المصارف، السياحة، الصادرات النفطية.. قطاعات لن تفلت من آثار الأزمة المالية العالمية

المصارف، السياحة، الصادرات النفطية.. قطاعات لن تفلت من آثار الأزمة المالية العالمية

 عبدالكريم هائل سلام
على الرغم من التطمينات التي أطلقها مسؤولون يمنيون في الأيام القليلة الماضية بأن الاقتصاد اليمني لن يتأثر بالأزمة المالية العالمية، إلا أن جل الأوساط الرسمية والشعبية التي تعايش الحدث عبر الفضائيات لم تُخْفِ مخاوفها من تداعيات هذا الانهيار، والجميع يبحث عن إجابة شافية للسؤال القلق حول حدود تأثر اليمن بالأزمة حاضرا ومستقبلا.
المتابع العادي لمجريات الأمور قد يصدر حكمه من أول وهلة بأن الاقتصاد اليمني بما أنه يقع على هامش الاقتصاد العالمي فإنه بمنآى عن التأثر بهذه الأزمة. لكن المتأمل المختص في واقع النشاط المصرفي وبترابط العلاقات الاقتصادية لليمن بالاقتصاد العالمي (واردات/ صادرات)، وطبيعة القطاعات الاقتصادية، فإن اليمن ستتأثر لا محالة بهذه الهزة التي أصابت العالم ولو بشكل محدود سيصيب القطاعات الأكثر عرضة لموجات وارتدادات هذه الأزمة التي هزت العالم.
الثابت أنه يصعب على أي محلل اقتصادي أن يتنبأ بحجم الأثر وقياسه، لاسيما في الظروف الحالية التي جعلت الأسواق العالمية والقطاعات الإنتاجية أكثر تأثرا بموجات الهلع والذعر التي هيمنت على المعاملات المالية بشكل غير مسبوق أكثر من تأثرها بالنشاط الفعلي للقطاعات الاقتصادية. وقد لاحظنا أن التقلبات والانهيارات المتتالية فاجأت الخبراء والمحللين قبل غيرهم وهم ويشاهدون الانكسارات المتواترة لآليات السوق وحلول الدولة محل تلك الآلية لتدارك ما يمكن تداركه خشية من الانهيار التام الذي بدأ يلوح في أفق الرأسمالية الواعدة بتعميم نمطها.
وإذا كان هذا حو حال العالم فإن التكهن بمدى تأثر اليمن تبدو مشكلة مركبة نظرا لغموض المآل الذي تتجه له الأزمة عالميا من جهة ونظرا لغياب المعطيات الإحصائية الحقيقية حول أصول القطاع المصرفي اليمني ومجالات توظيفها ٍخاصة منها الموجهة إلى الخارج، سواء منها احتياطات النقد الأجنبي للبنك المركزي أم أصول القطاع البنكي التقليدي منه والإسلامي على حد سواء وهذه أمور متروكة للسلطات النقدية اليمنية، وتحديدا البنك المركزي، المعني بتدعيم التطمينات التي أطلقها محافظه مؤخرا بأرقام تؤكد صدقية عدم تأثر اليمن بالأزمة.
وقبل أن تتبين الحقائق المدعمة بالأرقام يمكن الجزم بأن الأزمة التي اجتاحت العالم سيكون لها لا محالة تأثير واضح على اليمن على عدة مستويات وقطاعات.
القطاع المالي المصرفي: على الرغم من أن القطاع البنكي اليمني، وخاصة منه البنوك التقليدية تتركز قروضها في تمويل القروض التجارية فيما القروض الموجهة للنشاط العقارية متدنية للغاية العقارية محدودة للغاية علاوة على أنها بعيدة كلية عن أزمة القروض العقارية في الولايات المتحدة، فيما تشير الإحصائيات المتاحة إلى أن نسبة التوظيفات الاستثمارية مقارنة بالموارد المتاحة ظلت طيلة العقد الماضي متدنية وتراوحت ما بين 33 و35%، جزء كبير منها موجه للاستثمار في أذون الخزانة. فخلال العشر السنوات 1996 – 2006 كانت مساهمات البنوك فيها تقارب الثلث، لكن بالنظر إلى نسبة الودائع بالعملات الأجنبية إلى الريال اليمني في القطاع المصرفي التقليدي أو الإسلامي فإنها ظلت من أعلى النسب في المنطقة والعالم وتراوحت ما بين 50 و48%، مما يعني أن جزءا من هذه الودائع يستثمر في الأسواق الخليجية والعالمية مثل الصناديق والودائع الاستثمارية التي تقدمها المصارف الإسلامية أو البنوك، علاوة على أن البنوك التجارية التقليدية تنشط عبر صناديق الوساطة في الأسواق المالية، وهو ما يعني أنها لا محالة ستتعرض لخسائر محققة إلا أنها ستكون طفيفة لكنها ستكون بالغة الأثر إذا ما أخذ في الاعتبار نسبة الموجهة للاستثمار مقارنة بالمتاح منها.
الأمر الآخر احتياط النقد الأجنبي المستثمر منه في السوق الدولية لن يسلم من أثر الأزمة وتداعياتها.
الصادرات: من الواضح أن الأزمة المالية التي شهدها العالم ستقود حتما إلى ركود اقتصاد البلدان المتقدمة وإلى تراجع الطلب، مما سينعكس سلبا على المواد الأولية ومنها النفط الذي يعد أهم مورد للموازنة اليمنية وربما يشمل التراجع الصادرات السمكية التي تلاقي رواجا في البلدان المتقدمة، لكن هذا الرواج قد يتأثر بتراجع الطلب عليها لاسيما إذا ما امتد تأثير الأزمة.
القطاع السياحي: لا شك أن الأزمة المالية التي ضربت البلدان المتقدمة المصدرة للسياحة سيتأثر فيها الطلب على الفسح والترويج السياحي بسبب تعرض مداخيل شرائح واسعة من الطبقات الوسطى مما سيضاعف معاناة قطاع السياحة اليمني الذي يعاني أصلا من تداعيات الأحداث الأمنية التي أصابته بالشلل والركود وقد يمتد الأثر إلى السياح العرب نتيجة لما تعرضت له الأسواق المالية الخليجية من انخفاضات حادة.
تحويلات المغتربين: في الآونة الأخيرة اتجه كثير من المغتربين اليمنيين في الخليج عبر سماسرة صناديق الوساطة المالية إلى المضاربة بالأسهم المحلية والعالمية، مما سينعكس على العوائد المتوقعة لهم، فضلا على أن أنشطتهم وأعمالهم قد تتراجع بالكساد الذي قد يترتب على هذه الأزمة، وبعض من أفراد الجالية اليمنية في الولايات المتحدة كانوا ينشطون في السوق العقاري. كل ذلك قد ينسحب على حجم التحويلات المتوقعة للمغتربين اليمنيين.
تدفق الاستثمارات: لا شك أن هذه الأزمة سيكون لها تأثير ملحوظ على تدفقات الاستثمارات الخارجية المرتقبة والتي كانت تراهن عليها اليمن.
الواردات: من الواضح أن الركود على الطلب العالمي للمواد الأساسية الاستهلاكية سيؤدي تنامي العرض، فيما سيتقلص الطلب على تلك المواد كنتيجة لتأثر المداخيل وبالتالي سيقود إلى البحث عن أسواق خارجية وهو أمر قد يقلل من فاتورة الواردات الغذائية اليمنية ما لم تكون الظروف المناخية مؤثرة على مستوى الإنتاج.
إجمالا يمكن القول أن اليمن مثلها مثل غيرها لن تنجو من آثار تداعيات هذه الأزمة وإن بشكل محدود، وهو أمر يقتضي الاستعداد له بدلا من المبادرة إلى نكرانه، خاصة أنه لا أحد يعرف وجهة هذه الأزمة ولا مآلها ولا يستطيع قياس أثرها قبل انقضاء مدة معقولة من الزمن تتحدد فيها معطيات الدورات الاقتصادية قصيرة ومتوسطة المدى، إذ أن آثار أزمة الثلاثينات استمرت حتى أواخر الأربعينات قبل أن يتعافى الاقتصاد العالمي، وعلى المعنيين أن يبادروا إلى إيضاح الموقف بدلا من إطلاق التطمينات التي تثير الريبة أكثر من الطمأنينة.

