التغيير الحكومي كمخرج من مآزق السلطة

التغيير الحكومي كمخرج من مآزق السلطة - سعيد ثابت سعيد

نفى عبد القادر باجمال رئيس الوزراء بشدة ما تناقلته بعض الأوساط السياسية مؤخرا عن أنه بصدد الاستقالة من رئاسة الوزراء. واعتبر ذلك إشاعات لا أساس لها من الصحة. وانتقد باجمال من مقر إقامته في العاصمة البريطانية لندن التي أجرى فيها فحوصات أولية في مستشفى(كرومويل) قبل أن ينتقل إلى مستشفى (هارفيل) بعد أن أنهى المرحلة الأولى من العلاج بعملية سريعة تتعلق بوظائف القلب يوم الاثنين قبل الماضي تكللت بالنجاح الكامل، بنبرة من الغضب من وصفهم بأنهم "يعيشون أحلام اليقظة بهدف المساس بوحدة القيادة السياسية من خلال توظيف المرض الذي يمكن أن يتعرض له أي إنسان". وقال: "من المؤسف أن تستغل بعض الأطراف السياسية والإعلامية ما يمكن أن يصيب أي إنسان من عارض صحي هو من طبائع الحياة البشرية وتوظفه بطريقة تسيء للشخص نفسه من ناحية وتشكك في الأقدار الإلهية من ناحية أخرى".
وشدد رئيس الوزراء على التأكيد على تواصله الدائم مع الرئيس علي عبد الله صالح، وبتواصله اليومي بمكتبه وبالوزراء وبقيادة الحزب الحاكم، الذي يتولى أمانته. وقال: "إني أواصل العلاج لبعض الجوانب الصحية الأخرى حيث الوضع الصحي يسير إلى الأفضل ولا مخاطر صحية حقيقية والحمد لله".
وأوضح باجمال أنه قد تابع باستغراب شديد "هذا اللغط الغريب الذي يدور حول وجودي في المملكة المتحدة لتلقي العلاج من حالة صحية عارضة تعرضت لها في القلب قبل سفري إلى سوريا لترؤس الجانب اليمني في أعمال اللجنة العليا اليمنية السورية". واختتم تصريحه بتأكيده أنه سيعود "لمواصلة العمل ولا شيء غير ذلك بعد إنهاء العلاج ومواصلة المسيرة".
جاء تصريح رئيس الوزراء بعد تسريب معلومات صحفية عن سفر مفاجئ إلى لندن بعد انتهاء جولة مباحثات اللجنة اليمنية السورية العليا بدمشق، وأن حكومته تتحرك في أداء مهامها في الوقت الضائع، وأن قرار الإقالة وتشكيل حكومة جديدة هي مسألة وقت ليس إلا. ورغم أن ثمة تأكيدات على تعرض باجمال لعارض صحي قبل مغادرته صنعاء إلى دمشق على خلفية نقاش ساخن مع وزير يمني حول بعض القضايا الاقتصادية الملتهبة، فإن المعلومات المتوفرة حتى الآن تشير إلى وجود توجه جدي لتشكيل حكومة جديدة قبل انعقاد مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار في اليمن الذي كان مقررا انعقاده في 6 فبراير الماضي وتأجل إلى أبريل بناء على رغبة مجلس التعاون الخليجي بحجة عدم اكتمال الاستعدادات الخاصة بنجاح المؤتمر.
 
