انتخابات اتحاد الأدباء.. بين تسويات السياسة وتكتلات الجغرافيا -

انتخابات اتحاد الأدباء.. بين تسويات السياسة وتكتلات الجغرافيا - بشرى المقطري

ربما جميعنا يحلم بامتلاك أرض. وسقف ونافذة، وجدران.. وجغرافية تطل على آخرين، سنحاول دائماً أن نكون لبقين معهم، ومهذبين، وربما شخصياً سأرشح ذات الأسماء /الوجوه/ المواقع باعتبارها حققت لي ما أعجز حتى عن التفكير فيه.
هناك فرق بين النوايا الحسنة والتمنيات ومعطيات الواقع الذي نعيش فيه. هناك فرق بين «الدعاية» المضللة وامكانيات الواقع الثقافي اليمني، كما هناك فرق بين أن يكون لك مشروع ثقافي حقيقي تقدمه للآخرين وبين إغراء منصب ما. بين أن تكون أديباً وأن تكون موظفاً برتبة أديب، بين أن تطلق «دعابة ما» وأن تكون مسؤولاً عن «إضحاكنا» لكن ما يحدث في الواقع الثقافي اليمني ينبع من ذات السيولة والضبابية في عدم تحديد الفهم، وعدم الفهم، كالمسافة بين أن تكون ثقافياً سياسياً وبين أن تكون ثقافياً مسيساً.
يحسب للأمانة السابقة وأمينها العام الشاعر الراحل محمد حسين هيثم بأن إدارته للأمانة العامة السابقة كانت متزنة ومعقولة ومنطقية إلى حد كبير سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي، في تحديد مواقفه من الحريات أو في سياسته مع الفروع، أي أنه كان يمتلك مشروعاً ثقافياً حقيقياً ورؤية محددة وألية استطاع في الحدود المتاحة أن يقدم انجازات ثقافية حقيقية تحسب له، فالحراك الثقافي الفاعل الذي وجد في الاتحاد أو على مستوى الفروع كان يبشر بالتفاؤل، بالإضافة إلى تجربته الفريدة في رفد الساحة الثقافية بكم هائل من الإصدارات الابداعية في مختلف نواحي الإبداع والادباء من أجيال مختلفة، سنظل دائماً نذكر هذا الرجل وهذه التجربة مهما اختلفنا معه/ حوله كشخص سيظل نقطة مضيئة في مسيرة الاتحاد.
جاءت الامانة العامة الحالية وكان هناك رصيد ما يجب أن تستثمره، لكن وبما أننا دائماً ننطلق من مقولة «الإسلام يجب ما قبله» فإن الامانة العامة نسفت/ جبت كل شيء، ولم تكمل التجربة التي دشنها الراحل هيثم وتبدأ بتحقيق ما لم ينجز، كتأسيس مطبعة خاصة للاتحاد تتولى طبع الاعمال، أو استكمال شراء مقرات للفروع، أو تحقيق مشروع تفرغ الاديب للكتابة، أو تحقيق تأمين صحي للأديب مدى الحياة كما هو في البلدان الاخرى، كان على الأمانة الحالية أن تقدم مشروعها الخاص وتجربتها التي تحمل فلسفتها الخاصة ورؤاها في كيفية إدارة الاتحاد وتوجيه الفروع بما يخدم الشأن الثقافي، لكن بنظرة موضوعية بسيطة لمجرى الأمور حتى الآن على الأقل، فإن الأمانة العامة الحالية لم تقم بأي فعل ثقافي حقيقي يحسب لها على الرغم من أن الميزانية الحالية للأمانة ربما فاقت الامانات السابقة حسب قول أحدهم عدا مهرجان الاديب الذي كان كارثة ولم يضف شيئاً للحياة الثقافية اليمنية عن تكريم الامانة العامة لنفسها أو مهرجان الفضول الذي كان أكثر مأساوية من عدا المشاركة فيه، أو الحديث عن شراء مقر لفرع تعز بينما لم يخرج الامر عن حيز التمنيات، أو الحديث -النكتة- عن توزيع الاراضي للأدباء، ناهيك عن التصريحات الجسورة عن «الوحدة الوطنية» ودور الاتحاد في ذلك.
