قريباً.. السم الأصفر في المستشفيات

قريباً.. السم الأصفر في المستشفيات - بشرى العنسي

شركة فرنسية لإنتاج المحارق تصل للترويج لمنتجاتها، مع اعتزام بلادنا استيراد أربع محارق طبية رغم التحذيرات التي تطلقها منظمة الصحة العالمية والمختصون والباحثون والمنظمات من مخاطر تلك المحارق وما ينتج عنها من أضرار وغازات قاتلة.
مستشفى «الثورة» و«السبعين»، ومركز نقل الدم وأبحاثه في العاصمة وفرعه في عدن، جميعها بدأت خطواتها لاستيراد محارق لحرق المخلفات الطبية، عبر إنزال مناقصات لذلك الغرض.

د/ آحمد العنسي مدير مستشفى «الثورة» اعتبر المحرقة خلال حديثه لـ«النداء» من أهم الشروط الأساسية لإقامة أي مستشفى كما أنها طريقة عملية للتخلص من المخلفات الطبية وغير الطبية التي تؤثر على البيئة والانسان.
وأضاف: «المحرقة السابقة اصبحت قديمة (1985م) والمستشفى الآن بحجم أربعة مستشفيات ولذلك أخذنا رأي المختصين وتواصلنا مع الهيئة العامة لحماية البيئة حول المحرقة الجديدة كما أنزلنا مناقصة قانونية ورست على شركة يمنية وخلال شهر ونصف بالكثير سوف تصل المحرقة ونحن بصدد عمل دراسة لتقييم الأثر البيئي للمحرقة».
عمل لمدة ثماني ساعات في الأسبوع وحرق أقل من (100) كيلو جرام (432) طناً/ سنة بدرجة حرارة (500)مْ في الغرفة الأساسية و(1000)مْ في الغرفة الثانوية مع إطلاق كميات عالية من الديكسونات والفيورانات (احتراق غير متحكم به ومن النوع المتقطع بدون نظام التحكم بتلوث الهواء). كانت هذه هي مواصفات المحرقة القديمة في «الثورة» بحسب احد المختصين الذي اعتبر أنها كانت مخالفة لمواصفات منظمة الصحة العالمية، في حين تعتبر المحرقة الجديدة بمواصفات عالمية وتحقق شروط حماية البيئة واتفاقيتي: بازل واستكهولوم، الموقعة عليهما اليمن، لذلك حصلت على الموافقة من الهيئة العامة لحماية البيئة، حسب المختص.
«النداء» بدورها حصلت على نسخة من موافقة الهيئة ونسخة من المواصفات التي قدمها المستشفى حول المحرقة حيث أكدت الهيئة، مع موافقتها، على ضرورة قيام هيئة المستشفى بتنفيذ دراسة تقييم الأثر البيئي للمحرقة قبل عميلة تركيبها، وتقديم الدراسة إلى الهيئة العامة لحماية البيئة، إضافة إلى ضرورة فرز المخلفات الخطرة عن غير الخطرة، فرزاً دقيقاً. كما شددت على ضرورة تنفيذ تحاليل مخبرية لإنبعاثات مدخنة المحرقة بشكل دوري وتزويد الهيئة بنتائج التحليل لمعرفة مدى مطابقة الانبعاثات لمعايير قانون حماية البيئة ولائحته التنفيذية ومعايير منظمة الصحة العالمية والمعايير الدولية الأخرى. واشترطت الموافقة كذلك أن تكون المدخنة مرتفعة بثلاثة أمتار على الأقل على أعلى مبنى مجاور. حيث ستحرق 65 كيلو غراماً لمدة ثماني ساعات بدرجة حرارة (900) م في الغرفة الأساسية و(1200)مْ في الغرفة الثانوية. مع نظام قناة هوائية لمعالجة الغاز.
«النداء» نزلت أيضاً إلى مستشفى «السبعين» لجمع معلومات حول المحرقة والتقت د/أمة الكريم الحوري مديرة المستشفى التي بدورها أحالت الأمر إلى مكتب الخدمات وفي الخدمات لم نتمكن من الحصول على المعلومات الكافية كما لم نستطع الحصول على نسخة من المواصفات، بحجة أن كل المعلومات سنجدها في مكتب الصحة وأن المناقصة التي نزلت حول المحرقة نزلت عبر مكتب الصحة، لكننا تمكنا من الحصول عبر مصادرنا على نسخة من المواصفات المقدمة. علمت «النداء» أيضاً أن المستشفى لم يأخذ موافقة الهيئة على تلك المحرقة كما أنها لم يعرض عليها الموضوع من أساسه.
حصلت «النداء» كذلك على نسخ من المناقصة رقم (1/2007م) التي طرحها المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه لشراء وتوريد محرقتي نفايات طبية للمركز وفرعه في عدن، من المفترض ان تسلم جميع العطاءات في منتصف الشهر الجاري. وكمستشفى «السبعين» لم يعرض المركز المواصفات على الهيئة ولم يأخذ موافقتها.