 شروط المانحين
وتفيد المعلومات أن مؤتمر المانحين الذي انعقد في العاصمة البريطانية نهاية العام الماضي وحصلت اليمن بموجبه على أربعة مليارات ومائتي مليون دولار من دول الخليج تحت ضغط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على الرغم من تململ عدد من دول الخليج بسبب ما يعتقدونه من أن صنعاء غير مؤهلة للاستفادة من المنح والمساعدات والقروض نتيجة خلل في الآليات الخاصة بالاستثمار ونتيجة عدم وجود حكومة تكنوقراط حقيقية.
ولاحظ مراقبون أن مؤتمر المانحين لم يرأسه كما هو معتاد رئيس الحكومة باجمال هذه المرة وإنما كان رئيس الجمهورية على رأس الوفد اليمني ليؤكد الجدية والاهتمام بهكذا مؤتمر وليقدم التزامات بتنفيذ مصفوفة الإصلاحات المطلوبة من اليمن أبرز عناوينها تشكيل هيئة مستقلة لمكافحة الفساد تضم شخصيات من خارج مؤسسة الحكم، وإنجاز قانون الذمة المالية، وتشكيل مجلس للقضاء الأعلى برئاسة شخصية قانونية منفصلة عن رئاسة الجمهورية، وإعادة النظر في البيئة القانونية للاستثمار. ويذهب مراقبون إلى أن غياب باجمال عن حضور مؤتمر المانحين هو إشارة إلى أن "حكومة مرحلة الاستفادة من نتائج المؤتمر الدولي للمانحين" لن يكون باجمال مسؤولا عنها. وتعزز هذا الانطباع أكثر مع قرار تأجيل انعقاد مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار الخليجي ثم تسريب معلومات عن تشكيل حكومي جديد. وجاء التسريب بواسطة وسائل إعلام الحزب الحاكم هذه المرة، ثم سرعان ما نفى مصدر مسؤول تلك الأنباء، بل وراح يوزع اتهامات بالجملة ضد المعارضة رغم أن أنباء التشكيل الحكومي لم تصدر عن وسائل إعلام المعارضة، ما دفع مراقبين إلى اعتبار أن النفي جاء على خلفية امتعاض من تسرع مصادر حكومية في تسريب تلك الأنباء قبل أن تأتي من خلال القنوات الرسمية المعروفة هنا بالرئاسة.
 
 مسألة وقت
وبحسب مسؤول حكومي فإن تشكيل حكومة جديدة هي مسألة وقت لاسيما في ظل رغبة من المانحين بوجود حكومة تكنوقراط قادرة على الاستفادة من المبالغ التي تعهدت تلك الدول بدفعها لليمن. ويشير المسؤول بهذا الخصوص إلى المليار دولار الذي استطاع الرئيس صالح الحصول عليه كقروض ميسرة من الصين أثناء زيارته الأخيرة وعدم استفادة الحكومة منها لدرجة أن الفوائد تراكمت لتصبح 6 في المائة تقريبا وهو ما سيرفض البرلمان الموافقة عليه لأن الحد الأدنى من الفوائد المسموح بالتصويت عليها ينبغي أن لا تتجاوز 4 في المائة.وتتعلل بعض دول الخليج في عدم التزامها بالإيفاء بتعهداتها لليمن بحجج كثيرة، لكن أبرزها تلك الحجة التي تقول: إن الحكومات اليمنية عاجزة عن الاستفادة من القروض والمساعدات نتيجة الفساد وتفشي ظاهرة الصراعات الحزبية.
وتؤكد مصادر سياسية أن معظم دول الخليج كانت لا ترغب بدفع مساعدات وقروض لليمن لولا الضغوط التي مارستها واشنطن وعدد من دول الاتحاد الأوروبي التي ترى أهمية إدماج اليمن في المنظومة الخليجية لتحقيق قدر من التوازن السياسي ولتصليب موقف المنظومة الخليجية في وجه ما تعتبره تلك الدول تحديات التوسع الإيراني في المنطقة، وتجفيف ينابيع ما تصفه بالإرهاب.
وينبني هذا التصور على اعتبار أن وجود دولة مثل اليمن محاذية للمنظومة الخليجية تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية تسمح بأن تقوم بدور المزود للعناصر المزعجة للإدارة الأمريكية في المنطقة. ولذلك فقد جاءت المساعدات والقروض الخليجية الميسرة دون المتوقع، فقد كان مطلوبا دفع ثمانية مليارات دولار لكن المبلغ المتعهد بدفعه من الخليج وبعض الصناديق العربية ومن عدد قليل من دول أوروبية لم يكد يصل إلى الأربعة مليارات ونصف المليار دولار.
 
