يتساءل: أي شرق يريدون؟!

عبدالباري طاهر يتساءل: أي شرق يريدون؟!

تنظر الأمة العربية ومؤسسات المجتمع المدني تنظر بخطورة بالغة للوحشية الإسرائيلية الزارية بالفاشية والنازية في وحشيتها وحربها المدمرة ضد الشعبين: الفلسطيني واللبناني.
فهذه الحرب القروسطية ما كان لها ان تقوم وتستمر لولا الدعم الأمريكي اللامحدد، وتبعية الموقف الأوروبي، ورضوخ الأمم المتحدة ومجلس الأمن وانصياعهما للضغط والهيمنة الأمريكية.
وحقاً فان الموقف العربي سواء كان متواطئا أو مسلوب الإرادة أو عاجزا عن التأثير مزاودا بالجملة الثورية الفارغة إنما يعزز العدوانية العسكرية الصهيونية ويشجع الصلف الأمريكي والتبعية الأوروبية ويحول دون تبلور موقف مؤيد ومساند للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد الاحتلال وحرب الإبادة والتطهير العرقي.
وندرك عمق الترابط بين قضايا امتنا العربية، وان ما يجري في لبنان ليس معزولا عن المقاومة في فلسطين أو التصدي للاحتلال الأمريكي البريطاني في العراق.
واذ ندرك سقوط ورقة التوت عن سوءة النظام العربي الذي يقايض بقاءه وفساده واستبداده بأي قضية حتى لو كانت بوزن العراق و لبنان وفلسطين فإن علينا قراءة ما يعتمل فقد نفض النظام العربي يده من قضايا الأمة المصيرية والكبرى مقابل رضا البيت الأبيض أو تغاضيه عن بقاء أوضاعه الفاسدة والمهترئة على حالها، غير مدرك ان السيد الأمريكي والحليف الإسرائيلي لا يقبلان بغير تمزيق المنطقة و تركيعها ونهب ثرواتها وتسييد إسرائيل.
 ان الشعوب العربية ومؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية الحيه مطالبة قبل كل شيء بعدم الرهان على النظام العربي برمته، فهو، بحكم تبعيته، عاجز عن حماية بقائه فما بالنا بحماية قضايا الأمة وكرامتها واستقلالها وأمنها وسلامها.
وعلينا ان نفكر بجدية في الضغط والدعوة المستمرة إلى رفض التطبيع والارتهان للإرادة الأمريكية، وقراءة الترابط العميق بين فساد واستبداد أنظمتنا وتبعيتها وبين الفاشية الإسرائيلية والهيمنة الأمريكية، وان ننزل إلى مختلف ميادين الحياة لرفض البضائع الإسرائيلية والأمريكية، وإقناع مواطنينا بأهمية ومسؤولية مثل هذه المقاطعة ووضع القوائم والنشرات الدائمة والمستمرة بذلك.
كما ان المسؤولية القومية والأخلاقية تحتم علينا إيجاد الطرائق لجمع التبرعات و خلق روح التضامن والإخاء مع شعب العراق ولبنان وفلسطين والتبرع بالدم والمال ومقاومة أساليب الاستسلام والخنوع والعمل على إصلاح أوضاع شعوبنا في كل قطر على حدة فهي أيضاً إسهام في نصرة المقاومة وصمودها. وحقاً فان الاستمرار في المظاهرات ورص الصفوف والتوعية المستمرة، عبر الندوات والمحاضرات والكتابة، وتقديم مختلف أشكال المساندة والدعم، خطوة اولى نحو خلق جبهة عريضة موحدة تناضل باتجاهين: الأول استمرار دعم المقاومة وصمودها في هذه البلدان وشد ازرها والتواصل مع الهيئات الدولية الحقوقية والإنسانية و الصحفية لإبراز جرائم الحرب الوحشية في فلسطين ولبنان والعراق. ورفض محاولات إثارة الفتن الطائفية وخلق روح الانقسام والتفتيت التي يسعى إليها المحافظون الجدد في البيت الأبيض و الصهاينة العنصريون والحاكم المستبد.
وعلينا كمؤسسات مجتمع مدني ان نشكل هيئات متعددة ومتنوعة تتابع الوضع العام وتكون في حالة لقاءات مستمرة وتنسج علاقات عبر قنوات عديدة ومواقع مختلفة وشبكات اتصالات سواء مع المقاومة أو مع الهيئات المماثلة في الوطن العربي ومختلف بلدان العالم.
