البرلماني شوقي القاضي يتحدث لـ"النداء" عن الثأر: هذه الأنظمة لا تستمر ولا تبقى إلا إذا أشغلت الشعوب بصراعات في ما بينها.. وشخصيات اجتماعية من مأرب تتحدث عن أسباب الثأر وأبرز الحلول: فرض النظام والقانون وإصلاح القضاء علاج العلل وبلسم داء الثأر المستعصي

البرلماني شوقي القاضي يتحدث لـ"النداء" عن الثأر: هذه الأنظمة لا تستمر ولا تبقى إلا إذا أشغلت الشعوب بصراعات في ما بينها.. وشخصيات اجتماعية من مأرب تتحدث عن أسباب الثأر وأبرز الحلول: فرض النظام والقانون وإصلاح القضاء علاج العلل وبلسم داء الثأر المستعصي

البرلماني شوقي القاضي يتحدث لـ"النداء" عن الثأر:
هذه الأنظمة لا تستمر ولا تبقى إلا إذا أشغلت الشعوب بصراعات في ما بينها
* وضع النظام السياسي في قائمة المتهمين.. وأكد ثبوت التهمة..
* مجلس النواب مغيب، وبعض الأعضاء فهموا أن مهمتهم الدفاع عن الحكومة
* إذا شعر النظام السياسي بخطورة على الكرسي أو رأس النظام فإنه مستعد لإبادة محافظة وليس قبيلة..
 
