جابه عبدالملك فوهات 13 بندقيَّة بالقول: «بَطْني نظيفة.. بزُّوني»

جابه عبدالملك فوهات 13 بندقيَّة بالقول: «بَطْني نظيفة.. بزُّوني» - هلال الجمرة

كاد عبدالملك محمد المطري (22 عاماً) أن (يضمِّن) في لعبة «الدمنة» لصالح فريقه، وبينما كان يتأهب لوضع «حبَّة» التضمين في ساعة متأخرة من ليل 9 يونيو المنصرم، شدَّ نظره ومن حوله، صفير 3 سيارات «مونيكا» بلوحات (خصوصي). توقَّفت السيارات فجأة. ترجَّل مسلحون ملثمون منها وصوبوا أسلحتهم نحو رؤوس المتبارين الأربعة وجمهورهم المحدود.
فزَّ عبدالملك لحظة سؤال المسلحين عنه وقال: «أنا عبدالملك». بالنسبة لشاب عشريني أعزل إلاَّ من أحجار دمنة. كانت 13 فوهة بندقية تتربَّص به، وأبلغه الملثمون بأنهم من جهاز الأمن السياسي.
أحد أصدقائه لم يصمد حيال المشهد الأمني المروع، ولشدة خوفه تبول على بنطاله، تقول المصادر تقدم الملثمون باتجاه عبدالملك الذي قال: «بطني نظيفة... بزُّوني».
في 2004 التحق عبدالملك محمد صالح المطري بقيادة الحرس الجمهوري في منطقة السواد بالعاصمة، وهو يعمل في مكتب الشؤون الإدارية حتى اعتقاله. يومذاك كان الشاب شغوفاً بالسلك العسكري لمواصلة نضال والده العميد محمد المطري الذي استشهد عام 1995 أثناء أداء واجبه، وفي الوقت نفسه كان قد حصَّن نفسه جيداً لخوض امتحانات الثانوية العامة.
عُرِف عبدالملك بالتزامه الديني، ومتى شعر بعدم ارتياح أو تململ يحضر حلقة علم دينية (زيدية) في جامع النهرين بعد صلاة المغرب.
اعتاد المطري على الروتين ذاته منذ التحق بالحرس الجمهوري؛ يداوم في المعسكر 6 ساعات، يعود إلى البيت يتناول الغداء، يخزِّن، يخرج إلى الجامع ويتلقى الدرس، ويعود لقضاء الليل مع أصحابه أمام المنزل في حي الصافية حتى 12 ليلاً، بعدها يخلد إلى النوم، فصَّلت والدته كيف كان يقضي ابنها نهاره. مستثنية يوم اعتقاله إذ قدَّم فيه خدمة عائلية إضافية: قاد سيارة أخيه حسن (35 عاماً) لإيصال والدته إلى منزل اختها في حي شعوب.
***
تفاجأت أسرته باعتقاله، فهي تجهل أن يكون (بزّي) الشيخ أحمد علي المطري قد تلقى تهديدات قبيل اعتقاله. كما أنها لم تلحظ تهمة أو مبرراً لاختطاف عبدالملك. غير أن والدته تشك أن تكون دراسة 4 أشهر في صعدة قبل اندلاع الحرب الاولى في 2004 هي تهمة اعتقاله.
وسط هذه الفترة المضطربة، استمر عبدالملك في دراسة المذهب الزيدي والتشبث بأفكاره، وترى والدته بأن الناس الذين عرفوه في هذه الفترة يعتبرونه رجلاً متشدداً وكثير الجدل.
خلال الشهرين الماضيين، زادت الاعتقالات بصورة ملفتة، لكن بأساليب سيئة ومستفزة؛ فمعظم أسر المعتقلين تشكو اختفاء أبنائها قسراً. يحصد الشباب النسبة الاعلى في عدّاد الاختفاء القسري وتبرز الأمهات أشد معاناة وحزناً على مستوى الأسرة.
أم عبدالملك تبدو كذلك، فهي مستاءة من أساليب الاعتقال والتحفظ على أماكن المعتقلين، تقول: «لا قد الدولة تبزّ أبناء الناس وعيال الشهداء والمناضلين من أبواب بيوتهم بدون شي ما عادوه...». متسائلة عن ذنبهم: «للمه يفعلوا بابني هكذا ويحرموني منه؟ بيجازوا المناضلين والشهداء هكذا؟».
لم يكن عبدالملك فاراً من وجه العدالة أو عصياً على الإمساك به، حتى يُتعامل معه بتلك الطريقة. كان فقط بإمكان أي جهة ترى أن اعتقاله ضرورة وطنية أن تبلغ قيادة الحرس الجمهوري (مكان عمله) بالقبض عليه حيث يداوم يومياً، تقول والدته: «ابني ماهوش هارب، هو عسكري عند أحمد علي وعند ابوه.. اذا هو متهم بشي يبلغوا معسكره».
<<<
 لا تستطيع الحشود المتوافدة من قرية حظران -بني مطر (مسقط رأس بزيَّ الشيخ احمد علي المطري). بلع الاختطاف الأمني لابنهم. معتبرةً ذلك استفزازاً واضحاً من قبل الدولة سيما بعد موت شيخهم القوي أحمد علي المطري.
فمنذ عصر الثلاثاء 10 يونيو الماضي وحسن المطري الشقيق الاكبر لعبدالملك لا ينفك في يستقبل أكثر من 20 شخصاً من أقربائه ومحبيه وأبناء منطقته، يحضرون للتضامن مستعدين لأي مساعدة متى ما لزم الأمر. يقول حسن: «كل يوم يجي 25 نفر واكثر إلى البيت يسألوا لتقديم أي عن عبدالملك ومصيره مستعدين لأي خدمة نطلبها منهم». عندما تلقى النبأ السيء باعتقال أخيه بدا حسن رزيناً وناضجاً فقبل أن يتصرف بشيء قد يضره لجأ ساعتها إلى شيخهم وأبلغه ما حدث فطمأنه الأخير بأنه سيتدبر الأمر.
تعوَّد الشاب الأنيق الاغتسال مرتين يومياً، لكنه الآن مختفٍ منذ 48 يوماً، وملابسه لم تتغير وربما لم يلمس الماء، حسب ما تعتقد والدته.
 