كما ان إرسال رسائل التضامن وإدانة وتجريم القتل الجماعي والتدمير الشامل ورفض الاستعمار والعنصرية الصهيونية والفاشية الأمريكية لابد وان يلقى الاهتمام و المساندة.
وإذا كان بيان الدول الثمان الكبار قد أعطى التبرير للعدوان الإسرائيلي الفاشي ضد لبنان وفلسطين فان تصريحات بعض المسؤولين العرب قد صب النار في طاحونة الحرب. كمؤسسات مجتمع مدني أيضا علينا الإدانة المستمرة لاستهداف المدنيين وإثارة النعرات الطائفية ومحاولات تفتيت الأمة على أسس طائفية وجهوية وقبائلية أو دينية أو اثنية وما يجري في العراق ولبنان و فلسطين لا يخرج عن هذا التوجه تحت يافطة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير.
والمهم الوقوف ضد الروح الانهزامية ونشر البلبلة والاستسلام تحت أي مسمى، والتمييز الصادق والعميق ما بين الإرهاب والمقاومة، والإدانة الصارمة للإرهاب من أي طرف كان.
فلسطين ولبنان والعراق ليست بحاجة للرجال، ولابد ان تنظر لدعوات فتح الحدود بالريبة والشك؛ فخراب العراق يأتي من الاحتلال الأنجلو أمريكي ومن أولئك الإرهابيين المعبئين بالطائفية والتكفير والتجريم.  وقد راهن الفلسطينيون على المحررين العرب والجيوش العربية أكثر من ثلث قرن من الزمان فكانت النتيجة ذهاب الضفة والقطاع وسيناء والجولان وغور الأردن و مزارع شبعا. علينا ان لا ننخدع بالدعوات الثورجية التي لا علاقة لها بالثورية ولا بالقومية؛ انها تدغدغ العواطف ولا تخدم قضية.
لقد مثل صمود المقاومة الأسطوري في البلدان الثلاث و خصوصا في لبنان إعاقة -ولا أقول هزيمة- للحرب الفاشية المستعرة ضد الكرامة الإنسانية وضد الحرية و السيادة.
تعكس الحرب في لبنان والعراق و فلسطين النوايا الأمريكية والإسرائيلية في تفكيك وتدمير الكيانات العربية الحضارية وإعادتها إلى عصر ما قبل الدولة، وتراهن على كيانات طائفية وجهوية وعرقية مصطنعة، كما تشهد الحرب على كذب دعاوى الإدارة الأمريكية أو رغبتها في الإصلاح الشامل لأوضاع المنطقة أو ديمقراطيتها.
فهذه الحرب الاستعمارية إنما تقوي الفساد و الاستبداد السائدين أصلا وتخلق بالتالي إرهابا عابرا للقارات فالإرهاب لا يخلق إلا الإرهاب.
لقد أكدت حرب الدمار الشامل والإبادة استحالة قهر إرادة الشعب اللبناني أو الفلسطيني. وجنرالات الحرب الاسرائيليون لا يفقهون ان حربهم الإستئصالية والتطهير العرقي لأكثر من نصف قرن لم تستطع إخماد جذوة المقاومة الفلسطينية. كما ان العدوان الشامل ضد لبنان لم يحقق النتائج المتوخاة لإسرائيل أو لسيد البيت الأبيض الأكثر حماسا لاستمرار الحرب التي تدخل أسبوعها الثالث ضد الشعب اللبناني.
ان التدمير الكلي لمنجزات لبنان الحضارية والتقتيل الجماعي لإنسانه الحر والمسالم إنما يستهدف فرض الإدارة الإسرائيلية والأمريكية على كل شعوب الأمة العربية، وتقسيم المنطقة العربية حسب الانتماءات الطائفية والعشائرية والاثنية والجهوية.
يتظافر العدوان الأمريكي الإسرائيلي ويتعزز بطائفية الحكم العربي وعشائريته و لاديمقراطيته. وإذا فشل العدوان العسكري -وهو فاشل حتى الآن- فان البديل أو خط الدفاع الثاني هو التنازلات، التي تحاول أمريكا وأوروبا فرضها عبر مجلس الأمن، وتجد آذانا صاغية وقابلية حقيقية لدى نظام عربي لا علاقة له بالأمة أو الشعوب وإرادتها. الأمر المؤكد ان الشرق الأوسط الجديد لا يعني الديمقراطية أو الإصلاح وإنما يعني القضاء المبرم على المقاومة العربية في أي صورة أو شكل.