مسئولون يظهرون النظام متخندقاً مع الجماعات المتطرفة.. التحريض الطائفي أو ما يمكن أن يكون عركة بين الشوافع والزيود

نائف حسان : مسئولون يظهرون النظام متخندقاً مع الجماعات المتطرفة..التحريض الطائفي أو ما يمكن أن يكون عركة بين الشوافع والزيود

دخل عدنان الجنيد السجن على ذمة أبي هريرة. كتب الرجل رأياً في «المستقلة»، ففُتحت عليه نيران الجحيم من قبل متطرفين هددوا بقتله وتفجير الصحيفة.
أُستخدمت المساجد لتكفير الجنيد والتحريض عليه، لوحق في مقر عمله والحي الذي يسكن فيه، ثم وظِّف جهاز الأمن السياسي فزج به في السجن، ظهيرة الاثنين 3 ابريل.
مدير الأمن السياسي بتعز، ليس الشيخ عقيل المقطري أو الشيخ محمد الإمام، بل الفندم فيصل البحر، الذي أبدى حميَّة للدفاع عن «أبو هريرة»، اظهرته كتابع «لمقبل الوادعي»، لا موظفاً رسمياً لدى الرئيس علي عبدالله صالح.
لقد ارتكب فيصل البحر خطأً كبيراً، فإلى جانب مخالفته للقانون وانتهاكه حقوق الانسان، باعتقاله الجنيد دون امر قضائي، أكد تطابق أجندة عمل «الدولة» مع خطاب وأجندة الجماعات الإرهابية المتطرفة.
عدم إيمان الفندم «فيصل» بالحريات والحقوق أمر لا يحتاج إلى إثبات. لكن الرجل بحاجة إلى ذكاء بسيط يظهره مستوعباً لسياسات وتوجهات الرئيس.
كيف يمكن شرح معنى حرية الرأي لفيصل البحر؟ وهل لديه استعداد أن يفهم، بعد 15 عاماً، أن الوحدة قامت على اساس التعددية والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير؟
شدد الرئيس في عدد من خطاباته على ضرورة محاربة التطرف والإرهاب، وبث ثقافة الحوار والتسامح، فأين الفندم فيصل من ذلك؟
باعتقال الجنيد يظهر الأمن السياسي في تعز متخندقاً مع جماعات التطرف والارهاب ضد الرئيس ومصالح اليمن.
للنظام مشاكل عدة أبرزها إعتماده مسؤولين لا يتفهمون التطورات الدولية، واعتادوا العمل بذهنية شمولية، أصبحت عبئاً وعامل احراج بالغ.
ما حدث يضع اليمن، كنظام، في مأزق مع العالم الحر ودوله المانحة. النظام اليمني يُقدم كمتعاون مع الجماعات الإرهابية، وذراع أمني لها. هذه صورة سيئة جهد الرئيس في تصحيحها طوال فترة ما بعد 11 سبتمبر، حين ارتفعت اصوات داخل إدارة بوش تدعوا إلى ضرب اليمن، باعتبارها البيئة التي تصدر الارهابيين، وتدعمهم رسمياً.
كان يفترض بفيصل البحر، وبقية الأجهزة الأمنية في تعز، حماية الجنيد لا ملاحقته واعتقاله. كان عليهم الحد من لغة وأنشطة الجماعات المتطرفة لا دعمها بسجن ومضايقة من تختلف معهم.
تضيق الجماعات الوهابية والسلفية في تعز بعدنان والشيخ عبد المعطي الجنيد، الذي يتزعم تيار خرج من إرث الوصاية الوهابية إلى المدنية، معلناً تشيعه..
أُعتبر الشيخ عبدالمعطي واتباعه «روافض»، تم التحريض عليهم بمساندة السلطة المحلية ذات المرجعية الوهابية. وقد ألقت حرب صعدة بظلالها على الجنيد واتباعه.
 تثير القضية نعرات طائفية ومناطقية. غير المتطرفين الوهابيين يقف مثقفون، من تعز، ضد الجنيد واتباعه بسبب تشيعهم. مبدأ الحرية وحق الناس في تغيير قناعاتهم غاب، لصالح تعصب مناطقي ومذهبي ضيق يستنكر على هؤلاء التشيع، لا لشيء إلا لكونهم من تعز.