حقيقة الأمر، مزعج ومخجل أن تدور حياتنا في حلقة مفرغة من الادعاءات. ومخجل أيضاً أن يلبس المثقف رداء السياسي في تعتيم الأمور والضحك علينا، فلم يكن الاتحاد وعلى مدى تاريخه مرتهنا كما هو الآن، وضبابياً في مواقفه كما هو الآن (لم يتخذ الاتحاد موقفاً واضحاً مشرفاً من مسألة الحريات والتهديات التي يتعرض لها الصحفيون والادباء، والأمثلة كثيرة)، وبعيداً عن الأديب وهموم الاديب كما هو الآن، ولا يملك مشروعاً كما هو الآن، ونائماً كما هو الآن، ومحبطاً كما هو الآن، ومتعباً كما هو الآن، ومسيساً كما هو الآن، ومتخبطاً كما هو الآن (يمكن العودة للبيانات والتصريحات المتضاربة).
ربما بقراءة مقالي «محمد عثمان» والسلامي و«السلامي» المنشورين في صحيفة الثقافية (العدد السابق)، نستطيع أن نلمس التخبطات في الرؤية وعدم وضوح النهج الذي اتخذته الأمانة العامة في إدارة الاتحاد عموماً أو في إدارتها تجاه الفروع، أسباب كثيرة وجوهرية تلقي الكثير من الضوء على تجربة الاتحاد الحالية، لكن في رأيي هناك سبب أهم قلما نلتفت إليه وهو، في رأيي، يكمن في عدم امتلاك الامانة الحالية ككتلة «أي أنهم مجموعة من («الأدباء» ليس لهم هم ثقافي مشترك») أيّ تجربة عملية في الفعل الثقافي أو أي مشروع أدبي حقيقي، أو رؤية واضحة محددة سواء في إدارة الاتحاد، أو في تعاطيها مع الفروع. فلم تتدخل الأمانة الحالية لتسوية الخلافات الدائرة في الهيئة الادارية لاتحاد أدباء تعز، ولم تتخذ موقفاً واضحاً ومحايداً يحسب لها، بل تعاملت وكأن ما يحدث في فرع تعز أمر لا يعنيها أبداً. ولحسابات شخصية لا علاقة لها بالأدب غضت الامانة العام النظر عن كل ما يثار، الامر الذي دفع بالاستاذ عزالدين سعيد والاستاذ عبدالقوي سالم إلى تقديم استقالتهما، ولم تحرك الامانة العامة ساكناً فأصبحا لفرع الذي كان سابقاً محركاً للنشاط الثقافي في المدينة شبحاً نخاف حتى مجرد المرور عليه.
هل أخفقت الأمانة الحالية في إدارة الاتحاد؟ هل كانت دون التوقعات والطموحات؟ هل ضحكت علينا؟ هل استغلت مواقعها في التمثيل في المهرجانات، وفي بدلات السفر؟
أسئلة كثيرة وجميعنا يملك الإجابة، لكننا نخجل من التلويح بها إلا غمزاً، لأننا كمجموعة حمقى (أدباء وحمقى) أو (أدباء حمقى) تعاملنا مع الأمر بذاته كما تتعامل الشعوب مع حكوماتها بلامبالاة وبنوع من التمرين على النسيان، ولأن الامر أصبح من الماضي، فإننا نستطيع أن نغفر للأمانة الحالية كل الهراء الذي شجت به رؤوسنا، كل الاحلام التي وعدتنا، كل الأكاذيب التي روجتها، سننسى «موضوع الاراضي والتأمين الصحي وحق التفرغ وحضور المهرجانات، حق طابعة الاعمال، حق الحرية في الاختلاف، حق التساوي في الفرص وفي المعاملة، حق أن يكون الاتحاد كياناً محايداً مستقلاً يحتضن جميع الأدباء وليس لانتماء سياسي معين.. أحلام كثيرة نستطيع أن ننساها الآن، لكن قبل ذلك على الأمانة العامة أن تستجيب لما يكتبه الادباء وألا تتعامل معنا كما تتعامل الحكومات مع شعوبها، مجموعة من الدرhويش يحلمون ويحدثون أنفسهم، يصرخون ثم يهمدون، يجب أن تتعامل مع الأمر بلياقة أكثر وتحدد موقفاً وواضحاً فيما أُثير ويثhر دائماً، وأن تتبنى خطوات مطالب عملية في إدارة المرحلة اللاحقة وفقاً لما طرحه أدباء كثيرون:
1 - تشكيل لجنة محايدة, من أدباء ليسوا من الأمانة العامة الحالية ولا من المجلس التنفيذي الحالي, وتشارك جميع الفروع في اختيار ممثلين لها في هذه اللجنة.