حاوره: شفيع العبد
 
أثناء قيامه بتدريب المشاركين في ندوة صياغة خطاب مسجدي يسهم في الحد من آثار وأضرار الثأر والنزاعات على التعليم، والتي أقيمت في إطار حملة إلا التعليم التي ينظمها تحالف المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام.. التقيناه وطرحنا عليه مجموعة من التساؤلات.. إنه الأستاذ شوقي القاضي عضو مجلس النواب، مدير المنظمة الوطنية لتنمية المجتمع (NODS).
... وإليكم تفاصيل ما دار في الحوار..
> بداية حدثنا عن الثأر كظاهرة موجودة في المجتمع اليمني.
- الثأر كظاهرة أستطيع أن أقول بفضل الله عز وجل إنها ليست في المجتمع اليمني كله، هناك مناطق وهناك محافظات لا تعرف الثأر ولا تمارسه، بل إن شبابها يستغربون عندما يسمعون بعض قصص الثأر من محافظات أخرى. الثأر منحصر في بعض المحافظات التي نعول على وجهائها ورجالها ونسائها وعقلائها أن يتخلصوا من هذه المشكلة التي شكلت ظاهرة في مناطقهم، وبالتالي حصدت الأرواح وأزهقت الأنفس وأسالت الدماء ويتمت الأطفال.. هناك الآلاف من الأيتام والفقراء والمعوقين والهاربين بسبب هذه الجريمة الشنعاء التي انتشرت وللأسف لم تجد لها حلولاً جذرية من قبل النظام السياسي الذي أضعه بصراحة في قائمة المتهمين الذين ما قدموا لمعالجة هذه المشكلة أي شيء، بل على العكس هناك تهم من بعض مناطق الثأر بأن النظام السياسي بصورة أو بأخرى قد لاتكون مباشرة، هو الذي يغذي الثأر، وهو الذي يدعم هذا النفوذ لمثيري الثأرات، ويكفي أن التهمة ثابتة عليه بأنه لم يقدم شيئاً مع أن مسؤوليته الأولى هو أن يحد من هذه المشكلة.
> ما هي أسباب الثأر من وجهة نظرك وكأنك تلقي باللائمة على النظام السياسي؟
- تتداخل الأسباب، لكن أنا تحدثت عن أن النظام السياسي لم يقدم كمهمة من مهامه وكواجب من واجباته، النظام السياسي دائما الذي يتولى بلدا تقع على عاتقه مهام وواجبات، والتي هي نشر الوعي والتنمية والاستقرار والأمن والسلام إلى غير ذلك.. هذه كلها مهام يتبناها ويقودها، ثم يأتي الدور الثانوي لشرائح المجتمع التي تدعم هذه الأمور. أما من حيث الأسباب فترجع إلى كثير من الأمور يأتي في مقدمتها للأسف الجهل والتعصب الأعمى، ثم تعثر العدالة وغياب هيبة الدولة، وعدم وجود سيادة القانون.. وهناك أسباب تعود إلى نوع من أنواع النفوذ الذي يحظى به البعض ويمارسون أموراً كثيرة هي من ممارسات الدولة، هناك أيضاً وعي يحتاج إلى كثير من المراجعة في مناصرة القاتل سواءً بالإخفاء أو غير ذلك.
> ما دور مجلس النواب تجاه الثأر؟ وما الذي عمله في هذا الاتجاه؟
- أستطيع أن أوجه لوماً إلى مجلس النواب وأنا أحد أعضائه، فالمجلس مغيب عن القضايا الكبيرة، وللأسف مجلس النواب بهذه التركيبة الأحادية غيب تماماً عن معالجة أوضاع البلد، وبالتالي يفهم بعض أعضاء المجلس أن مهمتهم هي الدفاع عن الحكومة وممارساتها، وليست مهمتهم قيادة البلد تشريعاً ورقابة، وبالتالي ليس هناك دور يذكر لمجلس النواب.
