يتساءل: أي من الموتين يغلب؟!

لا ينبغي الوقوف على أطلال البادئ في إشعال فتيل المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، فالمواجهة استمرار لمواجهة تعود إلى زمن مضى. وتحديدا إلى 48.
وهناك محطات عديدة. أما في المكان و السياسية فتمتد إلى مراكز عديدة. فإذا كان الجانب الإسرائيلي ينتمي إلى حضارة الغرب الاستعماري، ويلقى الدعم الكلي من الإدارة الأمريكية. وتغاضيا و تعاطفا أوروبيا فان حزب الله يضرب بجذوره عميقا في بيئة الحضارة العربية الإسلامية، ويلقى الدعم من قوى عربية وإسلامية. وبالأخص من سوريا وإيران وتعاطفا شعبيا واسعا.
المطالب الآنية والأهداف المباشرة خادعة فحزب الله لا يريد بخطف الجنديين الإسرائيليين مجرد إطلاق سراح الآلاف من الأسرى العرب: اللبنانيين والفلسطينيين. ولا تقف مطالبه عند تخوم تحرير ما تبقى من مزارع شبعا.
كما ان إسرائيل تتذرع بإطلاق سراح الأسيرين في حين تريد تدمير المقاومة اللبنانية. وفرض التطبيع على المنطقة كلها بما في ذلك سوريا. وقد تمتد خططها إلى جر إيران إلى صدام تنجر إليه أمريكا.
تخوض إسرائيل ولأول مرة المعركة مؤزرة بالتماهي الكلي مع الحليف الأمريكي وتغاض دولي يصل حدود التبرير يتزامن مع بروز اتجاه عربي رسمي قوي: مصر، الأردن والسعودية و بعض دول الخليج تدين حزب الله. وتنفض يدها مما تسميه التطرف و المغامرة. وان كان هذا لا يعني صواب موقف الدول العربية «المزاودة» والداعية إلى تفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك أو فتح الحدود، فهذه الدول هي الأخرى ضالعة حتى النخاع في التبعية لأمريكا. وتطرح شعارات لا تؤمن بها و غير قابلة للتنفيذ. كلا الموقفين يعبر عن أزمة النظام العربي برمته وإن كان الأخير أقرب لإرادة الأمة.
وحتى موقف الثمان الكبار القريب للموقف الإسرائيلي والمؤيد لأمريكا لا يمكن فهمه إلا بغياب التأييد العربي للمقاومة الفلسطينية واللبنانية. وانصياعها للتوجيه الأمريكي.
وموقف وزراء الخارجية العرب وأمين عام الجامعة العربية لا يعني الكثير سواء بإعادة الملف للأمم المتحدة الموجود فيها منذ 48. وهو يضم عشرات القرارات ابتداء من قرار التقسيم مرورا بالقرار 191 حول اللاجئين والقرارين:442، 232.
 وكلها قرارات لا تحترمها إسرائيل. ولا تطالبها الأمم المتحدة بتنفيذها. كما تعمل في تطبيق قرارات جائرة ومنحازة ضد العراق وإيران وفلسطين ولبنان والسودان... وهلم جرا.
ذهاب العرب مجددا إلى الأمم المتحدة غير ذي جدوى بعد ان سلم غالبيتهم الأوراق إلى الراعي الأمريكي المنحاز كلية لإسرائيل. وبعد ان أصبحت الإدارة الأمريكية بيدها مفاتيح القرار في هذه المنظمة. وإعلان ان السلام قد مات لا يضيف جديدا لأن شارون قد أعلن دفنه قولا وفعلا قبل 6 سنوات عندما اقتحم الحرم القدسي. وفرض إرادة الاحتلال. الفاجع ان الجميع -وزراء الخارجية العرب- لا يتحدث عن دعم المقاومة مع ان القضية الأساس هي حماية لبنان وفلسطين اللتين تتعرضان لحرب إبادة وتدمير شامل بغض النظر عن البادئ أو سوء التقدير. فما يجري في فلسطين ولبنان هو حرب قائمة ومعلنة قبل ولادة حماس وتأسيس حزب الله بعقود. والفرق بين الحاكم العربي وإسرائيل أنها تعلن الحرب المعلنة أصلا بسبب اسر جندي يمتطى دبابة فوق الأرض الفلسطينية تقذف حممها ضد سكان آمنين بينما تقوم هي باختطاف المئات والآلاف من مساكنهم بعد ان تدمرها على رؤوسهم.
