عن مقامرة الحكم الأخيرة

سامي غالب يكتب عن مقامرة الحكم الأخيرة

في 18 أغسطس الماضي أزاح الحكم، بأغلبيته البرلمانية الكسيحة، المعارضة إلى خارج الملعب الانتخابي، ويتوجب عليه الآن تقديم «تنازلات مشرفة» لتجنيب البلد مباراة صفرية قد تقوِّض النظام السياسي الذي تمخض عن حرب 1994.
يخوض الحكم حروبه ضد كل الأعداء! وقياساً إلى حاله بُعيد حرب 1994، يلوح الآن بدون شركاء: لا شريك النصر المؤزر ضد الانفصال، ولا شريك المنجزات الوحدوية والديمقراطية في 1990. وتواصل أداته الموسمية (المؤتمر الشعبي) فاعليتها في الدوائر والمديريات، في تناغم لافت مع الأداة الأمنية لحسم الانتخابات المفترضة في 27 إبريل.
المجال السياسي اليمني يضيق. والعنف يزحف إلى مساحات جديدة في «يمن الوحدة والديمقراطية»، إلى قلب المدينة، كما إلى عقل الحركات الاحتجاجية السلمية.
وفي الأثناء يلعب الحكم وبعض معارضيه، في المشترك وخارجه، على الوقت. لكن «وقت اليمنيين» لا يقبل دور الحياد وقد بات الآن اللاعب الذي يستحوذ على كل الاهتمام والتركيز. وهاهو يتلاعب بأعصاب لاعبي السياسة الذين فقدوا حس المناورة مثلما فقدوا الحس السليم بالزمن.
حروب يشنها الحكم ضد كل الأعداء (بمن فيهم اعدائه الداخليين، أولئك الذين دفعتهم حرب صيف 1994 إلى الواجهة باعتبارهم الممثلين البدلاء لاعتبارات وحدوية). والمثير أنه -أقله حتى اللحظة الراهنة- يخوض حربه ضد اللقاء المشترك (وفيه شريكا الوحدة والحرب على التوالي) بروحية إلغائية تضفي على المواجهة السياسية طابعاً وجودياً، لكأن حفنة مقاعد برلمانية كفيلة بإطاحة رأس السلطة.
وفي الجبهات الأخرى، في الشمال والجنوب وفي مواجهة الجماعات المسلحة خصوصاً، يظهر الحكم الكثير من الصبر، وربما العجز، والقليل من اليقين، مثيراً حوله الوفير من الشبهات.
في حربه الوجودية ضد المعارضة يتبدى الحكم، بخبرائه عديمي الموهبة من أمنيين وفنيين، كمن يريد تثبيت جبهات العنف، الراهن والمتوقع، أملاً في حصد مقاعد البرلمان المقبل كاملةً. هذه مقامرة تاريخية، إذ لا شيء يمنع الأداة الانتخابية للمؤتمر الشعبي من توكيد جدارتها الميدانية في مواجهة أعداء وهميين. لكن الثمن الذي سيدفعه الحكم وأداته الانتخابية قد يكون فادحاً، فالاستحواذ على هامش سياسي منكمش في العاصمة (ممثلاً في مقرات السلطات الثلاث) وإقصاء الأحزاب السياسية والفعاليات السلمية في الجنوب والشمال، من شأنهما تعميم قيم العنف في مجتمع ينزع، سنة تلو سنة، إلى الاحتماء بعصبيات عنصرية وجهوية ومناطقية وقبلية، وتكريس فاعلين جدد (من خارج السياسة وممكناتها) يحسنون اللعب بالنار، متسلحين بالوقت: السيف الذي سيطيح بالرقاب اليانعة لسياسيي العاصمة.
في صالة السياسة يقامر الحكم بالنظام السياسي من أجل حفنة مقاعد برلمانية لا يريدها أن تذهب إلى أحزاب المشترك. وخارج الصالة ينتظره دائنون شرهون لا يطيقون صبراً على ما يعتبرونها ديوناً عاجلة في ذمة «سلطة المضاربات القبلية والمناطقية»، ويأنفون من السياسة ومساربها وسراباتها!
Hide Mail