ثقالة دم إجبارية

ثقالة دم إجبارية - نبيل قاسم

هناك خيط عريض جداً يفصل بين الثقالة والخفة، وخاصة في مجال النكتة، والنكتة السياسية بالذات، التي لا تصنع صناعة داخل المطابخ بل تولد ولادة طبيعية من حياة الناس ومن معاناتهم. وفي كثير من المجتمعات تولد النكتة من قبل المهزوم أو البعد من السلطة. وعلى سبيل المثال هناك نكات تطلق على الصعايدة لأنهم استولوا على السلطة. وكذلك أهل صنعاء معظم نكاتهم على القبيلي الذي استولى على السلطة أيضاً.وتتميز هذه النكات بالخفة لأنها صادرة عمن أزيح من السلطة وتترتب على إزاحته معاناة يشترك فيها الجميع، ولهذا تجدهم يتفاعلون حتى تصل النكتة إلى أقصى درجة من الخفة. إحدى هذه النكات تقول: ما الفرق بين الدحباشي وتسونامي؟ وتكون الإجابة: تسونامي يأتي ويخرب البيوت ويكسر ويوسخ مسبباً كارثة ما ثم يرحل، أما الدحباشي فهو يأتي ويخرب البيوت ويوسخ مسبباً كارثة ما ثم يبقى. فاللعب هنا على كلمتي «يرحل» و«يبقى» ناجم عن الاختلالات الحادثة في مسألة الوحدة والتي ترتبت عليها معاناة لمعظم سكان الجنوب. نكتة أخرى تقول: ما وجه الشبه بين الدحباشي ومسحوق الغسيل؟! فتكون الإجابة: الإثنان يعملان على إزالة «البقع»؛ واللعب هنا على كلمة «بقعة» بقعة وسخ أو بقعة أرض، فالناس يعانون من حالة النهم للإستيلاء على الاراضي وهذه الظاهرة منتشرة في شمال اليمن أكثر من انتشارها في جنوب الوطن، لأن الشماليين الذين يستولون على السلطة الآن بطبيعتهم لا ينتجون شيئاً ويعتمدون دائماً على السطو على أموال الدولة أو على أموال الغير والسطو المسلح الممثل بالعسكر في العصر الحديث هذا المستولي على السلطة حين يلقي نكاتاً على المنتجين يصبح دمه ثقيلاً على سبيل: أنت شيباني خبّاز، أنت صلوي مبصل، أنت سامعي مدار.. وهكذا يحاول غير المنتج أن يكون خفيفاً لكنه لا يستطيع، لأنه يقف في خط الثقالة. وتزداد هذه الثقالة حين يحاول أن يلصق شخصية كدحباش بأهل الجنوب ولا ينجح، ولن ينجح لأنه لا يعاني وتزداد ثقالته حين يحسب المسألة على أنها نزعة للإنفصال. وتصل الثقالة إلى أعلى درجاتها حين تبالغ وسائل اعلامه بوحدويته فتسقط دون أن تشعر في خط الانفصال. فحين بالغت أجهزة الإعلام في وصف زيارة الاخ الرئيس للمنكوبين وكانت وكأنها تتحدث عن زيارة الرئيس الموزمبيقي لليمن. الخفة في أي شيء تحتاج إلى فن وإنتاج ومعاناة وتمرس، أي تحتاج إلى حياة كاملة تدب خلفها.