> المطلوبون على ذمة قضايا ثأر في مأمن من يد العدالة بينما قادة الحراك السلمي وأصحاب الرأي في المعتقلات، وتفرط السلطة في قمع الحراك السلمي... ما تعليقك؟
- هذا يثبت أن الدولة والنظام السياسي إذا أراد شيئاً سيفعله بدليل أن النظام السياسي إذا شعر بخطورة على الكرسي أو على رأس النظام فإنه مستعد أن يبيد محافظة كاملة وليس قبيلة فقط، لكن أن يتدخل وأن يوقف الثأرات وأن يوقف هذه الدماء التي تنزف فإنه للأسف لا يتدخل. لا أدري هل هو عدم شعور بهذه المهمة وغياب أهميتها. هناك اتهام للنظام السياسي والحكومات المتعاقبة أن هذه الأنظمة لا تستمر ولا تبقى إلا إذا أشغلت الشعوب بصراعات في ما بينها، وبالتالي ينفرد لها الأمر، لان هذه المحافظات إذا استقرت ستطالب بمشاريع وجامعات وطرقات وأشياء كثيرة، وهذه الأنظمة هشة وهذه الحكومات هشة تريد أن تنهب، وموضوع الفساد معروف ولا يخفى على أحد.
> شاركت في حملة إلا التعليم كمدرب في ندوة صياغة خطاب مسجدي وستسهم في إعداد الخطاب.. ما رأيك في الحملة؟ وكيف وجدت تفاعل المشاركين في الندوة من خطباء المساجد؟
- المجموعة المختارة للمشاركة في الندوة مجموعة رائعة تستشعر تماماً المشكلة وتستوعبها استيعاباً ممتازاً، وبالتالي فإنها أولاً مبشر خير على أنها إن شاء الله ستقوم بشيء إيجابي، ولكن أريد أن أشدد هنا أن موضوع هذه المحافظات الثلاث – نعم أيضاً هناك محافظات أخرى، وبالتالي من حق تلك المحافظات ايضاً أن تحصل على كثير من هذه الأنشطة لتخفف من مشكلة الثأر.
اما موضوع التركيز على التعليم فهي لفتة ممتازة جداً حيث إن هذه المحافظات تشكو بسبب هذه الثأرات والنزاعات توقف الدراسة والتعليم، يكفي أن تعرف انه قبل أيام قرأت إحصائية بأن هناك 38 ألف طفل كان ينبغي أن يكونوا ملتحقين بالتعليم، وبالأمس قرأت أن 82% من بعض المناطق التي فيها نزاع لم يدخلوا اختبارات شهادة الثانوية العامة، إذن هناك فاجعة، وبالتالي كانت الحملة موفقة في أنها تستهدف جزئية من جزئيات العلاج؛ ترك المدارس وترك التعليم، والتعاون في أن يبقى التعليم والمدارس بعيدين عن الثأرات والنزاعات لان هناك مدارس مغلقة وأطفالاً يقتلون بسبب الثأر والنزاع، ولهذا كانت اللفتة كريمة في جزئية مهمة.
> مالا هي النصيحة التي تقدمها لزملائك أعضاء مجلس النواب ممثلي المحافظات الثلاث؟ وماذا تقول للمتحاربين في تلك المحافظات؟
- بالنسبة لزملائي في المحافظات الثلاث أرجو أن يدعموا هذه الحملة والوقوف معها وأن يتبنوا مشروعها، فهي حملة مهمة وموفقة. أما بالنسبة للمتنازعين والمتناحرين فأن يتقوا الله عز وجل فهناك دماء تسفك وحقوق تهدر وأرواح تزهق بسببهم وبسبب نزاعاتهم، فالعالم من حولنا يتنازعون لكنهم يحلون مشاكلهم في يوم وليلة، الحرب بين الأرجنتين وبريطانيا استمرت ستة أيام، بينما حروبنا تستمر ست سنوات وستة قرون. فأقول أين العقلاء؟
 
