رحلة الحج.. (2-2) كعكة الحج وفلل صنعاء ودول نجحت في إدارة الحجاج - - مصطفى نصر

رحلة الحج.. (2-2) كعكة الحج وفلل صنعاء ودول نجحت في إدارة الحجاج - - مصطفى نصر

يبدو الحاج "العتمي" راضيا بما يعانيه، لأنه يؤدي واجباً دينياً يستحق العناء. ورغم أنه دفع مئات الآلاف لوزارة الاوقاف، إلا أنه يسكن ضمن 29 حاجاً فيما يشبه الهنجر. الحاج العتمي يأكل كسرة خبز وماء، وعلى جانب قريب منه تبث التقارير الاخبارية المتلفزة أن الحاج اليمني في نعيم مقيم وبحبوحة يحسده عليها حجاج العالم.
 
 
جبل البرد!
أوصاف تندُّرية عديدة أطلقها الحجاج اليمنيون على مخيمهم في «منى»؛ إذ كان المخيم في ربوة عالية عجز الكثير وعن الوصول إليها خصوصا كبار السن والنساء، البرد كان قارسا، كما أن الماكولات الجيدة شبه منعدمة، وتحول مخيم اليمنيين إلى سوق حرة، بيعت علبة التونة بعشرة ريالات، ووجد اليمنيون أنفسهم يتذكرون تلقائيا حالة الغلاء التي يعيشونها في اليمن...
وباستثناء وكالة “سمر” للسياحة، وعشاء شهي لوكالة «البراق» للحج والعمرة في إحدى ليالي “منى”، لم تقدم أية جهة سواء الوزارة أم الوكالات، مأكولات للحجاج. عندما سألت أحد أصحاب الوكالات برر ذلك بأن الحاج اليمني لم يدفع مقابل المأكولات.
يعتقد الكثير من الحجاج اليمنيين أن اختيار ذلك المكان في منى بسبب كلفته المنخفضة، الا أن أحد المسؤولين في مؤسسة الطوافة السعودية حاول أن ينفي دفع مبالغ مالية مقابل السكن في منى، وإنما رغبة من قبل وزارة الحج اليمنية. وكشف أن مسؤولين في وزارة الاوقاف طلبوا خلال السنتين الماضيتين ضم حجاج الوكالات من الوادي إلى الجبل الذي يسكنه حجاج وزارة الاوقاف.
نكاية مسؤولي وزارة الاوقاف بوكالات الحج والعمرة جعل جميع الحجاج اليمنيين يسكنون في تلك الربوة العالية، فارتد الضرر على الجميع هذا العام سواء المفوجين عبر الوكالات أو الوزارة، وتحمل الجميع مشاق ذلك الجبل شديد البرودة، رغم أن الصديق نبيل شجاع الدين، مدير مكتب وكيل وزارة الأوقاف حاول مرارا إقناعي أن لهذا الموقع الذي اختاره اليمنيين مزايا كما أن له عيوبا.
الكثير من الحجاج اليمنيون لم يجدوا مأوى في ذلك الصقيع، وكنت أنا وزميلاي علوي وخالد ضحايا تلك الليالي الباردة، الخيام المخصصة لليمنيين مزدحمة، وبعض الحجاج لجأوا إلى شراء خيام خاصة بهم نصبوها ليتقوا البرد، فيما بقي البعض، ومنهم كبار السن، يقاسون قسوة البرد وإهمال الجهات اليمنية المشرفة على الحج.
حاولنا معرفة أسباب تلك المشكلة، البعض قال بأن دخول حجاج من المقيمين في المملكة على حساب الحجاج الذين دخلوا من اليمن هو السبب، والبعض الآخر يتحدث عن بيع بعض الأماكن بمئات الريالات دون الالتفات للحجاج الذي دفعوا جزءاً من قوت يومهم، مقابل خدمة متواضعة يطمحون إليها.
وقد التقيت بأحد مسؤولي مؤسسة الطوافة الخاصة باليمنيين، أيمن عطرجي، فقال: إنه تم توزيع الخيام على عدد الحجاج اليمنيين، وإنه يستغرب ذلك الزحام، بل السطو على بعض الخيام التي كانت مخصصة لغير اليمنيين.
وقال: «تفاجأت بأسماء وكالات لم تكن موجودة عندي ضمن الوكالات التي قدمت لي على أساس أنها فوجت بعض الحجاج»!!
 
