مغتصب... إستقيل

مغتصب... إستقيل - خالد سلمان

حين فشلنا لعنَّا الرأسمالية، والاشتراكية، والاستعمار... كسل الشعوب وخمول الأوطان.
وحين فشلنا في الديمقراطية تقمصت الأنظمة دورها الأبوي: حملت عصيها وذهبت لتقريعنا، وتأديبنا، وتعليمنا كيف ننحني أمام ولاة الأمر، وكيف نبلع ألْسننا ونصيخ السمع لسفه الحكام، نوقر بزات الكاكي، نصفق للجلاد ولحياته، لإعدام الحقوق؛ والرضوخ لتخريجاته في توصيفنا بالقُصَّر الذين لم يشبوا بعد عن الطوق، ولم يستقم عودهم للخروج من شرنقة الوصاية إلى فضاء حياة نكون فيها نحن مصدر السلطات، لا أطباق سلطات موائد القصْر، يلتهمنا الحاكم، مزات سكراته السياسية ولياليه الجهنمية الحمراء، بما تنتجه من ويلات وحروب ومغامرات وحمامات دم.
الإتكاء الهلِع على الخصوصية المحلية، هو الفأس الذي يحتطب شجرة الحرية. الشغف الرئاسي بالأصالة ونقاوة الموروث، هما عود ثقاب الإستبداد الأسود، لإحراق تفتحات الوعي الحقوقي المدني، وتضليل عموم الفقراء، نزلاء زنازن اعدامه الموحشة.فلا الخصوصية منعت الحاكم من سفح كرامة وماء وجه البلاد تحت أقدام الأجنبي. ولم تفعل الدعوة للإنغلاق ما يحول دون استمرار نزف الثروات إلى بنوك الغرب (المتهتك)!! وتدوير مال الشعب المسروق في مشاريع عقارات وأسواق لندن ومصارف باريس وجنيف.
التطير من الديمقراطية، يقف على حامل واحد لا ثاني له: الخشية من ارتخاء قبضات شمولية، من تكسر اذرعها الأمنية تحت وقع بديل مدني يكرس المواطنة نقيضاً للتمايز، والانتخابات بدلاً من استئثار الطواغيت العجزة بالحكم إلى القبر، وإلى ما بعده إن استطاعوا إليه سبيلا.
حكامنا درجوا على تفقيهنا كيف نلعن اسرائيل من هرتزل إلى حاخامات التلمود. نحن بكل مشاعر الانتماء إلى قضية فلسطين العادلة نفعل. فيما الحكام يضعون العصي في دواليب تُقدم شعبنا الموازي لهذا المغتصب.
وليس هناك من ممكنات إنجاز حتمية التقدم خارج شعب حر مكتمل الحقوق. هم (الحكام) بحاجة إلى اسرائيل أكثر من ابائها المؤسسين. يريدونها «لوري» لتحميل عفش هزيمتهم السياسية الأخلاقية. يريدونها شماعة تعليق خيباتهم. يريدونها ميناء شحن وتفريغ:
شحن: شحن الناس المحكومين قهراً، بيافطات التحرير، وإعادة توجيه خراطيم وشلالات الغضب الشعبي من فساد الحاكم، إلى خطورة المتربص التاريخي المزروع في قلب الأمة.
وتفريغ: تفريغ الضغط بعيداً عن محيط قصر الرئيس، باتجاه فضاء القضايا القومية العادلة.
نأسف (أن تركنا عدوانية وعنصرية اسرائيل تجاه العرب جانباً لبعض الوقت). اسرائيل تبني ديمقراطيتها وسط دويلات البداوة وأعلام رؤساء شيوخ القبائل. ولأننا (كل هذا السواد) في الرقعة السياسية، فإن نقاط مدنية اسرائيل -محل شوائبها- تغدو اكثر إبصاراً وإبهاراً، وإن خيوط الدم المسال من بين شدقيها بالكاد تُرى(!!).
هذا الاسبوع صرخت النساء الاسرائيليات في وجه رئيسهن كاتساف: «مغتصب! إستقيل». هتف الناخب في الممرات المحيطة بالمحكمة، الرئيس مواطن وعليه أن يخضع للمحاكمة. كاتساف ليس رئيساً شرقياً
«لابط» إلى الأبد في حضن قصره الرئاسي الدافئ. لقد ضعف موشيه كاتساف أمام «اللحم الأبيض»!!، «أطلق ليديه العنان لقرصة في ارداف هنا، وغزل غير متحرج في نهود هناك، من جميلات سكرتاريته. لهذا فهو يقبع في القفص، ملاحقاً بعار الاغتصاب والتحرش.
وفي مقاربة مهينة ولكنها مستحقة، فإن الحكم في اليمن (كنموذج شرقي) يتحرش كل يوم بحقوق الملايين. لا يقرص، بل يذهب بفكيه عميقاً في لحم مستقبل البلاد. لا يتغزل -بحدود خارج اللياقة- بفئة من مواطنيه، بل يذهب حد تسفيه كل القوى، كل الناس. لا يغتصب ما يوقعه في الخطيئة الأخلاقية فحسب، بل والسياسية، والمدنية والحقوقية، وكل خطايا الدنيا. يغتصب حكماً، يسرق شرعية وطن، يعاشر سلطة سفاحاً لعقود.
ولا نجد من يدرب شفتيه سراً... يُكسب أبجديته مران القول: «مغتصب! استقيل».
هم هناك علناً يفعلون. هنا نحن سراً لا نفعل.
ومن أجل بقاء الحاكم سنظل نهتف لقرون قادمة: «عاش الاستبداد(!)، تسقط الصهيونية، يسقط الاستعمار ، تسقط أفكار التغريب والديمقراطية العلمانية اللعينة».