ممانعة نفسية = «نحن» ضد «هم»
صديق يساري أعلن تأففه من أبناء تعز، الذين يعلنون تشيعهم. هناك ممانعة نفسية تتخندق في المكان والمذهب الديني: تعامى اليساري المثقف عن كوارث التكفير والتطرف، معلناً وقوفه مع الوهابيين والسلفيين؛ كونهم تعبيراً صادقاً «عنا»، نحن أبناء تعز وبقية أتباع المذهب الشافعي!!
لم يحكم اليمن شافعي، لكن هذا لا يعني أن الزيود يحكمون البلد. إن الشيخ الزنداني أكثر قوة وحضوراً من الشامي وبقية المرجعيات الزيدية. والواقع أن الرئيس صالح يحكم مستنداً على الوهابية، التي صارت هوية السلطة وطابعها الرسمي.
لست مذهبياً، وأمقت الطائفية، بيد أني مع الحرية كمبدأ اساسي لتأكيد الفردية، وضمان حق الناس في اختيار قناعاتهم وتغييرها.
مضايقة «آل الجنيد» تعمق الشرخ المناطقي وتجعل لعنة الزيود والشوافع حاضرة بشكل عصبوي بشع.
للمحافظ الحَجْري سجل قديم مع الوهابية. فيصل البحر لا سجل له أوضح من مضايقة أبناء تعز والتدخل في شؤونهم اليومية. غير أن عليهما التنبه إلى أن عملهما الحالي يذكي التعصب المناطقي ويبعثه لدى أبناء تعز ضد الشيعة، الذين وصل الحال بالوهابيين المتطرفين الدعوة بزوالهم في المساجد اسوةً بالشيوعيين والملحدين الكفرة اعداء الدين! هناك حملة تغذية بشعة وصلت حد اعتبار الشيعة أخطر على الاسلام من اليهود!!
أختلف مع الشيعة في قضايا كثيرة، لكني أجدهم اقرب إليَّ من السلفيين والوهابيين. غير اعتمادهم العقل في مسائل عدة، لا يكفر الشيعة المختلفين معهم، ولا يدَّعون تمثيل الله في الأرض.
لدى الرئيس علي عبدالله صالح تحالفات واسعة، وطاقم حكم ديكوري من مختلف المحافظات. بهذا المعنى فسنحان ليست عدواً لليمنيين، وكذلك أتباع المذهب الزيدي. هناك قواسم مشتركة يمكن العمل لأجلها.
أخذت الحرب في صعدة مساراً خطراً، إذ تحولت من حرب ضد شخص، إلى حرب ضد مذهب بأكمله. إنتماء الرئيس للمذهب الزيدي جعله لا يشعر بفداحة الحرب المفتوحة التي يتعرض لها أتباع هذا المذهب. الإنتماء أصبح هنا بمثابة حمل جالب للمتاعب.
إن استمرار اعتقال مفتاح والديلمي وقاضي حراز إلى جانب مئات الشيعة، يؤكد فداحة هذه الحرب، التي لم تُوضعْ لها حسابات؛ جراء لعنة الإنتماء المذهبي الواحد.
مفتاح والديلمي أقرب لأبناء تعز من طابور طويل من خطباء المذهب الشافعي. قضايا الحقوق المدنية ومواجهة الظلم والفساد هي التي توحد بين الناس، لا المذهب ولا لإنتماء المذهبي والمناطقي.
الديلمي ومفتاح خطيبان استخدما منابر المساجد لمواجهة تجاوزات السلطة، بعيداً عن تكفير الاخرين والتحريض عليهم. عرفا أن معركة اليمنيين الحقيقية هي مع سلطة مستبدة، فدفعا الثمن. وعلى خلفية الإنتماء للمذهب ذاته يدفع الثمن الآن عدنان الجنيد مذعوراً وملاحقاً في تعز.