***
 
احتراف حساب الوقت
 
تجيد الحاجة مريم المطري «والدة عبدالملك» حساب الوقت بدقة؛ فحزنها على ابنها جعلها تحسب كل دقيقة تمر على اختفائه وكأي أم مقهورة تبكي مريم على ابنها بحرقة وتقول «قد له إلى اليوم (ظهر السبت) 45 يوم ونصف ولا احنا داريين فين هو».
مطلع الاسبوع كانت الأم مع ابنها الاكبر حسن وشقيقها علي المطري الذي يشدَّ عضدها ويؤازرها في محنتها منذ اعتقال عبدالملك.
في إحدى المنظمات الحقوقية سردت الأم لـ«النداء» محنتها مع الاختفاء القسري لانبها.
فجر الثلاثاء 10 يونيو أرادت الأم دعوة عبدالملك لأداء الصلاة، بيد أنها لم تجده في غرفته. اغلقت الباب بهدوء وهي تهمس لنفسها بأنه قد يكون نائماً عند أخته المتزوجة التي تسكن الدور الارضي من نفس البيت الكائن في حي الصافية. بدأ الخوف يأخذ مساحة من ذهن مريم. لقد اعتادت على إيقاظه لتناول الافطار في7 صباحاً ويمضي إلى عمله. طلبت الأم من ابنتها إيقاظ عبدالملك، فاعتذرت لعدم وجوده في البيت. لم تجد مبرراً لغيابه، لكنها وجدت صديقه يطرق الباب بعد ساعتين إذ أبلغها باعتقاله وسلَّمها «سويس» السيارة وحكى لها عن كل التفاصيل تقول. إنه عندما أدخل عبدالملك يده إلى جيبه لإخراج «السويس» استعدَّ الجنود لإطلاق الرصاص وحذروه من الحركة.
زوجة المناضل الكبير والثوري العميد محمد المطري، لا تملك سوى اللجوء إلى ربها، فهي تفزَّ من نومها وتدعو الله أن يفك محنتها وأن يفرج عن ابنها «لأنه ما معي إلا الله.. لا مسؤول ولا وزير عينفعنا...».
منح المناضل محمد المطري أول ترقية له بعد الثورة «ملازم ثاني» وبعدها تدرج في المناصب ومات وهو يؤدي واجبه قائد قطاع الوصابين، وبرتبة عميد»، قال ابنه حسن. لكن والدته تستنكر عدم وفاء الدولة له بأخذ ابنه الذي يحب الرئيس كثيراً، تقول: «كان يرّكز صور علي عبدالله صالح في البيت ويدّي رأسه ويجادل على عمه علي (الرئيس)».
لم تعد الأم تعرف أبنائها، فما أن تسمع صوتاً حتى تصرخ باسم ابنها الغائب: «عبدالملك» يقول ابنها حسن: «ما عاد تداعينا إلا ياعبدالملك كلَّنا».
عبدالملك أخ ل8 افراد ذكور وبنات، يعيشون في بيت واحد في حي الصافية وينتمي إلى قبيلة بني مطر قرية «حظران».