اسود وابيض - بلقيس علي اللهبي

اسود وابيض - بلقيس علي اللهبي

في بلاد مثل اليمن مليء بالمتناقضات لا يعتبر التباين ميزة أبدا فيما أظنه أنا على الأقل, في الوقت الذي تكون فيه محترق بنار الشمس تقف في الظل لتجد نسمة هواء قد تصيبك بنوبة برد شديدة تستدعي أياماً من العلاج.
في المؤتمر الاستثنائي للمؤتمر الشعبي العام وقف الجميع ليعدد انجازات الرئيس وأجمع الكل داخل المؤتمر أن من أهمها بناء دولة يمنية حديثة, وسأترك التعريف العلمي للدولة الحديثة للمختصين و أتحدث عن مفهوم عام لهذه الدولة قوامه –المفهوم- أنها (أي الدولة الحديثة) تقوم على المؤسسات, وذلك قد يقصد به أنها مؤسسات واضحة السياسات تعتمد فقط على موظفين محددي المهام محددي السلطات لإدارة هذه المؤسسات، و تنتمي إلى منظومة المؤسسات مؤسسات رقابية تعمل على إبقاء العمل في طريقه المرصود والتقييم المرحلي لتلافي الأخطاء.
 وفي ذات اللحظة اجمع هؤلاء، الكل أيضا، أن الانجازات ستنتهي والوحدة ستتشظى والنفط سيغور والبلاد ستمحى من خريطة التاريخ وربما الجغرافيا....إذا ما استمر الرئيس على موقفه "الشخصي" حد تعبير الكل السابقي الذكر.
ما هذا التناقض الذي لا يظهر جمالا؟؟ إذا كانت دولة حديثة فهي قادرة على إدارة ذاتها حتى في الأزمات والطوارئ؛ هناك قوانين تحدد الطارئ وتحدد وسيلة التعامل معه.
لم ننتظر أن تأتينا القرارات القدرية حتى نقبل بالتغيير كضرورة حتمية يقتضيها واقع الحال. كما قال السيد الرئيس انه غير عاجز ولا مريض وانه قادر على إدارة البلاد حتى بالتلفون. لكن لمَ لم ندع هذا الرجل كقائد لأي منجز أن يستريح في استراحة المقاتل وير الجميع ينعم بما أنجز بعيداً عن عناء المسؤولية وإرهاق الحفاظ على ما تم؟!
هل كان كل هؤلاء يكذبون علينا ويقولون كل شي سابر وإنهم يعملون؟ ليتضح لنا من خلال أقوالهم، لا سواهم، أنهم ما كانوا يفعلون شيء وان وحده الرئيس تحمل كل هذه الفترة ما كان يجب عليهم عمله, ولذلك وقفوا معترضين على قراره بعدم ترشيح نفسه في رغبة لعدم فضح عجزهم وقلة نفعهم.
وإذا كان من أهم أعمدة بناء الدولة الحديثة هي بناء الإنسان، فكيف يقف هؤلاء أمام شاشات التلفزيون ليقولوا أن ليس هناك في عرض البلاد وطولها من ساحل وواد وجبل من يستطيع أن يقود البلاد سوى إلى الهاوية؟ وهم يشهدون بأن الرئيس بنى دولة حديثه قوامها الإنسان، ورئاسة الجمهورية هي وظيفة عامة تتطلب يقظة مؤسسية وحنكة متوفرة فيمن يحتال على راتب هزيل حتى يصمد معه لآخر الشهر.
ورغم أني سعدت بالمسيرة التي خرجت لتثني الرئيس عن قراره لأنها ولأول مره تخرج مسيرة بهذه الضخامة وتحمل توجه شبه رسمي لشأن يخص اليمن ذاتها دون القفز إلى الخارج وعمل مظاهرات ومسيرات تخص كل قضايا العالم ولا تخص المواطن اليمني تحديدا, غير أني حزنت لرؤية كل تلك الأقمشة التي كان يمكن أن تصنع الكثير من الملابس لستر أجساد العراة من الفقر، رأيتها وهي تحمل لافتات مكرره كان يمكن أن تحملها لافتة واحدة لينطق بها لسان واحد في لقاء من القلب إلى القلب بين الزعيم وأبنائه يملؤه الحب بعيدا عن التزلف واتملق.
في الدولة الحديثة التي أسست قبل ثمانية وعشرين عاماً ودعَّمت وعُلي بناؤها قبل ستة عشر عاماً, وعمدت ورسخت أركانها قبل اثني عشر عاماً, لم تستطع مؤسسة بذاتها من ضبط الفساد الذي تنكره الحكومة أحيانا لتعترف به أحياناً أخرى. لدينا جهاز مركزي للرقابة والمحاسبة ولدينا صندوق الخدمة المدنية للإصلاح المالي والإداري, ثم أخيرا لدينا هيئة خاصة تضع أصبعها في عينك لتسألك، هل أديت دورك في محاربة الفساد؟ أليس هذا تناقضاً لا يبدي جمالا.