 

***
 
 
 شخصيات اجتماعية من مأرب تتحدث عن أسباب الثأر وأبرز الحلول:
فرض النظام والقانون وإصلاح القضاء علاج العلل وبلسم داء الثأر المستعصي

مارب - علي الغليسي
 
محافظة مأرب ليست المحافظة اليمنية الوحيدة التي تعاني من انتشار ظاهرة الثأر والنزاعات القبلية، ولا تحتل موقعا متقدما في إحصائيات وزارة الداخلية المتعلقة بقضايا القتل والجرائم الجسيمة، لكن التركيز عليها من بين محافظات الجمهورية وتناول ما يدور فيها من حوادث بعيدا عن الحيادية جعل اسمها مرتبطا بالثأر والقتل والوحشية.
لا يمكن إنكار وجود الثأر في مأرب كظاهرة سلبية، لكن هناك ظواهر إيجابية لا ينبغي أن نمر عليها مرور الكرام، وكما أن المجتمع لا يخلو من (مخربين) يسعون لإشعال الفتن وخلق صورة مشوهة، فإن جهودا تستحق الشكر لا زالت تواصل سعيها لإشاعة ثقافة السلام ونبذ العنف من خلال حملات التوعية بمخاطر الثأر والنزاعات القبلية وانعكاساتها السلبية على مستقبل الأجيال، بالإضافة إلى كونها سببا من أسباب إعاقة الإعمار والتنمية في المناطق التي ما زال الثأر فيها سيد الموقف، لكن تلك الجهود لن تؤتي ثمارها إذا لم تحظ بمساندة من الجانب الرسمي ممثلاً بقيادة الدولة العليا والسلطة المحلية بالمحافظة، وكذا الجانب الشعبي الذي يقوده المشائخ والأعيان والوجهاء والشخصيات الاجتماعية من كافة القبائل وقيادات الأحزاب السياسية والمؤثرون من قادة الرأي. وقد حرصنا في هذا العدد على استضافة عدد منهم واستطلاع آرائهم حول تلك القضية الشائكة والمعقدة.. وإليكم الحصيلة:
القبائل عرفت مساوئ الثأرات.. والرئيس سينجح
> الشيخ علي القبلي نمران رئيس المجلس الأعلى لتحالف قبائل مأرب والجوف، قال إن المجلس الأعلى للتحالف يحرص على أن يكون له دور إيجابي في ما يتعلق بتقديم أو المساهمة في إيجاد حلول لقضايا الثأر، وقد أسهم في إيجاد حلول جذرية لعدد من القضايا وإنهائها بجهود وإمكانات ذاتية من قياداته. مشيرا إلى أن أدوار المجلس معروفة ويظهر صوته عندما يجب أن يظهر، وقد تخطت قبائل مأرب والجوف ظروفها المعروفة وساهمت في إيجاد ذلك التحالف الذي لا يتلقى أي دعم من قريب أو من بعيد.
القبلي (وهو أحد مشائخ قبيلة مراد) اعتبر عدم الجدية والإخلاص من قبل الدولة ووجهاء المناطق أبرز العراقيل التي تعترض الجهود الجادة لحل قضايا الثأر، وتطرق في سياق حديثه إلى أن رئيس الجمهورية لو تبنى موقفاً جاداً للقضاء على الثأرات لحقق نجاحات كبيرة لوجاهته وإمكاناته، بالإضافة إلى كون القبائل تقدر الأخ الرئيس وتحترمه كواحد منها وسيكون طلبه مجاباً من وجهة نظرنا.
وأضاف: أعتقد أن الغالبية من القبائل قد عرفت مساوئ الثأرات والحروب، وبدأوا يتجنبونها في حال سلموا من فرضها عليهم بالدوافع المعتادة، لأنه توجد في القبائل جهال يفرضونها على العقال.
وثمن الشيخ القبلي مبادرة جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي بمحافظة مأرب، الهادفة إلى تهجير الطلاب وضمان عدم المساس بهم في قضايا الثأرات ليواصلوا تعليمهم في أمان. واعتبرها مبادرة جيدة ستحظى باستجابة عامة حيث إنه لا يمكن أن يرفضها أي عاقل. وتمنى في ختام حديثه أن تتضافر الجهود الرسمية مع الجهود القبلية لإيجاد رؤية موحدة للخروج بحلول لقضايا الثأرات.
نتائج المبادرات ستكون إيجابية للمستقبل
> الشيخ مرضي بن كعلان (أحد مشائخ الجدعان له دور بارز في حل عدد من قضايا الثأر) يقول إن الجهل بأخطار الثأر وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة ساهم في انتشاره بشكل كبير في محافظة مأرب كغيرها من محافظات اليمن، وكذا ضعف الوازع الديني، وفضلاً ضعف دور الأجهزة المعنية بحل القضايا والفصل في المشاكل، والذي جعل الناس شبه يائسين من أن هناك جدية في استئصال تلك الظاهرة. والحل يتطلب إيجاد قانون يعاقب من يرتكب ظلما ضد الآخرين يسري على الجميع ولا يستثني أحداً.
وتمنى بن كعلان لكل المبادرات والجهود التي تسعى للحد من الثأرات النجاح، سواء تلك التي تشمل كافة أفراد المجتمع أو ما يخص فئة معينة كالطلاب وغيرهم، كون نتائجها الايجابية ستظهر في المستقبل. داعيا الجميع إلى الالتفاف حول مبادرة تهجير الطلاب وتحريم المساس بهم في قضايا الثأرات حتى يواصلوا دراستهم آمنين مستأمنين.
الجهد الفردي ضعيف في ظل غياب النظام والقانون
