ترميم أخطاء السياسة الخارجية في صعدة

ترميم أخطاء السياسة الخارجية في صعدة - جلال الشرعبي

يبدو أن هناك نوايا لتهدئة نبرة اتهامات كالها سياسيون ومسؤولون ضد إيران وليبيا بخصوص الحرب الثالثة في صعدة.
إستعداء الخارج بدأ واضحاً ولم يكن بحاجة للدبلوماسية في تصريحات سياسيين في الحزب الحاكم ومسؤليه في الحكومة تجاه وجود يد ودور للجماهيرية الليبية وجمهورية إيران بأحداث صعدة.
تصريحات وزير الأوقاف والارشاد حمود عباد ظهرت على الفضائيات تجاه «إيران» في الوقت الذي كان سياسيون في الحزب الحاكم يطلقون دوي صفارات الإنذار تجاه طرابلس وطهران باعتبارهما تقدمان الدعم والمساندة لأتباع عبدالملك الحوثي.
الأمر لم يخل من تبعات سلبية بالطبع. لقد كانت تسديدات خاطئة في السياسة الخارجية.
تلافي هذه الأخطاء بدأ الآن واضحاً.. وفود وزيارات متبادلة كانت مهمتها إنهاء توترات حاصلة وبدء عمليات الحوار على الطاولة.
وحسب مسؤلين حكوميين، فإن الزيارة الأخيرة لمسؤلين في الأمن القومي الإيراني لصنعاء كانت فاتحة البداية، حيث تم تسليم وثائق وأدلة تدين ظلوع جهات إيرانية في حرب صعدة.
الرد الايراني أشار إلى أن هذه الجهات التي جاءت في الأدلة اليمنية هي لجمعيات ومؤسسات خيرية غير رسمية. مع تقديم وعود بالتواصل مع هذه الجمعيات والجهات لمعرفة ردها بهذا الشأن.
في الجانب الآخر بين طرابلس وصنعاء بدأ مطلع هذا الأسبوع حوار آخر من العاصمة الليبية كان عنوانه إتفاق لتعزيز العمل الإنساني والتنموي بين مؤسستي «الصالح» و«القذافي».
والأمر ذو صلة باتفاقات سابقة كانت في العاصمة صنعاء في نوفمبر 2006م عند زيارة سيف الإسلام القذافي لصنعاء والتقائه بالمسؤولين اليمنيين بمن فيهم العقيد أحمد علي عبدالله صالح، ودار حديث حول احداث صعدة الأولى والثانية.
وكانت «النداء» قد كشفت في عددها رقم (81) الصادر في 29 نوفمبر الماضي عن وساطة للزعيم الليبي معمر القذافي حملها نجله سيف الإسلام لتسليمها للرئيس «صالح» في الوقت الذي كان بيان صادر عن يحيى بدر الدين الحوثي يشير إلى هذه الوساطة التي قال إن الرئيس يظهر تهربه منها وعدم إستساغتها.
تصاعد التوترات بين «طرابلس» وصنعاء واصلت مسيرتها في تلك الأثناء وكان من نتائجها هجوم إعلامي رسمي ضد شخصيات سياسية وبرلمانية قامت بزيارة ليبيا. مثلما أصبحت التشديدات والحجز وحتى المنع نصيب عديد يمنيين كانوا يريدون السفر إلى طرابلس أو عائدين منها.
النشاط الدبلوماسي في الحرب الثالثة. تواصل في جوانب أخرى إذ سلم وزير الخارجية والمغتربين الدكتور أبو بكر القربي رسالتين ذات علاقة بما يجري في هذه لكلٍ من الرئيس أحمدي نجاد ومرشد الثورة الإيرانية «خامنئي».
الرسالتان جاءتا في مناسبة سانحة ليتسلمها الأول في اجتماع دول المحيط الهندي فيما تسلم الثانية مساعد مرشد الثورة.
في وقت سابق كان إيرانيون يستقلون باصاً للنقل يتظاهرون أمام السفارة اليمنية في طهران مطالبين بإغلاق السفارة اليمنية وطرد السفير وكذا إطلاق اسم «الحوثي» بدلاً عن شارع اليمن في العاصمة الإيرانية.
