يسأل: ما الفرق بين المؤتمر والزهايمر!

منصور هائل يسأل: ما الفرق بين المؤتمر والزهايمر!

مات المؤتمر العام الرابع لنقابة الصحفيين اليمنيين قبل أن يولد يوم السبت القادم.
وليس ثمة ما يمنعني من الجهر بـ«موت المؤتمر» ومن اطلاق الحق في حرية التعبير لمشاعري واحاسيسي التي تقول بذلك، فهي لا تكذب حين تقول إن المؤتمر المزمع مات في الرحم المظلم لأول مؤتمر وليس في المؤتمر العام السابق.
ثم إن المؤتمر كان بالنسبة لي، عبارة عن لحظة صداقة ومحبة تتجدد كل أربعة اعوام وأتشارك في تأليفها مع مجموعة اصدقاء أحباء كنت التقيهم قبل واثناء وبعد أيام انعقاد المؤتمر، ونعقد جلسات التآمر الحميمة ضد غيرنا وضد بعضنا، وجلسات طاحنة، ساخنة، ملتهبة، حاسمة، و«تاريخية»، بعيداً عن المكان الذي يصنع فيه التاريخ، وبالاحرى عن قاعة المهرجان والخطابة والاستعراض والمؤتمر الذي تنقل وقائعه ونتائجه عبر الاعلام.
وبما أنه (أي المؤتمر) كان لحظة محبة ورفقة وصداقة، ولأن معظم عناصر صناعة ظفيرة اللحظة، حلوا عن دنيانا بعد أن ترفقت بهم يد المنون وخطفتهم بعيداً عن أدخنة بخور الموالد والولائم والموائد، فإن غياب اولئك الاحباء يشفع لي قولي بـ«موت المؤتمر».
وبما أن التآمر افتقد طعمه، وانحرف عن قواعده، ولم يعد لعبة وطنية قائمة على أصول فقد: «مات المؤتمر».
وبالعطف على وفاة الكثير من اصدقائي الذين رحلوا عن الدنيا بعد انعقاد المؤتمر السابق، يتوجب التنويه إلى أن الموت الذي اقصده في هذه العجالة لا ينحصر في بعده الفيزيائي، بقدر ما يطاول شتى الابعاد والزوايا، وتلك شهادة تصدر عن شخص اقترنت لحظة صعوده إلى أول مؤتمر، وتسجيله لأول ظهور مؤتمري، بمشاركته في صناعة واقعة وفاة «المؤتمر» وصياغة بيان النعي.
والحاصل اني كنت ضمن كتيبة اعدام، وبالاحرى ضمن الصحفيين الذين وقفوا مع الطرف المنتصر في أحقر معركة دامية أودت بحياة الكثير من زملائهم الذين وقفوا مع الطرف المهزوم. وتمثل القرار الأخطر والأهم و«التاريخي» في ذلك المؤتمر بنقطة واحدة: إدانة الزملاء القتلى!
وكانت تلك شهادة الموت المعلن للمؤتمر- النقابة، ولم تبق غير لقاءات الرفقة والمحبة والتآمر الدورية التي تواطأنا على تأطيرها بتعريف: المؤتمر.
ولما كنا نتكرر مع انعقاد كل مؤتمر، ونتخبط تحت عتبة الادارة والمؤسسة والنقابة، ونتوحل في ما قبل كل ذلك بلا ملل ولا كلل ونناقش العناوين نفسها: من هو الصحفي، العضوية، النظام الداخلي، ميثاق الشرف، القانون...
ولما كنا نتخذ القرارات والتوصيات نفسها إلى الحد الذي انطمس فيه الفارق بين «النقابة» والزهايمر.
ولما كنا نؤكد على أولوية المهنة في النهار، ونُنقض ذلك في الليل، وننتهي إلى الاستنامة المؤبدة تحت ابط الحزب الحاكم والزعيم والشيخ والقبيلة والعائلة و...الخ.
ولما كنا عبارة عن «موتى يشيعون موتاهم»؛ فقد صار من الوارد أن يزهق المرء وان يدفعه الملل القاتل إلى قول كلمة أسف واعتذار عن المشاركة في الطقس الجنائزي المكرور وتشييع: المؤتمر.
 منصور هائل
mansoorhaelMail