«صراع في الوادي» حول هوية المدير الجديد للمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في سيئون.. البرنامج الاستثماري معطل والمقاولون ساخطون وتوجيهات الرئيس في مهب الريح

مشاريع المياه والصرف الصحي في وادي حضرموت مجمدة بفعل «صراع في الوادي» يدور منذ مارس الماضي بين السلطة المحلية ووزارة المياه والبيئة حول «المدير المنتظر».
في مطلع العام الجاري أعلنت الوزارة عن فتح باب الترشيح للراغبين في شغل موقع مدير للمؤسسة المحلية خلفاً للمدير السابق صالح بارباع. تقدم 12 مرشحاً، وخضعوا لتقييم من عدة مراحل، أمام لجنة برئاسة وكيل الوزارة محمد ابراهيم الحمدي، وقررت اللجنة تقديم 3 مرشحين اجتازوا معايير القبول هم: عادل الحداء، وأحمد السري، وسعيد يسلم.
أرسل الوزير أسمي المرشحين الأول والثاني إلى محافظ حضرموت السابق طه هاجر، ووقع اختيار المحافظ والمجلس المحلي لحضرموت على المرشح الثاني أحمد السري، لاعتبارات عديدة تتعلق بخبرته السابقة في المؤسسة المحلية، ولأنه من أبناء المحافظة.
تم تكليف السري بالقيام بأعمال المدير إلى حين استكمال اجراءات تعيينه. لكن الوزير رفض التكليف، وتشبث بتعيين المرشح صاحب المرتبة الأولى عادل الحداد.
رد المحافظ بدوره، وعطَّل قرار الوزير، ولم يتمكن الحداد من استلام عمله في سيئون.
احتدم الصراع بين العاصمة ومركز المحافظة، فلجأ المحافظ السابق إلى رئيس الوزراء، يطلب منه تفهم أساب ترشيح أحمد السري لمنصب مدير المؤسسة، وبينها أن المذكور عمل نائباً للمدير للشؤون المالية والإدارية في السنوات السابقة، ولكونه يحظى باحترام العاملين في المؤسسة، ولأنه من أبناء المحافظة. وختم المحافظ مذكرته إلى مجور، بطلب سرعة تعيين السري لتمكينه من أداء مهامه، وتلافي أية خلافات (مشاكل) في عمل المؤسسة.
كان ذلك في 21 مارس الماضي. وقد لجأ المحافظ إلى نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، أملاً، في مذكرة وجهها في 25 مارس، من سيادة النائب الإيعاز إلى دولة رئيس الوزراء بسرعة أصدار قرار تعيين السري.
سيادة النائب لم يتردد، فقد وجه رئيس الوزراء باعتماد مقترح المحافظ والمجلس المحلي كحالة استثنائية. وفي صيغة آمرة، كتب سيادة النائب في توجيهه إلى رئيس الوزراء: «اقنع وزير المياه والصرف الصحي».
الوزير لم يقتنع. وعذره أن قراراً سابقاً من مجور نفسه قد صدر بتعيين صاحب المرتبة الأولى في اختبار المفاضلة.
في 30 إبرايل، كان على الرئيس علي عبدالله صالح أن يتدخل شخصياً، وقد وجه رئيس الوزراء باستكمال إجراءات تعيين أحمد السري بموجب قانون السلطة المحلية.
لم يتم تعيين مدير للمؤسسة حتى الآن، وعلى ما يبدو فإن على المجلس المحلي للمحافظة اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بتعيين السري، بموجب الفصل السابع لمثياق الأمم المتحدة!.
تستحق الحالة أعلاه دراسة معمقة من جهاز استشاري محايد، ذلك أن الصراع المحتدم في الوادي، لا يخص مجموعة من كبار المسؤولين في العاصمة، ومراكز قوى في حضرموت، بل يعني سكان الوادي جميعاً. فهؤلاء هم الضحية الأولى للفساد السياسي والإداري في أجهزة الدولة.
