساع جراح الشراكة الوطنية سيوفر مادة خصبة لمن يحنون لعصر السلطنات والمشيخات للانقضاض على المشروع الوحدوي بداية على اعتبار أن جرحه النازف لم يلتئم بعد، ومن ثم تصفية حساباتهم مع ثورة أكتوبر والنظام التقدمي الذي حكم جنوب البلاد مدة تقارب العقود الثلاثة.
ولهذا فقد كانت مواقف الدكتور ياسين واضحة عند بداية الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية حيث حذر من استغلال مآسي السكان في تلك المحافظات وتحويل المواجهة من مواجهة مع نظام ما بعد الحرب إلى مواجهة مع الجغرافيا، وهو ما حدث بعد ذلك بفعل مهادنة بعض الأحزاب والكثير من الصحفيين لهذا الخطاب الذي اعتبر أن مكان الولادة سبب لما حدث في المحافظات الجنوبية بعد الحرب، وأساس للخصومة، حتى وجدنا من يتحدث عن شروط ومواصفات لسكان هذه المحافظة او تلك او الدعوة لفحص الحامض النووي للتأكد من مكان ولادتهم.
وبقدر ما يحمل هذا الخطاب من مفردات عنصرية مقيتة، فإنه أظهر مشروعا سياسيا متخلفا، ودعوة للاقتتال الأهلي على أساس الانتماء الجغرافي، ولهذا فإن كلمة الدكتور ياسين بقدر ما عرت مثل هذه اللغة، وكشفت عن مشاريع وخطط تدمير الاشتراكي من الداخل، فإنها أرعبت أولئك المتعيشين على أمل عودة رعاية التاج البريطاني، لأن في مضامينها هدماً لأسس ذلك الخطاب المريض الذي انعدمت لديه كل لغة للرد، فاتجه صوب البذاءات، والبذاءات وحدها.
هذه الجماعة لا تريد انتخابات، ولا تريد المقاطعة، لا تريد الحزبية، لكنها تستميت في العمل من داخل الحزب الاشتراكي حتى وهي تتبنى خطابا قرويا يفاخر هذا الحزب أن تاريخه كرس من أجل مقاومة هذا الخطاب، ومن أجل التأصيل للوحدة الوطنية، ومساندة حركات التحرر في العالم.
بالله عليكم ما هي العلاقة التي تربط أصحاب المشاريع القروية والجغرافية بالحزب الاشتراكي؟ ولماذا يتمسك من نصب نفسه رئيسا لمجلس التحرير بالبقاء في حزب برنامجه وتاريخه السياسي قائم على الالتزام بوحدة التراب الوطني وبالانتصار لقيم الحرية والمساواة؟ وإذا لم يكن ذلك ضمن مخطط لضرب الحزب وشق صفوفه، فإننا بحاجة لمعرفة الجهة المستفيدة من هذه الحرب المتواصلة ضد الاشتراكي، فيما تبدو السلطة التي كانت سببا في ما حدث أكثر قربا لهؤلاء وبعيدة عن المساءلة او اللوم.
malghobariMail