لا أظن الرئيس يعرف التحريض الحاصل في تعز ضد المذهب الزيدي. إن ذلك يخلق احتقاناً مذهبياً ومناطقياً سيقود في النهاية إلى حرب داخلية. الأمر غير ممكن اليوم، لكنه وارد في المستقبل؛ سيما والمنطقة تعيش حرباً طائفية، شأن ما يجري في العراق، والتخندقات التي تمت على هامشه في جميع البلدان العربية: مع السنة ضد الشيعة «الخونة الروافض»، أو مع الشيعة ضد السنة «الإرهابيين القتلة».
هل نَفَد صندوق المؤامرات وانتهت حيل الدس ليلجأ النظام إلى تغذية النزعات المذهبية المتعصبة الجارية في جميع المحافظات؟ هل يقود النظام اليمن إلى حرب طائفية ومناطقية ليضمن بقاءه متحكماً بالسلطة وبالثروة؟
هناك تعبئة عدوانية ضد الشيعة في بقية المحافظات الشافعية، يقودها متشددون بمساندة مسؤولي السلطات المحلية.
لم يعد الزيود شركاء للشوافع في ما يفترض أنه وطن، بل صاروا «روافض» يجب اجتثاثهم في نظر المتطرفين، أو أعداء تقتضي الحاجة محاربتهم، في نظر بعض مناضلي ومثقفي اليسار واليمين المتطرف.
قضية اليمنيين اليوم ليست مذهبية أو مناطقية، بل قضية حقوق، «مواطنة»، حريات، تنمية، اصلاح اقتصادي وسياسي...
من حق الجنيد أن يكون من اشياع آل البيت. من حقه أن يكتب عن «أبي هريرة»، وليس من شأن الأمن السياسي أن يطالبه بعد ذلك بالمراجع التي اعتمدها لكتابة ذلك، كما حدث.
لقد أُفرج عن الجنيد، الذي نَقَل عمله من المدينة إلى قريته (صبر)؛ تجنباً لتحريض المتطرفين، وتكالبهم المسعور عليه. السلطات المحلية مسؤولة عن حياة الرجل، والتحريض المذهبي الجاري في المدينة.
تعز منكوبة، والله لا يجمع بين عسرين: القاضي الحَجْري وفيصل البحر. ان مهمة التخفيف من الإحتقان الطائفي الحاصل، تقتضي تغيير المسؤولين الرئيسين في هذه المحافظة. لقد طال بقاء الرجلين جاثمين على صدور أبناء المدينة، وصار من الواجب استبدالهما بشخصين أكثر مرونة وإنفتاحاً.
الرئيس رجل ذكي، ليس من مصلحته أن يقف ضد مطالب ورغبات الناس. لماذا عليه أن يضحي بسمعته من أجل أشخاص لم يدركوا اهمية الوظيفة العامة وواجباتها؟
إن تعيين مسؤولين جيدين أفضل خطوة؛ تزيد من رصيد الرئيس وحب الناس له. هناك أمثلة جيدة يمكن الاستشهاد بها: عبدالقادر هلال، يحيى الشعيبي، الشامي، الكحلاني، عارف الزوكا... صِدق هؤلاء، إخلاصهم للوظيفة العامة، عملهم الجاد، كل هذا خلق قاعدة شعبية ورضاءً عاماً عن السلطة. عمل هؤلاء في خدمة الناس أفضل من خطابات التملق والدجل، وليس أمام الرئيس إلاَّ ذاك إن أراد أن يكون له حضور حقيقي في قلوب رعيته.
 وفاء الرئيس لرجاله لا يمكن أن يتم على حساب سمعته. ثم إن رجال الرئيس انعكاس له، ولا أظنه يرضى أن تكون صورته كهؤلاء، الذين قدموا أنموذجاً غير جيد للعمل.
الإنتخابات الرئاسية تقف على الأبواب، وليس في مصلحة الرئيس بقاء الحجري والبحر في تعز. بإمكانه نقلهما إلى مواقع أخرى، خارج المحافظة، وفي وسعه تسريحهما سراحاً جميلاً. دون ذلك عليه أن يعطيهما دورات حول: كيف يمكن أن تكون محافظاً ومسؤولاً أمنياً جيداً في أسبوع واحد!
 
naifhassan