> الشيخ مبارك بن علي الشليف ذكر أن أبرز أسباب الثأر وانتشاره في محافظة مأرب، هو الجهل وعدم الإدراك التام بمضاره وأخطاره المستقبلية على أجيال الحاضر والمستقبل، حيث إن الجهل يدفع أصحاب الثأر إلى ارتكاب الحماقات، بالإضافة إلى الذرائع المفتعلة كالحدود والممتلكات من قبل أعداء هذا العنصر القبلي، والتي تجعل الناس يتعصبون مع بعضهم البعض تحت شعار "الحد للجميع والمعورة على الجميع"، كما أن هناك دوافع وأسباباً ومغازي سياسية لا ترغب في توحيد القبائل وجمع كلمتهم.
واعتبر الشليف (وهو رئيس الدائرة الاجتماعية في مكتب إصلاح مأرب) أن توعية المجتمع وترسيخ الوعي لديه يأتي في مقدمة الحلول لقضايا الثأرات، مع إحياء روح الأخوة بين أفراد المجتمع، وإشاعة معاني الألفة ونبذ العنف والتعصب الجاهلي المقيت، والإنصاف في القول والرأي من كبار قيادات المجتمع. ومن بين أهم الحلول تأتي ضرورة إشاعة العدل والوقوف مع الحق أينما كان، وقيام الأجهزة الأمنية بواجبها الدستوري والقانوني وتحمل مسؤوليتها الكاملة، مشيرا إلى أنه لو فرضت هيبة النظام والقانون ورصدت الدولة إمكانات لحل هذه المشكلة وتبنت قياداتها ذلك فإنها ستحد من انتشار تلك الظاهرة، لكن بغياب دولة النظام والقانون يكون الجهد الفردي ضعيفا ومحدودا حيث إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وحول مبادرة جمعية المستقبل لتهجير الطلاب قال: الإسلام حرم دم المسلم، ووفقا لذلك ليس هناك فرق بين الطالب والفلاح والتاجر والعامل، لكن أنا مع العمل من أجل صعود جيل متعلم بعيدا عن الثأرات، وأنا مع احترامي للقبائل ضيعوا الأسلاف والأعراف والقيم حيث تراهم يأخذوا ثأرهم من الغافل أو المسافر أو الطالب.
وتوقع أن يكتب النجاح لتلك المبادرة إذا قامت الجهات الأمنية بحماية الجامعات والمدارس وإيجاد آلية لتوفير الأمان في الطرق المؤدية بالطلاب من مناطقهم إلى المؤسسة التعليمية.
أما عن دور الأحزاب السياسية في إصلاح ذات البين ومحاربة ظاهرة الثأر، فقد أشار الشليف إلى أن الإصلاح كحزب سياسي له باع كبير في إصلاح ذات البين، ومواقفه مشهودة مع القبائل وموقفه منها، حيث إن بداية دخوله تلك المناطق القبلية تكون بالسعي إلى تأليف القلوب ونبذ العصبية، وقد خصص الدائرة الاجتماعية للعمل في إصلاح ذات البين انطلاقا من الدافع الديني والواجب الاجتماعي.
ودعا في ختام حديثه جميع القبائل إلى تحكيم العقل وتوحيد الكلمة والنهوض بهذه الشريحة المتأخرة عن الركب، وإلى نبذ الثأر الذي يتم الأطفال ورمل النساء وأهدر الأموال وشتت الصفوف وباعد بين القلوب. ورجا الإخوة المشائخ وأصحاب الرأي أن يطالبوا النظام بالحقوق المشروعة وأهمها حقن دمائهم ودماء أبنائهم، وتوفير الأجواء اللازمة لصناعة مستقبل مشرق للأجيال.
القضاء علاج العلل والبعض يعيدنا للجاهلية
> يرجع الأخ أحمد المنيعي رئيس اللجنة الإعلامية لملتقى مأرب، أسباب استفحال ظاهرة الثأر إلى فساد الأوضاع في أجهزة الضبط والقضاء، حيث إن "القضاء.. علاج العلل وبلسم داء الثأر المستعصي"، وغياب العدل أو تغييبه هو السبب في عدم استئصال تلك الظاهرة، بالإضافة إلى ظهور الحكومة بمظهر العاجز عن أداء وظيفتها الدستورية في حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار. كما أن التسيب والإهمال وفقدان الثقة بالقضاء وقصور أداء المحاكم الشرعية والتطويل الممل في حل المشاكل بين الناس وعدم البت في القضايا المعروضة ساهمت في انتشار الثأرات، فالقضايا القبلية المنظورة أمام المحاكم تظل كالمعلقة فتمر سنوات على ملفاتها وهي مرمية في ردهات وأرشيف المحاكم، وإن صدر حكم فإن القاضي لا يجرؤ على قراءته خوفا على روحه من القبيلة التي لا يكون الحكم لصالحها. ولذا نؤكد أنه في حالة وجود أمن وقانون يعلم الناس معه أن من ارتكب جريمة لن يفلت من العقاب، فإن الجميع سيكونون آمنين مطمئنين ولن يتجهوا نحو الثأر.
وأضاف: تتحمل القبائل نصيبا من المسؤولية حيث إننا لو نظرنا إلى بعضا من أسباب عدد من الحروب القبلية لوجدناها أسبابا تافهة تعيدنا آلاف السنين إلى عصور الجاهلية الأولى، فحرب تقوم بسبب ناقة وأخرى على قطعة أرض ومثلها على بئر.. وهنا لابد من توعية المجتمع وتبصيره بالأخطار المحدقة به. وظاهرة الثأر لا تحتاج إلى مبادرات وإلى لجان بقدر ما تحتاج إلى استشعار للمسؤولية والرغبة الذاتية للمجتمع للتخلص من ذلك الداء العضال وتحقيق العدل والمساواة بين الناس، وأي إجراء خارج هذا الإطار يعتبر مضيعة للوقت وهدرا للإمكانات، فالعدل أساس الحكم والحكم بلا عدل يعني انتشار القتل والفوضى والدمار.
 
