تبادل الاتهامات عن كثب

تبادل الاتهامات عن كثب

جلس ممثلون عن الداخلية والصحفيين بالقرب من بعضهم لرسم صورة كل طرف عن الآخر، فكانت
النتيجة: صحفي يحاول أداء مهمته، وشرطي متحمس يتجاوز القانون لحماية الوطن

 صنعاء - «النداء»
جمع موقع «التغيير نت» أطراف العلاقة المتوترة بين الشرطي والصحفي على طاولة واحدة ربما للمرة الأولى. ومن مسافات قريبة استمر تراشق الطرفين بالاتهامات مع قليل من العتب والأمل أيضاً.
في البدء حاول الزميل عرفات مدابش، رئيس تحرير موقع «التغيير نت» من خلال الترتيب لعقد ندوة «العلاقة بين الصحفي والشرطي»، جلب ممثلين عن الصحفيين ومسؤولين أمنيين في محاولة لتفكيك التوتر الذي يسود علاقة الصحفي برجال الأمن.
الأمر الجيد الذي سيطر على الفعالية التي أقامها «التغيير نت» بالتعاون مع الوقفية الوطنية للديمقراطية "ند" السبت هو أن طرفي النقاش تمثلا تماماً الصورة الذهنية لكليهما عن الآخر.
من واقع الممارسات اليومية والانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون غالباً على يد رجال الأمن فإن صورة الشرطي ليست جيدة لدى الصحفي.
لكن الشرطي الذي يخضع لحملات تعبئة رسمية منفرة ضد الصحفيين لا يحتفظ بصورة ذهنية حسنة عن الصحفي.
في الندوة لم يرسم أمين عام نقابة الصحافيين ونائب مدير عام العلاقات العامة بوزارة الداخلية شكلا مغايراً للاثنين خارج التصنيف السالف.
بحسب مروان دماج فإن الاجهزة الامنية، وتالياً رجال الأمن، لا ينظرون بود إلى ممارسة الصحفي لوظيفته، ويتعاملون معه كمن يمارس عملاً غير شرعياً، يتجلى ذلك في «تعامل رجال الشرطة مع الصحفي أثناء تغطية الاحداث الميدانية بأنه يعرف جريمة».
أهم مشكلة تبني عليها أجهزة الأمن تصرفاتها حيال الصحفيين والمجتمع عموماً هو الاعتقاد بأنها وحدها الوصية على الوطن. بالاضافة إلى ذلك فإن أحد الاسباب الرئيسية لتفاقم العلاقة بين الصحفي والشرطي يعود إلى مشكله «ناشئة داخل الأجهزة الأمنية» تعادي وتقدم صورة سيئة عن الصحفي والشاعر والمثقف بشكل عام، كما قال دماج.
وغالباً كان تعامل الشرطة بشكل أو بآخر يمثل مشكلة للصحفي أثناء عمله ويصبح أي تصرف يصدر عنها متوقعاً على الدوام. ويقول دماج إن هذا التعامل «لا يشكل مفاجأة بالنسبة للصحفيين، كون تلك الاجهزة تنفذ ما أعدت من أجله».
وراء أي تصرف غير قانوني للشرطة دائماً مبرراً جاهزاً حماية النظام والقانون. في هذا الاتجاه دافع العقيد الدكتور محمد القاعدي، نائب مدير عام العلاقات العامة بوزارة الداخلية، عن ممارسات أفراد الشرطة.
بعد محاولته التخفيف من حدة الاشتباك بين الجانبين بالحديث عن «رسالة اجتماعية واحدة والدور الوطني» كجامع بين الصحفي والشرطي أقر المسؤول الأمني بتجاوز «أفراد الشرطة النطاق المسموح به قانوناً»، لكنه قال إن ذلك ناجم عن «سوء التفاهم، وتحمس الكثير من أفراد الشرطة لأداء واجباتهم بزعم حماية النظام والقانون».
بالاستناد إلى وقائع الاختطافات والانتهاكات المتنوعة التي تعرض لها الصحفيون، اتهم مروان دماج الاجهزة الامنية بالتقصير في تعاطيها مع تلك القضايا خلال الفترة الماضية، وقال إنها لم تقدم أياً من مرتكبي تلك العمليات إلى العدالة.
لكن القاعدي اتهم الصحفيين بتضخيم مخالفات الشرطة وصولاً إلى اختلاق الاكاذيب ضدها، حيث تتحول تلك المخالفات لدى الصحفي إلى مادة خصبة لتحريك قلمه واظهار براعته في الكتابة عن الشرطي بأنه قيد الحريات ونال من حقوق المواطنين واختلاق الاكاذيب والتعنت في حقه.
مسؤول آخر في العلاقات العامة بالداخلية، هو محمد الماوري، حاول تبرير منع الشرطة للصحفيين من تغطية الاحداث الميدانية باللجوء إلى ايراد أمثلة عن وقائع جنائية تحاول الشرطة التوصل إلى نتائج فيما يقوم الصحفيون بعرقلة عملها.
وقال إن ذلك «خط أحمر»، واتهم الصحفيين بالتعنت وتضخيم قضاياهم، منتقداً عدم اللجوء إلى الجهات القضائية في متابعة قضاياهم والاكتفاء بتعنتهم للأمن «والاستمرار في الكتابة عليه».
رئيس مركز التأهيل وحماية الحريات الصحفية، محمد صادق العديني، قدم قراءة لانعدام التقارب بين الجانبين من زاوية مختلفة: نشوء المؤسسات الصحفية العسكرية، اتساع دائرة التخوين وتبادل التهم دون الوقوف على المسببات.
أرجع العديني الامر إلى انعدام الرؤية الوطنية الشاملة لأهمية وجود مؤسسات اعلامية تمارس دورها التنويري بدون قيود ضيقة.
وكان أمين عام نقابة الصحافيين قال إن المشكلة الرئيسية هي «رؤية الاجهزة الامنية للمجتمع وأنه يجب أن يتغاضى عن أخطائها»، رافضاً ما طرحه المسؤول في الداخلية بشأن تعنت الصحفيين لها، مشدداً على ضرورة أن يخضع أداء الاجهزة الامنية للتقييم المستمر، وأن مهمة الصحفي تكمن في مراقبة مراكز النفوذ في المجتمع.
ليس لدى الشرطي، بحسب القاعدي، سوى هذه المطالب من الصحفي: أن يكون عادلاً في حقه من الشكر والإشادة عند قيامه بحسن الاداء وانصافه بالاشارة إلى الاخطاء التي ارتكبها بعيداً عن التشهير والاساءة، وتحري الصدق خاصة في تناوله الاخبار التي تقلق المجتمع وتزعزع أمنه واستقراره.
بهذه المطالب يعود الصحفي مجدداً إلى دائرة الاستهداف أو على ذمتها على الأقل.
وبحسب مروان دماج فإن النقابة تسعى لإقامة علاقة طيبة بين الصحفي ورجل الأمن.أما القاعدي فقد دعا إلى التعاون بين الصحفي والشرطي من أجل خدمة المجتمع.
لقد جلس الطرفان للنقاش بشأن علاقتهما عن كثب، وما من مؤشر رغم ذلك إلى أن العلاقة ستكون على ذلك النحو خارج القاعة.
أنتهت الندوة بتوصيات تطالب الاجهزة الامنية بضبط منفذي الاعتداءات ضد الصحفيين وتقديمهم للمحاكمة، ودعت مجلس النواب إلى مسألة الجهات الأمنية عنها.
وطالبت التوصيات المجلس برفض قانون المعلومات الذي قدمته الحكومة وتريد تمريره عبر البرلمان.