الملك غير المتوج في اليمن " القات مأساة شعب "

عبدالباري طاهر يكتب عن الملك غير المتوج في اليمن " القات مأساة شعب "

عرضت قناة «العربية» فلما عن القات في الاسبوع قبل الماضي. والفلم المنوه به يبدو من انتاج جهة غربية في فترة زمنية قديمة. واضح أن الفلم يتضمن مناظر واقعية وبعضها "تمثيلي" تتسم بالمبالغة وعدم الدقة والميل للإساءة والتشويه. فحفلة العرس التي يرتكز عليها "الفلم" من البداية "اصطناعية" والتنازع القبلي بين العريس وأسرة العروس عمل متخيل فالشيخ الذي يتحاكم إليه العريس وأهل العروس من أجل الأرض المغروسة بالقات عمل تمثيلي أيضا؛ فالشيخ هو نفسه الفنان الذي يغني في حفل العرس. كما أن رقصة "البرع" قد تم تصويرها داخل غرفة ضيقة، وهو ما يتنافى وطبيعة هذه الرقصة الحربية التي لا تكون الا في الميادين العامة. وكان بالإمكان تصوير رقصة مناسبة تتواءم والمكان والمناسبة أيضا. عموما ليس المهم الفنان أو الشيخ أو الرقصة "البرع" أو العرس كله أو الترجمة.
لا أريد أن أكون محامي الشيطان؛ فالكثيرون لا يعرفون ان الزميل حمود منصر مراسل العربية في اليمن قد تعب وهو ينقب عن مدافع عن القات فالقات كالرذيلة التي يعجز ممارسها الدفاع عنها. وغالبا ما يكون أصحابها من اشد الناس حماسا وتنطعا لتجريمها، ودعوة الناس للابتعاد عنها.
ان القات "الملك غير المتوج في اليمن" جريمة مجتمعية كبرى، لا بالاحتكام للحلال والحرام حسب المنطق البسيط والساذج، وانما بما يسببه من أضرار وما ينجم عنه من كوارث وأضرار. ومآساً القات تبدأ ولا تنتهي.
ويمكن رؤيتها في مختلف مظاهر الحياة: الثقافية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية وحتى الإدارية والنفسية والصحية.
ان لهذه الشجرة اللعينة تأثيراً ماحقاً على استنزاف المياه في بلد من أفقر بلدان الله قاطبه في الثروة المائية. وقد استطاعت الشجرة، التي لا تقل استبدادا عن الحكم اليمني، إزاحة شجرة البن المورد المالي المهم والتي ارتبطت بها سمعة اليمن في عصور خلت. كما أزاحت جانبا كل المحاصيل الزراعية الغذائية كالقمح والشعير والفاكهة.
لقد ذهبت هذه الشجرة الخبيثة بأنسب أوقات العمل في اليمن فجلساته التي تمتد لساعات، غالبا ما تبدأ من بعد منتصف النهار، ابتداء بالشراء مرورا بالبحث عن المكان المناسب ثم العكوف على مضغه بضع ساعات. فمخاطر القات وأضراره ليستا بالخافيتين. وربما قرأ فيها الحكم المتخلف والمستبد المتعاقب أنها سلاح فتاك للحفاظ على تخلف البلاد والعباد، ووسيلة تخدير عام يقوم بوظيفة أهم من الجيش والأمن. و إن كان من المجازفة مقارنته بالهروين أو الأفيون أو الكوكايين أو الحشيش.
إن للقات إضراراً جسيمة على صحة اليمني، خصوصا بعد دخول أنواع شتى من السماد والمبيدات الكيماوية وهي تحمل من الآفات والسموم الكثير.
إن الدراسة الحقيقية للقات لا بد وان تدرس مضاره الاجتماعية فقد انخرطت الأسرة كلها في تعاطيه: الرجال والنساء وحتى الأطفال. وكلفة شرائه جد مرتفعة، ما كان الفلم بحاجة إلى المبالغة أو التشويه "الخرافي".
وقد كان الدكتوران: عبد الله الزلب والدكتور علي قاسم الشعيبي جد موفقين في طرح مخاطر هذه الشجرة على اليمن واليمنيين فما تستنزفه من موازنة الأسرة أكثر مما ينفق على الغذاء. وللقات دخل كبير في ضياع أوقات الدوام الرسمي وخراب الإدارة وتفشي الرشوة ومشاكل الفساد المالي والإداري وحتى الأخلاقي والجسماني والبطالة والفقر.
لقد أصبحت هذه الشجرة تتدخل في كل تفاصيل الحياة، وسيطرت سيطرة كاملة على الوقت (الزمان) وأخصب الأراضي (المكان)، وعلى صحة الإنسان ونشاطه وتفكيره ودخله. وليس المطلوب من الدولة القضاء على هذه الشجرة والشجيرة في آن والتي يمتد عمرها لمئات السنين، ليس المطلوب القضاء عليها بضربة لازب، وإنما الأهم توفر الإرادة السياسية: الرسمية والمجتمعية للمواجهة معها. وهناك تجربة الجنوب لا بد وان تؤخذ بعين الاعتبار؛ فحضرموت والمهرة لم تكونا تعرفا معنى القات أو التخزين كما ان الجنوب لم يكن يتعاطى القات إلا مرة في الأسبوع.