 
***
 
 
 أركان الثأر
 

غازي عبدربه القاضي
 
ظاهرة الثأر ليست نبتة وحيدة يمكن لها النمو دون توافر البيئة الملازمة لها، فهي كظاهرة تعتمد على أركان عدة تعتبر عوامل مساعدة لانتشارها وتوسعها، ومن أهم تلك العوامل الجهل والفقر وغياب الدولة.
فالجهل يعتبر المستنقع الخصب لنشوء الخلافات القبلية (المسببة للثأر)، وتصعيدها، وغالباً ما يغيب صوت العقل والمنطق وادراك الأبعاد كما لا تحضر الحسابات لدى أطراف أي خلاف قبلي من حيث الربح والخسارة في كثير من الخلافات القبلية.
الوعي الديني: رغم كون المجتمع اليمني إجمالاً مجتمعاً محافظاً لكن أحياناً يكون الاسلام حاضراً ظاهرياً في أداء الشعائر وفي كثير من الأمور السطحية، إلا أن السلوك الإيماني والالتزام الديني يغيب تماماً عندما يحضر الخلاف مصحوباً بشياطين الجن والانس، وتأثراً بعصبية السلوك الجاهلي وحميته. فالدين يؤكد حرمة المسلم على المسلم دمه وماله وعرضه، وذلك ليس له مكان عندئذ، والنفس التي حرم الله قتلها لم تعد لها حرمة، فالخطاب الديني لم يقم بدوره نحو تعزيز الإيمان وصياغة مفاهيم الاسلام إلى سلوك قيميا للقبيلي المسلم، فالقاتل يقتل ولا يُعد مرتكباً لجريمة قتل أحياناً يظهر كبطل لدى القبيلة كآخذ بثأرها وأحياناً أخرى تتحمل القبيلة جريمته ليس باعتبارها جريمة ولكن باعتباره مدافعاً عنها أو ارتكب خطأً وحمايته واجب عليها، وفي الثأر القبلي لا وجود لنص أن وثابت ديني كقوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى».
كما أن العلم لا يشغل الا حيزاً ضيقاً من مساحة القبيلة اذ يطوقه الجهل، وكثير ممن أثر فيهم العلم لا متلك قراراً قوياً داخل القبيلة، ولا يشكل المثقفون إلا نسبة لا تذكر بين أفراد القبيلة.
الفقر: في كثير من المناطق القبلية ظل الانشغال بالحروب والصراعات القبلية العمل الأساسي لأبناء القبيلة، وظل الفقر رفيقاً لا مناص منه وعد عاملاً مساعداً لاستفحال الثأر، حيث وفر الفقر عدداً كبيراً من الرجال العاطلين وغير القادرين على العمل لعدم امتلاكهم مهارات حرفية ومهنية كمقاتلين في صفوف القبيلة وعدم قدرة الآباء على تعليم أبنائهم جعل معسكر القبيلة يظل مليئاً بالرجال الذين لا عمل الا عندما تعلن التعبئة في صفوف القبيلة. كما أنه والأسباب قد تتعلق بالفقر دارت كثير من الحروب والثأرات حول مرعى أو مجرى ماء.
غياب الدولة: دور الدولة في القضاء على الثأرات ظل محدوداً أو غائباً وتركت الدولة مهمة حماية مواطنيها والدفاع عنهم للقبيلة، فالدولة في أكثر القضايا لا تحضر الا كشاهد. ويرافق ذلك دور سلبي لأجهزة الدولة التنفيذية والامنية. ويأتي دور القضاء أكثر سلبية فكثيراً ما تمكن طرفا نزاع من الحصول على حكم قضائي يؤيد حجة كل منهما فكثير من الاحكام القضائية لا تزيد الخلاف الا خلافاً وكثيراً ما اشتعلت نيران حرب اذكاها حكم قضائي.
كما أن مماطلة القضاء وعدم البت في القضايا سبب لاحتكام القبائل إلى السلاح عوضاً عن المتابعة في أروقة المحاكم ومنازل القضاة ومقايلهم. كما أن عدم قدرة القضاء على التنفيذ للاحكام القضائية يفقدها قيمتها حتى وإن كانت عادلة نظرياً، فالسلطة غير قادرة على تنفيذها والزام أطراف النزاع بتطبيقها على الواقع.
الدولة تخلت أيضاً عن دور أوكل إليها شرعاً وقانوناً وهو حق القصاص الذي لا يفوض الدين والقانون أحداً غيرها فيه (بصفتها ولي الأمر).
فدور الدولة اتسم بالسلبية التامة في ممارسة وظيفة من أهم وظائفها.