كان الأمر بالطبع مثار قلق ومخاوف لدى المسؤولين في اليمن ورغم التظاهر بتقليل أهميته، إلا أن تقديم «طهران» لتطمينات بهذا الأمر لـ«صنعاء» ضاعف من حجم القلق، ودعا الرئيس علي عبدالله صالح إلى قيادة حوار جديد بنفسه مع «إيران» أظهر فيه مرونة و هدوءاً.
علامات التغيير في التعامل مع إيران تجلت ملامحها في الإعلان الرسمي عن زيارة مرتقبة لوفد برلماني يمني لطهران، ورغم عدم الإعلان عن تعلق الزيارة بما يجري في صعدة، إلا أن عنوانها الأبرز الحرب الثالثة بين القوات الحكومية والمتمردين بقيادة عبدالملك الحوثي.
هذا التفاعل اليمني تجاه طهران لم يكن كافياً للحصول على تطمينات، فالوفد البرلماني الذي من المقرر أن يرأسه الدكتور عبدالوهاب محمود، نائب رئيس المجلس ما زال في صنعاء ولم تصله أجندة وموعد الزيارة بعد.
والحاصل أن الرئيس «صالح» والقيادة العليا في الدولة يعلقون آمالاً لزيارة مرتقبة لرئيس مجمع المذاهب في «إيران» إلى صنعاء خلال اليومين القادمين.
وحسب مصادر خاصة فإن الوفد الإيراني سيضم رجال دين شيعة سيقومون بإلقاء محاضرات تتركز حول حرمة القتال بين المسلمين الشيعة والسنة والدعوة إلى ايقاف القتال الجاري في صعدة وإيجاد الحلول السياسية.
في الجانب الآخر بدأت «ليبيا»، التي استقبل الرئيس «صالح» سفيرها في صنعاء مؤخراً، بالتركيز على تنامي العلاقات الثنائية بين الجانبين في الوقت الذي كان الرئيس يسلم السفير ملفاً إلى نظيره «القذافي» يحوي وثائق ذات صلة بحرب صعدة والحث على أن تكون الجهود الليبية من أجل استتباب الأمن والإستقرار في صعدة.
وغير «طهران» و«طرابلس» تظهر «الدوحة» و«الرياض» ذات صلة بما يجري في صعدة.
فالجهود السعودية تأتي مساندة للحكومة اليمنية خوفاً من الخطر الشيعي القريب من حدودها.. فيما تظهر «الدوحة» وسيطاً بين صنعاء وطهران لتقريب وجهات النظر واستمرار عمليات الحوار مع إيجاد تسويات سياسية ومخارج عاجلة لإيقاف الحرب الثالثة في صعدة. فالسعودية التي كانت تستقبل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قبل أيام كان موقف مليكها واضحاً بخصوص ما يجري في صعدة.
وقطر التي كان أميرها يلتقي نائب رئيس الوزراء اليمني الدكتور رشاد العليمي ونائب رئيس جهاز الأمن القومي عمار محمد عبدالله صالح كان يتسلم رسالة يمنية تسلم بواسطته لطهران. واخرى تحثه على لعب دور مساند للجهود الرسمية اليمنية.
والراجح أن العامل الخارجي حاضر في صعدة لدى القيادة اليمنية التي تقول إنها تجد أمامها وثائق دامغة لتدخلات «إيرانية» و«ليبية»، لكنها تبقى أمام المسؤلين في قيادة البلدين عاجزة، سواء عن انتزاع اعتراف أو حتى تطمينات لمجرد استمرار الحوار أو مشاركة اليمن ووسائلها للقيام بجهود من شأنها إيجاد الحلول السياسية مع الإبقاء على هيبة الدولة في جبال صعدة.
والحاصل أن الرئيس صالح أضحى وسط مساعيه لتجفيف منابع الأزمة الدبلوماسية مع «إيران» و«ليبيا» حائراً، أمام الدعم الذي تبديه الولايات المتحدة الامريكية ومساندتها له في هذه الحرب.
وتبدو تصريحات الدبلوماسيين الامريكيين في صنعاء أو المسؤولين في واشنطن دالة على الدعم دونما تحفظات للحرب الحكومية ضد المتمردين في صعدة.
والخلاصة أن الأمر علاوة على أنه خاضع للتعتيم الرسمي اليمني فإن هذا الملف أصبح الآن بيد أشخاص محدودين، وليس مؤسسات، وأن تلك الأصوات السياسية التي كانت تطلق العنان لتصريحاتها تجاه «طهران» و«ليبيا» أضحت الآن مطالبة بالصمت ربما إلى حين.