الخيواني للبشير: فخامة المشير... سلم نفسك

الخيواني للبشير: فخامة المشير... سلم نفسك

مبدأ التضامن مبدأ إنساني وقيمي جميل وعظيم، تتضامن مع الضحية والمظلوم أياً كان وأينما كان، دون معرفة أو علاقة. والتضامن لا يحتاج إلى عصبية، لأنه من حيث المبدأ ضد العصبية، والطائفية والعنصرية.
إنما نحن في وقت اختلت فيها الموازين، وتغيرت فيه الاتجاهات، فإذا بالتضامن مع ضحية واحدة طائفية كما في توضيح وزير الداخلية لمجلس النواب حول قضية الدكتور درهم القدسي، أو يعد التضامن مع ضحايا حرب صعدة عنصرية وتآمر، ومع الضحايا في المحافظات الجنوبية انفصال وعمالة كما في الخطاب الرسمي والمحاكمات، ويصبح التضامن مع المعتقلين مسؤولية مجموعة نسوة مخدرات، يتقاذفهن التوجيهات الزائفة، من هنا إلى هناك.
وفي الوقت الذي خلا من أي تضامن عربي أو محلي مع الضحايا في دارفور ترتفع حمى التضامن مع الرئيس السوداني عمر البشير، تجاه قرار محكمة الجنايات الدولية لاعتقال فخامة المشير لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، كان التضامن سيكون طبيعيا وفي محله إذا كان البشير يحاكم فعلاً دون شروط محاكمة عادلة، واتضح أن القضية والمحكمة سياسية، لكن الرجل لم يعتقل بعد، ومازال يرقص طرباً، ويصدر قراراته بطرد المنظمات الإنسانية، كرد فعل على مذكرة اعتقاله، معتقداً أنه ينتقم من الجنائية الدولية، وأوكامبو، والامبريالية العالمية، فيما هو يضاعف معاناة الضحايا ويزيد أوضاعهم مأساوية،ولا يخدم قضيته.
قدر حجم ضحايا دارفور بمئات الآلاف من القتلى، واختلف معهم السودان رسميا برقم القتلى وكأن المسألة 600 ألف أو 35 ألف أو10 آلاف، ليس بنفي أعمال القتل والإبادة، تصور المواطنون مجرد أرقام لأكثر،أنه القبح بذاته،لا يجدي في تجميله مبرر نسب الفعل لقبيلة الجنجويد، كون النظام متهما باستخدامها ودعمها في حرب دارفور، التي أثبتت أن الحرب ليس حلا ولا غطاء لما اقترفته حربا سابقه.
لأعلم هل خطر مرة في بال النظام العربي الرسمي، مدى قبول العالم بفكرة أن التمرد مبرر كاف للإبادة؟ هل صدور قرار اعتقال، سببا وجيها لمنع منظمات إنسانية من إغاثة الضحايا والنازحين، والمشردين؟ هل فكر أحد خلال حرب، استمرت أكثر من عقد بضرورة وقف الحرب؟ بأنها حرب عبثية ضد مواطنيه؟ أو بكيف معالجة الأزمة بشكل حقيقي؟ وحل المشكلة والتصالح مع المواطنين،وتضميد جراح الضحايا؟ أما كان أدراك الحاجة للمواطنة المتساوية أفضل للجميع بدلا من الحرب، وتبعاتها.
لأدري ولكن لا يبدو أن هذه التساؤلات لا تحتل حيزا من التفكير الرسمي، حتى بعد ظهور أن قضية دارفور أكبر من أن تحلها اتفاقات هشة، ومحاكمات صورية، وخطابات، ومشاريع مياه والرئيس البشير ليس حالة استثنائية هو في الخلاصة حاكم عربي، والحكام العرب يختلفون في بعض التفاصيل لأكثر، وما السودان اليوم سوى حالة عربية سافرة.
الحاكم العربي لم يساعد نفسه لكي يجد المساعدة عندما يحتاجها، لا يقبل بقضاء مستقل، أو محاكم تمتلك أدنى شروط المحاكمة العادلة، لا قيمة لدستور أو قانون، أو مؤسسات لديها إمكانية مساءلة أو محاسبة أو محاكمة حكامنا، ومسؤولينا مهما فعلوا، النظام العربي يعتبر التضامن مع الضحية تمردا والاحتجاج على انقلاباً، والمعارضة خروجا على الطاعة، الحاكم هو الرمز والقانون والشرعية والعدالة والسيادة، والدولة، لهذا يريدون أن يصورون لنا أن صدور مذكرة اعتقال نهاية الدنيا.