 مؤشرات أولية
وتشير بعض التقارير إلى أن الرئيس صالح يواجه تحداً آخر إلى جانب المطالب الخارجية، ويتعلق الأمر بتنفيذ برنامجه الانتخابي الذي فاز على قاعدته في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر الماضي، هذا التحدي الداخلي أبرز معالمه الوصول بالمواطنين إلى قدر من الاستقرار الاقتصادي وتحقيق الأمن وتوفير بيئة مستقرة للاستثمار من خلال تحجيم نفوذ مراكز القوى في البلاد، وتصحيح أوضاع القضاء والإعلام والاستثمار، وتحسين المستوى المعيشي. والمؤشرات الأولية التي يمكن استخلاصها منذ انقشاع غبار المعركة الانتخابية الرئاسية تبين أن الحكومة الحالية لم تستطع تحقيق الحد الأدنى مما ورد في البرنامج الانتخابي الرئاسي، بل العكس هو الذي حدث، إذ شهدت البلاد ارتفاعا غير مسبوق في أسعار السلع الضرورية، الأمر الذي أثار الاستياء والامتعاض في أوساط المواطنين، واستغلت المعارضة الوضع لتأكيد أطروحتها بعدم جدوى الرهان على حكومة حزب المؤتمر الشعبي الحاكم. وقد تحدى أحد قيادات المعارضة رئيس الجمهورية أن يخفض سعر البيضة، وهو ما أزعج الرئيس وأركان حكمه، وأعلن مصدر مسؤول يومها أن الرئيس ليس مسؤولا عن تخفيض أسعار سلع ترتفع عالميا، لكن سرعان ما عقد الرئيس صالح اجتماعا حكوميا وشدد على أعضاء الحكومة ضرورة تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن، واتخذ الاجتماع جملة قرارات أهمها عودة الأسعار إلى ما قبل سبتمبر قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، وانخفضت أسعار بعض السلع منها سعر البيضة من 25 ريالا إلى 20 ريالا، لكن لهيب الأسعار ظل يحيل معيشة المواطن المحدود الدخل إلى جحيم دائم. إضافة إلى حالة التنافر وعدم الانسجام بين وزارات وأخرى داخل الحكومة الحالية، ومن جهة أخرى، بين هذه الوزارات ورئاسة الوزراء.
 
 الحرب الثالثة
وجاءت الحرب الثالثة في محافظة صعدة لتضيف عبئا جديدا على الحكومة المكدودة التي ما كادت تبسط سيطرتها على الأوضاع العسكرية في مناطق صعدة في فبراير العام الماضي إثر الإعلان عن اتفاق مبادئ بينها وبين مجموعة أنصار عبد الملك الحوثي، حتى تفجرت الحرب الشهر الفائت على إثر حوادث فردية ومحدودة لكنها تسارعت بصورة غير متوقعة كانت حادثة قيام أتباع الحوثي بتهديد سبع أسر يمنية من أتباع الديانة اليهودية المقيمين في منطقة آل سالم بصعدة وطردهم إلى مركز المحافظة تحت ذريعة ارتكابهم أعمالاً غير أخلاقية، القشة التي قصمت ظهر الهدنة الهشة بين الجيش اليمني والمجموعات المسلحة الحوثية، وسرعان ما انفجرت الحرب لتخلف عشرات القتلى ومئات الجرحى وملايين الدولارات كخسائر مادية في مواجهة تتداخل فيها عوامل كثيرة مذهبية وإقليمية وسياسية.
بات الوضع العام في البلاد في ظل التحدي الداخلي المتعاظم والمطالب الخارجية من الجهات المانحة يبحث عن مخرج حقيقي من مأزقه الراهن. ويكاد يجمع المراقبون على أن المخرج الوحيد من هذه الأزمة لن يكون إلا عبر بوابة التغيير الحكومي الذي تشير كل المعلومات إلى أن موعد فتح مصراعيه قد دنى ربما لن يزيد على بضعة أسابيع.