أما عندما يأسر أبطال من حزب الله جنودا محتلين في مزارع شبعا فان الدنيا تقوم ولا تقعد. يعتبرها سيد البيت الأبيض إرهابا ويندد بها الأوروبيون. ويستنكرها مجلس الأمن الذي لا يحرك ساكنا إزاء جرائم حرب حقيقية. ولا يهتم مجرد اهتمام باختطاف المحتل الإسرائيلي نصف الحكومة الفلسطينية المنتخبة. وما يقرب من ثلث أعضاء مجلسها النيابي المنتخب. ومئات الآلاف من الأسرى العرب.
يجهل الأمريكان والإسرائيليون ان القوة مهما يبلغ جبروتها وإفراطها لا يمكن ان تحقق لهم الأمن، أو تجبر ضحاياهم على قبول الأمر الواقع.
صحيح إنهم يستطيعون التدمير وإلى ابعد مدى والتقتيل حد الإبادة، ولكنهم لا يستطيعون إرغام ضحاياهم على قبول احتلالهم. أو الاستسلام. وتجارب الشعوب بما فيها الشعب الأمريكي تؤكد ذلك ما يجري في فلسطين ولبنان محاولة لكسر قواعد اللعبة القديمة في حين تحرص إسرائيل على بقائها واضطرادها. وقد بدأت قواعد اللعبة تتغير فعلا بفعل التغيرات الشاملة في الكون، وبفعل إرادة البشر. فلم تستطع أمريكا إرغام أمريكا اللاتينية على قبول هيمنتها. كما ان شعبا اعزل ومحاصرا كالعراق يستطيع مقاومة محتليه. وما يجري في أفغانستان يدلل ان القضاء على إرادة شعب اعزل وفقير ومحاصر أمر مستحيل.
لا تستطيع إسرائيل استمرار احتلالها لفلسطين إلى ما لانهاية. كما لا تستطيع فرض الهيمنة على لبنان. واستمرار تهديد جوارها واسر المئات والآلاف دون ان تعرض أمنها للخطر أو جنودها للاختطاف.
لا يمكن التقليل من أهمية التفوق الإسرائيلي، ومؤازرة القوى الدولية الكبرى. وانقسام الصف العربي وخذلانه حد التواطؤ. والأخطر غياب الموقف اللبناني الموحد من حول المقاومة، حال الموقف الفلسطيني المنقسم أيضا.
لذا يبدو اللبنانيون والفلسطينيون كأبطال تراجيدين في معركة غير متكافئة.
ما لا تدركه إسرائيل ان جبروت تفوقها وانتصاراتها منذ 48 لم تحقق لها الأمن والسلام والاستقرار، وان الحرب التي تواجهها مختلفة نوعيا عن كل حروب الماضي. فقد اعتادت إسرائيل الانتصار الحاسم في بضعة أيام وربما ساعات ولكنها اليوم تواجه عدوا غير مرئي إلى حد ما يبحث عن الشهادة مقدار بحث الجندي الإسرائيلي عن البقاء إدانة المقاومة تبرر حرب الإبادة وتشجع المعتدين الاسرائيلين.
ويعبر الموقف الدولي والمنظمة الدولية عن الانحياز للحرب. وربما الانتظار -بفارغ الصبر- حسم جيش الدفاع الإسرائيلي للمعركة مع اللبنانيين والفلسطينيين.
والمؤكد ان إسرائيل حتى لو انتصرت اليوم فإنها مهزومة غدا. ويستحيل تحقيق إرادتها، أو انتصارها إلى الأبد «أي من الموتين يغلب من يذود عن الديار» كإيداع احمد عبد المعطي حجازي.