سياسة الحد الأدنى.. هل يمكن أن تنقذ الوطن؟

سياسة الحد الأدنى.. هل يمكن أن تنقذ الوطن؟ - محمد عبدالسلام

أثارني القرار الذي اتخذه مجلس النواب بالموافقة على العمل بقانون نافذ دستوريا، ثم تسمية مرشحين لعضوية اللجنة العليا للانتخابات. ورأيته مؤشرا فاضحا إلى فشل تشريعي وجهل بأصول العمل البرلماني، وتجاوزا لكل الأعراف التي تعمل بها المجالس النيابية في مختلف الأقطار، بما فيها تلك التي ليس فيها حد أدنى من الديمقراطية.
مجلس النواب الحالي، والذي قام بتكريم نفسه بالتمديد لأعضائه لمدة ست سنوات، بحجة التوفير واكتساب الخبرة والمعرفة، أثبت أنه الأضعف في ذاكرة المواطنين. ليس مرد ذلك إلى نقص في الكفاءة لدى عدد لا بأس به من الأعضاء، ولكن إلى السطوة التي تبسطها السلطة التنفيذية على عمل المجلس، واستسلام الكثير من الأعضاء لإغوائها وإغرائها.
كان طبيعياً ما صنعه رئيس مجلس النواب، بطريقة هي أقرب إلى حفلات المزاد العلني وأسواق البورصات العالمية، التي تجري وسط الصراخ والصياح، وتبادل الإشارات التي تحتاج إلى خبراء لفك رموزها. لكن غير الطبيعي هو موقف نواب حزبي الإصلاح والناصري، الذين خذلوا كل من وقف معهم ومع اللقاء المشترك خلال الفترة الماضية.
تصريحات أمين عام حزب الإصلاح الأخيرة، تدل على أنه استدرك الفخ الذي كان محاوروه يريدون إيقاعه فيه، وتفجير خلاف داخل اللقاء المشترك. قد يكون انفراد الاستاذ عبدالوهاب الآنسي بتمثيل اللقاء المشترك، خطأ تكتيكيا وقع فيه. وحسنا فعل الآنسي حينن ركز على كون الانتخابات وسيلة وليست غاية بحد ذاتها. كما لعله تنبه إلى تحذيرات الرئيس وتهديداته بالعمل على إقصاء الإصلاح والاشتراكي والناصري عبر صناديق الاقتراع التي اكتسب المؤتمر الشعبي خبرة طويلة في التحكم بمخرجاتها.
نظام القائمة النسبية، وتحديد الموطن الانتخابي، ركيزتان رئيستان للتخفيف من حدة العبث بالعملية الانتخابية. وليس ذلك بأمر يحتاج تنفيذه إلى أكثر من حسن النية والرؤية الوطنية الشاملة. الغريب أن الأمرين كانا ضمن الوثيقة التي وقع عليها المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك برعاية بعثة الإتحاد الأوربي التي أشرفت على انتخابات الرئاسة السابقة.
ذلك هو الحد الأدنى، الذي يمكن أن يوحي بقرب ولوج اليمن إلى بوابة الانتخابات الشفافة والنزيهة، وليس عصيا تنفيذ الأمر في الانتخابات القادمة، لأن الإشكالية المزمنة هي أن كل ما يتم التوقيع عليه، لا ينفذ منه إلا ما ييسر مواصلة العمل بالسياسة الحالية.
كانت تهدئة المناخ السياسي، ونقطة البدء فيها، إطلاق كافة المعتقلين على ذمة قضايا سياسية وانتقامية، هي المدخل الصحيح للحديث عن انتخابات تفضي إلى تشكيل خارطة سياسية يشارك في رسم خطوطها الأحزاب الحقيقية على الساحة. فهل ما يفعله الإعلام الرسمي، القائم على تخوين كل من يختلف معه، واستغلال مسيء للوظيفة عامة لإسالة لعاب الأحزاب المستنسخة، يساعد على ذلك؟!
عبدالوهاب الآنسي، رجل ذكي، وتوافقي، اجتهد كي ينزع فتيل أزمة تعصف بالحياة السياسية وتكاد تصل بالأمور إلى حد القطيعة الكاملة. لكنه أيضا مطالب بمراعاة الخطاب السياسي الذي تبناه اللقاء المشترك منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2006، وهو مطالب بالالتزام بكل ما أعلنه قادة هذا التجمع واكتسبوا من خلاله مشروعية سياسية تجعل منهم ندا حقيقيا لحزب الرئيس.
الواقع أن الحملة الإعلامية البذيئة التي تعرض لها الآنسي وحزبه عبر صحيفة القوات المسلحة، تدعو المتابع إلى التعجب من المستوى الذي وصلت إليه لغة صحيفة تصدر باسم مؤسسة يجب –دستوريا– ألاَّ تنخرط في المواقف السياسية، وأن تكون على الحياد التام بين كافة القوى السياسية.
ويزداد العجب بالحديث عن حيادية القائد الأعلى للقوات المسلحة في العمل الحزبي، واستغلال الوظيفة العامة، والمال العام.
الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية – رئيس المؤتمر الشعبي العام، أمام صحفيي الحكومة والمؤتمر، كان ردا صريحا على تصريحات الآنسي والعتواني، التي ظلت تؤكد أنهم لا يتفاوضون مع المؤتمر ولكن مع رئيس الجمهورية. فكان خطابه حزبيا لا علاقة ولا رابط له مع مهامه كحكم بين السلطات والأحزاب، وهو الذي يجيد خداعهم والتلاعب بهم عند عقد صفقات الحد الأدنى.
 صفقات الحد الأدنى، يمكن القبول بها إذا تحقق الحد الأدنى الذي يحفظ للمواطن جزءا من حقوقه، ولا يصبح مجرد ترحيل للمشاكل وتفادي المواجهة السياسية السلمية عبر وسائلها المشروعة.
المشهد الأكثر سخرية، والأكثر دلالة على المستوى الذي وصلت إليه الحياة السياسية اليمنية، هو في تلك الصورة التي تناقلتها الصحف، ورأينا فيها عبدالرحمن مهيوب، المنشق سابقا عن قاسم سلام، ثم لاحقا (برغبة مؤتمرية) عن عبدالوهاب محمود، يوقع وثيقة تحالفه (الحزب) مع المؤتمر الشعبي العام، بحضور قاسم سلام لا سواه، وبرعاية أحمد بن دغر بلحمه وعظمه بعد خروجه من قائمة الستة عشر سيئة الصيت. فهل هناك مشهد أكثر حزنا ومأساوية من هذا؟!! وهو في رأيي إحدى صفقات الحد الأدنى!