امرأة تسعينية تعول 5 أسر بعدن: علية التهامية.. نضال حتى الرمق الأخير

امرأة تسعينية تعول 5 أسر بعدن: علية التهامية.. نضال حتى الرمق الأخير - وائل القباطي

كعادتها صباح كل يوم، تغادر «الحجة علية محمد عمر» منزلها الكائن في منطقة حاشد في المنصورة، في مهمة روتينية وشاقة تمارسها منذ أعوام خلت. تشارف التهامية المسنة على ال40 عاماً. لكنها تستميت في الحفاظ على عملها، وإن بمقابل ضئيل جداً، يصل إلى 200 ريال، في أحسن الأيام، لا تكفي لسد حاجة عشرات الافواه الجائعة التي تترقب عودتها عند كل ظهيرة.
باكراً تعبر الشارع المؤدي إلى مقر عملها، الذي أصبح مع مرور الزمن قادراً على تمييز وقع قدميها النحيلتين وخطواتها المتباطئة. لا تتذكر «الحجة علية» متى قدمت إلى عدن. سألتها، فأشارت إلى البعيد وهي تقول: «زمان سيبنا تهامة، ونزلت مع زوجي طالب إلى عدن» غادر «طالب» الدنيا قبل 5 سنوات، كان عليها أن تتحمل مسؤولية 10 أبناء 5 ذكور، و5 إناث، كما ومرارة الحياة ومتاعبها اللانهائية.
في منزل مكون من غرفتين يقطن افراد الأسرة ال21 (تزوج الابن الأكبر و3 من الفتيات أنجبن 11 طفلاً)، كان حظ الابناء الذكور عاشراً- اصغرهم في ال20 ولم يحصل احدهم على عمل، لكن الفتيات ساعدن في تعميق المأساة، فزوج الاولى مختل عقلياً، بينما يعمل زوج الاخرى حمالاً بالكد يجمع قوت يومه.
فيما اجتاز الزوج الثالث الحدود السعودية (بالتهريب) لكنه ينفق على اطفاله فقط، تتقاسم الاسر ال5 المساحة الضيقة للغرفتين حالياً. قادم الأيام حتماً ستكون أكثر مأساوية عندما يقرر احد افراد الاسرة اخذ نصيبه من المنزل.
ما يقارب 20 عاماً قضاها طالب صالح محمد موظفاً لدى بلدية المنصورة. منذ 5 سنوات تم إيقاف راتبه ومصدر الدخل الوحيد للأسرة. تقول «علية» بصوت ممرور: «كانوا يهبوا لنا 20.000 الف ريال، راتب طالب، وبعدما مات قطعوها، وانكروا أنه كان يشتغل معاهم». هي لا تهتم كثيراً للراتب أو الضمان الاجتماعي، حاولت مراراً أن أقنعها بضورة متابعة الجهات المعنية، في الوقت الذي كانت فيه مهتمة فقط بتنظيف بقايا اعواد القات والحصول على ما تيسر لوجبة الغداء.
لا شك أن الحياة صعبة وقاسية ولعينة ايضاً، فعندما يفترق 20 فرداً، بينهم النساء والاطفال، صباحاً، على أمل أن تجمعهم مائدة جافة بسيطة عند الظهيرة، هنا لا تستطيع كبت مشاعر الألم واطلاق اللعنات على واقع فرض على مسنة تسعينية جمع بقايا قات قيمته عشرات الآلآف مقابل 200 ريال فقط؛ ومع ذلك قالت وبقناعة شديدة: «قل لهم يهبوا لنا معاهم اجر من عندالله، نحن ما فيش معانا حلبة، فهل توقظ هذه الكلمات ضمائر التجار والموسرين، وقبل ذلك المسؤولين الذين قطعا راتب زوجها طالب؟! انها بحاجة ماسة إلى اكثر من مجرد وقفة تضامن انساني تفعلها «النداء» كالعادة.