فشل المحرقة المركزية
في يونيو العام الماضي علمت «النداء» أن الصندوق الاجتماعي للتنمية وأمانة العاصمة ينويان عمل محرقة مركزية في صنعاء لحرق كافة المخلفات الطبية. وفي حينه توجهت «النداء» للصندوق والتقت برئيس وحدة المياه والبيئة، عبدالوهاب المجاهد، الذي بدوره أدلى بمعلومات عن المحرقة التي كلفت مليون و200 ألف دولار بمساهمة(90٪) من الصندوق، والباقي من أمانة العاصمة، وتقع المحرقة في الجزء الجنوبي الشرقي لمقلب الأزرقين الذي يبعد (16) كم عن مركز المدينة، بمساحة (3600)م2.
وتوقع الوكيل المساعد لأمانة العاصمة خالد العبيدي، وعبدالوهاب المجاهد، أن يبدأ تشغيل المحرقة هذا العام لكن م/ علي الذبحاني مدير وحدة السموم والنفايات الخطرة بالهيئة العامة لحماية البيئة أكد لـ«النداء» أن الهيئة وجهت رسالة للصندوق تخطره برفضها للمحرقة كونها لا تحقق الشروط وكونهم يريديون حرق كل النفايات الطبية، في حين اشترطت الهيئة حرق النفايات المعدية فقط بتلك المحرقة (محرقة التحلل الحراري) وطلبت من الصندوق إذا ما أراد حرق كل النفايات ان يستورد محرقة «الفرن الدوار» ذات التكلفة الغالية جداً. وأضاف أن المحرقة لا تلبي احتياجات حماية البيئة في تقليل انبعاثات الديوكسين والغازات الأخرى. وصحياً لها تأثيرات مباشرة على السكان والتربة والهواء والمياه.
ومن الناحية الاجتماعية فإنها تحيط بمنطقة سكانية قريبة من المقلب (الأزرقين)، أما من الناحية الإقتصادية فالمحرقة لا تحقق الشروط في إستعادة الكلفة.
كما رأى راقي زنقلي، خبير منظمة الصحة العالمية، ضرورة إعادة التفكير بأمر تلك المحرقة والتفكير بالتكنولوجيا النظيفة خصوصاً أن اليمن كبلد نام لن يستطيع تحمل عبء تكاليف وصيانة محرقة بمواصفات عالية وطرح حينها برنامجاً أدنى لإدارة النفايات الطبية يعتمد على فصل النفايات أو خزنها بالطريقة السليمة ثم تؤخذ بسيارات مخصصة ويتم دفنها.
وهو الأمر الذي بدأت فيه اليمن فعلاً من خلال تجميع المعلومات حول كمية المخلفات التي تنتج من مستشفيات الجمهورية. لكن الذبحاني أكد بأنهم لم يتمكنوا من الحصول على رقم محدد وأنهم بصدد وضع رقم واحد وتسليمه للجهاز المركزي للإحصاء لتعميمه.