 وبحسب مصادر مستقلة فإن أحوال المؤسسة تردت كثيراً بسبب «الفراغ الرئاسي»، حتى أن العاملين فيها نفذوا اضرابات عديدة جراء سوء أوضاعهم المالية والإدارية، وتأخر صرف رواتبهم. وبينما يستمر «صراع الوادي»، يعمل طاقم المؤسسة. في ظروف قاسية حيث تم فصل خدمتي الهاتف والكهرباء عن مقر المؤسسة، ولا غرابة إذا سمع بعد أيام بأن المياه مقطوعة عن مقر المؤسسة المعنية بإيصال خدمة المياه إلى مساكن الأهالي.
سيكون من السذاجة عزو الصراع في وادي حضرموت، إلى مجرد تنازع إداري وبيروقراطي بين الوزير والمحافظ السابق، و(بالتبعية) المحافظ الحالي، فالمؤسسة المحلية تشرف على مشاريع بمئات الملايين من الريالات، وموقع مدير مؤسسة محلية يعني، الكثير للمسؤولين في المحافظة وفي العاصمة، وهؤلاء جميعاً من كوادر المؤتمر الشعبي العام، ويقومون بخدمة التنمية المحلية في حضرموت على طريقتهم «الخاصة»، بدون أي تشويش من الأحزاب الحاقدة في المعارضة.
في 6 أغسطس الجاري طلب النائب عن دائرة سيئون سعيد دومان مثول رئيس الوزراء أمام البرلمان لتقديم ايضاحات حول عدم تمكن الحكومة من البدء في تنفيذ مشروع الصرف الصحي في سيئون وتريم على الرغم من وجود تمويل خاص للمشروع.
رئيس الوزراء لم يمثل بعد في البرلمان، وعلى الأرجح فإن الإيضاح الوحيد الذي في وسعه تقديمه لنواب الشعب هو عدم قدرة حكومة المؤتمر الشعبي العام على فض النزاع الناشب بين أقطابها حول هوية «المدير المنتظر»!
وإلى حين تمكن مجور ورفاقه من ابتداع خارطة طريق لحل أزمة الوادي، سيواصل «أهل الوادي» دفع ضريبة الفساد الحكومي. وطبق مصادر خاصة فإن الاستثمار في مجال المياه والصرف الصحي معطل تماماً منذ بداية العام الجاري. كما أن المستثمرين في هذا المجال بدأوا بالتململ، بسبب عدم وفاء الحكومة بمستحقاتهم عن مشاريع منجزة أو قيد الانجاز. وفي يونيو الماضي التقى عدد من هؤلاء المستثمرين والمقاولين وزير المياه للمطالبة بالمستخلصات، وصرفها إما بتوقيع أحد المسؤولين في المؤسسة المحلية أو بتوقيع من لجنة يتم تعيينها لهذا الغرض. رفض الوزير المقترح. وخلال لقائه بضيوف العاصمة القادمين من قلب الوادي، احتدم الوزير قائلاً: «روحوا اشتكوا بي لرئيس الوزراء». حقق المستثمرون الضيوف أمنية الوزير، وحرروا شكوى إلى رئيس الوزراء الذي وجه بحل الإشكال.
معاناة المقاولين والمستثمرين هي من معاناة السكان. وطبق المصادر فإن أزمة «المدير المنتظر» أدت إلى إلحاق أضرار فادحة ببعضهم، أحدهم، على سبيل المثال، وهو طه السقاف صاحب مؤسسة الوادي، أنجز مشروع شبكة حي الثورة والقرن قبل نحو عامين، لكنه لم يتمكن حتى الآن من استلام مستحقاته، أو قيمة الضمان التي يحق له استعادتها بعد سنه من تسليم المشروع.
هناك 15 مقاولاً ومستثمراً، على الأقل موعودون بـ«المدير المنتظر». وإلى مشاريع هؤلاء المتوقفة منذ مطلع العام، تم تعطيل البرنامج الاستثماري للعام 2008. ولتسيير شؤون المؤسسة ونفقاتها التشغيلية فكر البعض في السلطة المحلية باللجوء إلى رصيد الايرادات المتراكمة للمؤسسة في البنك المركزي والتي تقدر بنحو 500 مليون ريال. لكن المختصين في البنك المركزي بسيئون رفضوا صرف شيكات تم تحريرها لمواجهة نفقات عاجلة بحجة أنها لم تُذيِّل بتوقيع «المهدي المنتظر»، والمؤكد أن هدايا من العسل الدوعني الفاخر، لن تقنعهم بتجاوز القانون.