صدور قرار اعتقال رئيس ليس كارثة، ولا مؤامرة، والمحكمة الجنائية ليست ساحة تصفية الخصومات، إنها ملجأ الضعفاء والضحايا، حسب أهداف أنشائها، وأوكامبوا ليس الشيطان، وما يحدث هو تعبير عن العجز والضعف في محاسبة حكامنا وأنظمتنا،ومسؤولينا، تعبيرا عن غياب القضاء المستقل النزيه، والعادل، عن غياب المساواة ومبدأ الثواب والعقاب،عن هشاشة مؤسساتنا ودولنا،عن سيادة الاستبداد والظلم.
محاسبة الحاكم، ليست أفكارا تآمرية غربية، أمريكية، بل هي نتاج تجارب إنسانية رائعة، وقبل تطبيقها الناجح في الدول الديمقراطية فهي لا تختلف مع المبادئ إسلامية، ألم يقال للخليفة الأول (رض) سنقيمك ولو بسيوفنا؟ ألم يسائل الخليفة الثاني (رض) عن طول ثوبه الذي يلبس؟ ألم يقف الخليفة الرابع(ع) أمام القاضي متساوياً مع خصمه المواطن اليهودي؟ رافضاً التمييز حتى باللقب، هل حكامنا أفضل من هؤلاء؟ أما أشاد النبي (ص) بحلف الفضول لنصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، بالرغم أن الحلف نشأ في الجاهلية؟ هل هذه قيم ومبادئ إسلامية أصيلة أم مجرد روايات وقصص، ويقول الله عز وجل «وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون».
سيقال: ولكن أمام قضائنا وقضاتنا، فأقول وأين القضاء العادل النزيه المستقل؟ لو كان موجودا وقادرا على محاسبة الحاكم والمسؤول ما لجأ الضحية والمظلوم إلى الجنائية الدولية أصلا، ويقول البعض: لماذا لا يحاكم مجرمي الحرب الصهاينة؟ فأقول لم يسعى حكامنا لذلك بما يكفي، ثم أن الشعوب ضحايا الطرفين إسرائيل تقتل مواطنين عرب حربا، والأنظمة تقتل مواطنين عربا، حربا وفقرا وقهرا وقمعا واستبدادا وخوفا، إذا محاكمة أحد الطرفين أمرا ليس سيئا بل مقدمة لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة أذا توفرت الجدية الرسمية ولم يثنها المعتدلون،الذين يرفضون محاكمة البشير، دوليا ويؤيدون محاكمة قتلة الشهيد الحريري دوليا، في تناقض يكشف طبيعة العقلية الرسمية العربية.
محاكمة البشير ليست اعتداءً على السيادة والكرامة العربية، هذه مثل تلك، آن الأوان أن يعلم الحكام العرب أنهم ليسوا أكبر من المحاكمة والمساءلة، إن الحروب والجرائم، والانتهاكات لن تمر بلا حساب. إن سلب حياة الإنسان بقرار جريمة، وإن عليهم أن يدفعوا أيضاً ثمن عدم بناء دولة المواطنة المتساوية، والعدل والقانون، والديمقراطية، والقضاء المستقل والنزيه، عليهم أن يعلموا أن رفضهم في تحقيق مقاصد ا لشرع، والقانون صار مكشوفا، وعليهم أن يواجهوا نتائج ما صنعت أياديهم، وكل سيلقى مكافأته التي يستحق.
لست ضد البشير إنما أنا ضد ممارسات حاكم عربي، لست ضد التضامن معه لكن لا أعلم كيفية التضامن مع الرؤساء؟ فأصحاب الفخامات، والجلالات، صوروا أنفسهم كأشياء لا تحتاج، لا تمرض، لا تموت، لا تكبر بالسن، لا تهزم، لا تخطئ، لا تعتذر، لا تنصف، لم يعلموا شعوبهم، التضامن، ولم يبالوا يوما بحب الشعب واحترامه،كل ما يهمهم خوف الشعوب منهم.
لعل الرئيس البشير يتذكر من حين صدور قرار الاعتقال، صفقة تسليم (كارلوس) إلى فرنسا باعتباره إرهابيا مطلوبا، الآن يدرك جيدا معنى أن تكون مطلوبا، لعل كلامي هذا سينزعج منه البعض، ولا أطلب منهم غير الصدق والواقعية، والوضوح مع النفس أولا، أقدر الشعب السوداني الشقيق قلبي معه وأعتقد أنه يستحق الأفضل ولا يجب أن يتحمل معاناة جديدة لأخطاء لم يرتكبها، ويستطيع الرئيس البشير وحده توفيرها على شعبه، في سبيل ذلك لا أملك إلا أن أضم صوتي لصوت الدكتور حسن الترابي... فخامة المشير سلم نفسك.
عبدالكريم الخيواني
[email protected]