***
 
الدولار يكسر حاجز المائتين.. قلق محلي من الأزمة المالية العالمية، وتطمينات المركزي تثير التساؤل

 > «النداء»- خاص
 لم تُجْدِي تصريحات البنك المركزي حول عدم تأثر اليمن بالأزمة المالية العالمية قبل إثارة العديد من التساؤلات التي عززها أرتفاع سعر الدولار أمام الريال اليمني ليكسر حاجز المأتين ريال رغم ضخ البنك المركزي 285 مليون دولار للحفاظ على سعره.
ويعزوا واقتصاديون الارتفاع إلى كثرة الطلب على الدولار، فيما بدأت بعض البنوك المحلية الامتناع عن صرف مبالغ مالية كبيرة بالعملة الصعبة للمودعين، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تهافت المودعين لاستعادة ودائعهم ومدخراتهم احتياطاً لأي أنهيار تتعرض له البنوك، ما يشير إلى بوادر أزمة، تحتاج إلى معالجة سريعة.
دول عربية أعلنت تعزيز الموقف المالي لبنوكها، سواءً بشراء حصص من أسهم البنوك كما في قطر 20٪_، أم بضخ مليارات الدولارات كما دولة الامارات العربية المتحدة، وهو الاجراء المتخذ عالمياً لمواجهة الازمة المالية.
وتشتد مخاوف مصرفيين ومودعين في اليمن على ضوء تجربة معالج وضع البنك الوطن الذي تم وضع اليد عليه من قبل المركزي في اجراء أساء للسمعة الأتمانية للبنوك اليمنية في الخارج.
«النداء» حاولت طرح الاسئلة على بعض المعنيين. لكن الواضح أن مسؤولي المركزي اليمني يتحاشون الادلاء بأي تصريحات أو ردود على الأسئلة المتزايدة.
إلى ذلك من المقرر مثول وزير المالية ومحافظ البنك المركزي تحت قبة البرلمان في الأيام القادمة لبحث تأثيرات الأزمة المالية العالمية على الاوضاع الاقتصادية والمالية في اليمن وتقديم تصريح بذلك.