كلٌ يبحث عن زجاجة
رغم المواصفات التي أعتُبرت جيدة لمحرقة «الثورة» وبالرغم من اعتبار البعض أن المحارق هي أفضل الطرق للتخلص من النفايات، فإن منظمة الصحة العالمية وكثير من الجهات المهتمة، ضد الحرق وتدعو لاستخدام التقنيات الجديدة والصديقة للبيئة كالتعقيم والتطهير كون الحرق له اضرار قاتلة للإنسان والتي لو عرفتموها لفضلتم العيش في زجاجة خوفاً مما قد يصيب». حيث ينتج عن حرق تلك المواد إنبعاث غاز الديوكسين الذي صنفته الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) بأنه مصدر مؤكد للسرطان، كما تشير دراسات الصحة العالمية أن الديوكسين ينتشر في مسافة لا تقل عن عشرين كيلو متراً في الجهات الأربع للمحرقة وأن العمر النصفي اللازم لتحلل الديوكسين في جسم الانسان يقدر بسبع سنوات وأن مخاطره تظهر باكراً أو تتأخر في الظهور على السكان المحيطين.
واعتبرت الجمعية البريطانية للطب البيئي استخدام المحارق انتهاكاً لإتفاقية استوكهولم وهي احدى الاتفاقيات التي صادقت عليها اليمن. ويعتبر الديوكسين من أخطر نواتج عمليات حرق النفايات الطبية كما أنه الاسم الشائع لمجموعة (210) مواد كيميائية ليس لها استعمال تجاري. وتم ربط تأثير الديوكسين بسرطان الكبد والرئة والمعدة والأنسجة الرقيقة والضامة بالإضافة إلى الأورام اللمفاوية. كما أن التعرض لنسب صغيرة من هذه المادة يؤدي إلى التأثير على جهاز المناعة وإضعاف قدرته على مقاومة الأمراض، وله تأثير لا يستهان به على التناسل البشري حيث خلصت دراسة لمختص في أمراض العقم في سوريا ان الديوكسين يزيد انتاج مادة (INHBIN) التي تؤدي إلى تسمم الحمل وتخريب البيوض مما يتسبب بضعف الخصوبة والعقم والإسقاط المبكر للجنين كما يؤثر على تطور الأقناد مما يزيد نسبة الإناث إلى الذكور.
راقي زنقلي، الذي أجرت معه «النداء» مقابلة أثناء زيارته لليمن نهاية العامة الماضي وقام بجولة في عدد من محافظات الجمهورية لمعرفة كيفية التعامل مع المخلفات الطبية، قال إنه لا ينصح بالحرق في المستشفيات لأن الغازات المتصاعدة تسبب مشاكل للمواطن وخصوصاً في المستشفيات الموجودة داخل المدن والقريبة من التجمعات السكانية، فكثير من المستشفيات تحرق كل شيء وهذا خطير جداً فهناك اشياء لا يمكن حرقها لأنها تضر بالمواطن.
خلصت الوكالة الأمريكية لحماية البيئة في تقريرها حول تقييم الديوكسين إلى أنه مادة سرطانية بغض النظر عن نسبة الجرعة التي يتعرض لها الإنسان. وذكرت الوكالة أن الديوكسين ينتقل في الهواء ويدخل السلسلة الغذائية وإن كانت في مناطق بعيدة عن مكان إصداره وأن اللحوم ومشتقات الحليب والبيض والأسماك تعتبر المواد الغذائية الأساسية التي ينتقل عبرها ثم يتراكم في الأنسجة الدهنية. وبسبب النسبة المرتفعة من الدهون في حليب الأم فإن الأطفال الرضع يتعرضون للديكوسين بنسبة تفوق الراشدين بخمس مرات.

العلم عند الله
«لتر واحد منه يكفي لإبادة مليون شخص في الحال، وإصابة مليون آخرين بالأمراض والعاهات». كان هذا بداية تحقيق أجرته صحيفة «الثورة» (السورية) حول المحارق الطبية بداية الشهر الماضي. ووفقاً للنتائج التي وصل إليه التحقيق الإستقصائي الذي استمر ثلاثة أشهر فإن سبع محارق من أصل (14) العاملة والمعلن وجودها في المشافي السورية تخرق قوانين حرق النفايات الطبية ومعالجات الغازات الناتجة عن الحرق ما يتسبب في نشر غاز الديوكسين على ما حولها من المناطق السكنية وهو ما أصاب آلاف السوريين بالسرطانات.
وبحسب مدير السلامة الكيميائية في سوريا، بحسب التحقيق، فلا تتوافر التجهيزات الكيميائية والمختبرات اللازمة لقياس الديوكسين في أية دولة من دول الشرق الأوسط.
وهو الأمر الذي يدعونا للقلق على صحتنا خصوصاً مع توجه اليمن لاستيراد تلك المحارق كوسيلة لحرق النفايات الطبية، والأربع محارق التي سوف تستورد قريباً أكبر مثال على ذلك إضافة إلى وجود ثلاث محارق اخرى عاملة من أصل (47) غير عاملة حالياً بسبب قدمها ونقص في المعدات والصيانة. ويعتبر مستشفى «ابن خلدون» في لحج، و«السلام» في صعدة وخليفة التربة من ضمن المستشفيات التي تملك محارق عاملة حيث يبلغ إنبعاث غاز الديكوسين من مستشفى خليفة (351.360) GTEQ/a و(2.930) GTEQ/a من مستشفى «ابن خلدون» بحسب تقرير سابق للهيئة العامة لحماية البيئة.
ناهيكم عن المحارق الصغيرة والمبنية بالطوب الأحمر (الآجر) والتي تحرق بطريقة بدائية، كمحرقة مستشفى «الكويت» بالعاصمة. فالعلم عندالله فقط كم نسبة الديكوسين المنبعث وكم هو الذي نستنشقه.
boshrasalehaliMail