2 - أن تقوم اللجنة المشكلة بمراجعة النظام الأساسي واللائحة الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالمجلس التنفيذي، وعمل التعديلات الضرورية التي يجب أن تواكب متغيرات الواقع الثقافي.
3 - أن يقدم أعضاء اللجنة التعديلات، ويتم إقرارها والتصويت عليها من قبل جميع الأدباء، وألا تتم الانتخابات القادمة إلا في ضوء التعديلات الجديدة.
4 - أن يتم إقرار الذمة المالية للأمانة العامة قبل الانتخابات القادمة ونشرها في الصحف ضماناً لمبدأ الشفافية والمساءلة.
5 - أن تقدم الامانة العامة توضيحاً فيما يخص مسألة التمثيل في المهرجانات العربية والدولية، وما هي المعايير التي اتبعتها خاصة في مهرجان الترجمة الأخير حيث شارك أدباء لا علاقة لهم بالترجمة. وكانت في رأيي حالة مأساوية لتردي الوضع الثقافي اليمني، فبدلاً من إن يشارك أدباء حققوا ترجمة ما كالدكتور عبدالوهاب المقالح أو محمد عثمان بحيث يستفيد الاديب من واقع الترجمة في بلدان أخرى ويتعرف على تجارب الآخرين ويفيد الفعل الثقافي في بلادنا، إلا أن الأمر في الحقيقة مخجل ويثير الكثير من الشكوك في مدى استقلالية الاتحاد وارتهانه للعلاقات الشخصية واستفادة البعض من هذه العلاقات، والتي أثمرت أيضاً عن مؤتمر الرواية الأخير، وتلك حكاية أخرى.
6 - أن تقدم الأمانة العامة توضيحاً فيما يخص عضوية الاتحاد، وكيف أن هناك أدباء رفضت عضويتهم للأكثر من مرة، وحصل عليها البعض في حين لم يتجاوز رصيدهم «الأدبي» بضع مقالات.
7 - أن لا تشكل اللجنة التحضيرية للانتخابات القادمة من أي عضو من الامانة العامة الحالية أو من المجلس التنفيذي الحالي. على أن يتم اختيارهم من جميع الفروع. ويتم إخطارهم بذلك مسبقاً.
8 - أن توضح لنا الامانة الحالية ماذا فعلت بمشروع الاصدارات الادبية، ولماذا أخفق هذا المشروع, وبحق الأديب في التفرغ.
شخصياً أتمنى أن تكون الانتخابات القادمة مؤشراً حقيقياً على نضج الأديب والمثقف اليمني في تعاطيه مع الفعل الثقافي، وأن يحقق استقلاليته الذاتية بعيداً عن املاءات السياسة، وأن ينظر الجميع لما افرزته تجربة انتخابات فرع تعز بنوع من المسؤولية الاخلاقية، بحيث تكون الانتخابات القادمة تجربة مختلفة عن سابقتها. بادرة جديدة يكون فيها المعيار الحقيقي لمن يمتلك مشروعاً ثقافياً حقيقياً أولا وليس لاستدراج أسماء بعينها، أو للتسويق الديمقراطي بحق المرأة في الصعود إلى الامانة العامة، أو لحساب الولاءات السياسية الضيقة أو الاحتكام لجذب الجغرافيا كتكتل أدباء حضرموت مثلاً، في رأيي هناك أدباء حقيقيون بعيدون عن كل هذا الهراء، بعيدون عن أملاءات السياسة وتحيزات الجغرافيا. أدباء مختفون لا يحبون اللغط وإثارة الضجيج والحنق أو حتى الضحك، أدباء يمتلكون مشاريع ثقافية حقيقية، ورؤية واضحة لآلية العمل الثقافي، أدباء كاوجدي الأهدل ومحي الدين جرمة ومحمد جازم وغيرهم كثير، أدباء نستطيع أن نمنحهم الثقة، والفرصة لاحداث حراك ثقافي حقيقي، حتى لا نضطر للصراخ قبل كل انتخابات قادمة.