بين الرياض وطهران

بين الرياض وطهران - محمد الغباري

خلال أقل من اسبوع، حمل رئيس مجلس النواب، ونائب رئيس مجلس الوزراء، رسالتين متتاليتين من الرئيس علي عبدالله صالح إلى القيادة السعودية لم يكشف صراحة عن مضمونهما وإن بدا واضحاً ان الاحداث الجارية في محافظة صعدة هي المغزى.
الواضح ان جهوداً غير عادية تبذلها السلطات لدينا لإقناع القيادة السعودية بخطورة الجماعة التي يتزعمها عبدالملك الحوثي بعد قتل أخيه، وان الرياض لم تستجب بسهولة حتى الآن لهذه المساعي، خصوصاً وأن الزيارة القصيرة لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية جاءت بعد ايام من زيارة الشيخ عبدالله الأحمر المعروف بعلاقته الوثيقة مع القيادة السعودية.
حساسية حكومة المملكة من تحريك ملف الأقليات الشيعية داخل أراضيها، تجعلها تتعامل بحذر مع إيران ومع قضايا لها صلة بالصراع المذهبي. ولذلك فإن الزيارات المتتالية لمستشار الأمن القومي الايراني إلى الرياض ومثله مستشار الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان إلى طهران أضحت اليوم عامل قلق لدى الجانب اليمني، الذي يراهن كثيراً على مساندة سعودية في المواجهة ولاعتبارات وحدة الأهداف.
وإذا ما وجد تأكيد لما يقال عن مشروع توافق سعودي ايراني يضمن الاخير بموجبه عدم الخوض في القضايا المذهبية داخل المملكة وفي جدارها، في مقابل مساهمة الأول في تطبيع الاوضاع في العراق ولبنان، فإن اليمن سيكون أكبر الخاسرين.
ما لا ينبغي أن يغيب عن صناع القرار لدينا هو أن تدويل المشكلات الوطنية يجعلك أسير تلك الأطراف التي تعمل على تطويع تلك المشكلات وبما يتلاءم ومصالحها. ولهذا فإننا بحاجة إلى معالجة وطنية، بالتأكيد ان القوة وحدها لا تحققه.
 
ضحايا الجغرافيا
لم يغلق بعد ملف قتل محمد الحامدي، لكن ملف محمد الشعبي الذي ينتمي إلى ذات المنطقة وقُتل في معتقل تابع لمكتب الاسكان بالعاصمة، أُغلق، بتصريح «مسؤول» صدر عن نائب امين العاصمة أكد فيه ان الرجل أقدم على الانتحار.
خلال الاسبوع الماضي كان العشرات من ابناء مديرية حبيش يزاحمون اخوانهم في القهر ابناء الجعاشن الفارين من بطش الشيخ، يزاحمونهم الشكوى من مماطلة الاجهزة الامنية في ايصال قتلة الحامدي إلى القضاء، حيث يتمتعون بالحماية في احد معسكرات الجيش. وطالبوا ايضاً بفتح تحقيق في واقعة مقتل الشعبي على يد مسؤولين في مكتب الاسكان.
من مخيم لاجئي الجعاشن في منطقة دار سلم، إلى مكتب النائب العام في مذبح مروراً بمقر البرلمان المطل على الجهة الغربية لميدان التحرير، تجسدت صورة المواطنة المنتهكة، ومأساة غياب العدالة، واستبسال السلطات في دعم ومساندة الطغاة والقتلة.
المأساة لا تقف عن حدود المنطقة الجغرافية، فهي كذلك في وصاب وريمة وتعز والحديدة.
أغرب ما في حياتنا كيمنيين أن تجد مسؤولاً امنياً يعلن صراحة عجز السلطات عن القاء القبض على قاتل لأنه يتمتع بحماية ضابط في وحدة عسكرية، وان تتبادل الجهات الأمنية توجيه الخطابات الرنانة بضرورة إلقاء القبض على الجناة وإيصالهم لينالوا جزاءهم، وان تتصدر تلك التوجيهاتك «عاجل جداً مرسل للتنفيذ» ومع ذلك لا يتم شيء.
... من ابناء محافظة ريمة ويحمل بطاقة شخصية صادرة عن مصلحة السجل المدني، قُتل قبل أكثر من عام، في منطقة «شعوب» وهو يبيع القات، على يد اثنين من افراد عصابة معروفة للأجهزة الأمنية.
منذ ان قتل هذا الشاب الذي يكدح ليل نهار من أجل لقمة عيش كريمة، والسلطات عاجزة عن إلقاء القبض على قتلته الذين فروا إلى إحدى قرى مديرية الحيمة، وبتأكيدات وزارة الداخلية نفسها، ولم يعد من خيار امام ابناء المحافظة الجديدة إلا المطالبة بضمهم إلى رعية أحد المشائخ الكبار حتى يتمكنوا من إجبار الحكومة على الإقتصاص لقاتل ابنهم.
malghobariMail