و«الخطيئة الاصلية» هنا!

و«الخطيئة الاصلية» هنا! - منصور هائل

حرصاً على «الوحدة الوطنية» لن أخوض في «الخطيئة الاولى»، التي بنيت عليها عمارة السياسة اليمنية، وتجسمت في توارث احتكار رأس هرم السلطة من قبل اكثر من ألف عام في «الشطر الشمالي» (سابقا)، وفي عموم اليمن التي صارت شمالاً كلها بعد حرب 19٩_4.
وسأكتفي بكتم خيالي الذي اختلج بفكرة تصحيح «الخطيئة الاصلية»، على اعتبار أن ذلك هو المدخل الأنسب لإعادة الاعتبار للسياسة وبناء مجالها الجامع، ولاجتراح المواطن والوطن معاً.
ولم أكن في وارد إخراج الخيال من دائرة الانغلاق والعطالة إلا بعد أن وجدتني أصل الليل بالنهار في متابعة وقائع وتفاصيل الحملة الانتخابية للرئيس الامريكي باراك أوباما، من أول خطاب إلى ساعة التنصيب وما تلاها من لحظات ووقائع انتقالية مشهدية، مجهرية فارقة، لابست واكتنفت خطوات أول رئيس اسود وهو يدخل البيت الابيض، الذي شيد على أكتاف أسلافه الأرقاء والعبيد السود.
ولست في وارد تدوير الصورة والخوض في تفاصيل أول رقصة دبلوماسية لسيد البيت الابيض الجديد، أو في قيمة فستان السيدة الاولى ميشيل اوباما (أقل من مائة دولار)؛ لأن النقلة «التاريخية» العاصفة تمثلت، في نظري، بمقدرة الامريكيين البيض والسود وجميعاً، على تخطي «الخطيئة الاولى» التي بنيت عليها بلادهم، ومرتفعات الهرم السياسي التي قامت على التمييز العنصري، العرقي، الاثني، وانحصار تداول المنصب الاول بين الامريكيين الاوروبيين البيض المتحدرين من عائلات انجلو ساكسونية، ومن عرقية إثنية واحدة على الأكثر.
ما حدث كان خارقاً للعادة وللغاية، فقد انكسر احتكار العرق الواحد، اللون الواحد، وانكسر طوق الدرجة الثانية من المواطنين، واحتلت صفة «المواطنة» منزلة الصدارة، بل سبقت ما عداها، وجاز لأحدهم أن يقول إن «امريكا لم تنصّب في شخص أوباما أول رئيس أسود (وإن استقام ذلك)، أو أنها لم تكتف بذلك، بل هي نصبت أول رئيس مواطن».
وثمة إشارة أخرى لمعت من ثنايا ما حدث، وقد تجلت بانعطاف الدولة إلى طور متقدم من الارتقاء، وإلى مرتبة متعالية على الشخصية، تأكدت في حضورها (أي الدولة) كهيئة دينامية مستدامة بلغت ذروة غير مسبوقة من الإنجازات عبر إناطة الوظيفة الأولى بل المنصب الرئيس في البلد بأي مواطن، واجترحت بذلك ديمقراطية مواطنين متحررة من التأثيرات الفئوية والتراتبات والمقاييس التقليدية، حتى استوت مثالاً للمستقبل البشري.
ودونما استطراد في تفاصيل ما حدث أو غرق في الطوفان الذي مازال يغرق وسائل الاعلام والصحافة في كافة أرجاء العالم، يتوجب الإقرار بأن ما صار من «انقلاب» إنساني كوني، كان كفيلاً باستثارة وإيقاظ خلايا الخيال النائمة، وإن في منحى الاختلاج بمجرد سؤال واحد: سؤال كسر احتكار رأس هرم السلطة من قبل (...) الواحد في بلادنا.
 ويلزمني الحرص على «الوحدة الوطنية» أن أتجنب السقوط في غواية نقد «الخطيئة الاصلية»، الكامنة في موروث الحكم الإمامي الزيدي، وفي أيلولته إلى قبضة حاكم زيدي «جمهوري»، رغم أن ما حدث يفتح الباب واسعاً للتفكير والحلم والعمل على كسر كل وأي احتكار يغلق الباب على إمكانية بناء دولة لجميع مواطنيها، ولا يسمح بكسر طوق مواطن الدرجة الثانية، والثالثة والرابعة، ومواطني الدرجات عموماً.
mansoorhaelMail