تقاسم الكعكة
وأنا أشهد حالة الترقب من قبل أعضاء البعثة وتوزيع الكعكة، تذكرت التقرير البرلماني حول عدم إظهار عائدات الزيادة من الرسوم التي تتسلمها وزارة الأوقاف من الحجاج في موازنتها لعام 2007م.
يخبرني عضو في بعثة الحج الرسمية أن كبار مسؤولي الوزارة استقطبوا ذوي القربى ومن يعرفونهم كل من جهته، فيما يشكو عدد من أعضاء البعثة أن المبالغ المالية التي تحصلوا عليها قليلة جدا.
حالة الخوف تنتاب الموظفين الصغار على مستحقاتهم التي قالوا إنها لم تف بالحد الادني مقابل التعب، فيما بدا كبار الموظفين في حالة من الرضى لأن المبالغ كانت عند المستوى المأمول.
كعكة الحج يستأثر بها القليل، وقد تبدو تلك المبالغ ضئيلة أمام ما يتحصل عليه البعض جراء العمولات في استئجار السكن وغيره.
ويقول أحد الموظفين المتذمرين من تقسيم كعكة الحج: “إنظروا إلى الفلل التي يتم بناؤها عقب انتهاء الموسم، لتعرفوا ما ذا يحدث هنا”. ويؤكد “نحن نصيبنا الفتات».
 
تجارب ناجحة
تجارب الكثير من الدول تشعرك أن جهودا تبذل من أجل الارتقاء بخدمة الحجاج، وقد التقيت برئيس اللجنة التنسيقية لوكالات الحج والعمرة في الاردن، بهجت حمدان، حيث أطلعني على تجربة الاردن في تفويج الحجاج، يقول: «تقوم لجنة مكونة من الوزارة والوكالات بالسفر إلى مكة المكرمة قبل الموسم لاختيار السكن للحجاج، وبناء عليه يتم إقرار تكلفة الحج لكل حاج.
وزارة الاوقاف تختار الحجاج من بين المتقدمين وفقا لمعيار السن، ثم تعطي الحاج حرية إختيار الشركة التي يريد أن يسافر عبرها بعد أن تكون الوزارة قد أقرت الشركات المعتمدة لتفويج الحجاج والمستوفية للضمان».
ولضمان خدمات راقية للحجاج يقول رئيس اللجنة التنسيقية لوكالات الحج والعمرة: يقوم كل حاج بتسديد المبلغ إلى حساب الوزارة، وعند انتهاء الموسم تقيم الوزارة مستوى الخدمات التي قدمت للحجاج فإذا لم تكن هناك مخالفات تسلمت الوكالة أرباحها من الوزارة».
ويمكننا أن نتساءل: هل وزارة الأوقاف اليمنية قادرة على إعادة مبالغ تعويضية للحجاج الذين لم يستفيدوا من أي خدمة وعدوا بها؟ وإذا كانت الوزارة هي من يقوم بتفويج نصف الحجاج اليمنيين! إذا عند من يشتكي الحاج، “ وإذا غريمك القاضي فمن تقاضي”.
أخبرني أحد المسؤولين في الوزارة أن على الوزارة إعادة حوالي 16 مليون ريال لحجاج حضرموت وسيئون لانهم لم يستفيدوا من خدمة التنقل بين المشاعر لانهم يمتلكون باصاتهم الخاصة.
 
سلوك غير حضاري
“على جميع الحجاج عدم أخذ بطانيات الفندق”. تلك لوحة تم تعليقها لتنبيه الحجاج اليمنيين من قبل إحدى الوكالات، تخيل أن الحاج يصرف ما يزيد على 600 الف ريال لكي يؤدي الفريضة ثم لا يتورع عن أخذ بطانية لا تتجاوز قيمتها ثلاثة آلاف ريال، الحاج اليمني عادة متذمر لسبب وبدون سبب، أحدهم جاء مستنكرا بأن اللحمة التي قدمت له ذات يوم تماهت في الرز!
عادة ما كنا نشاهد أسراب الحجاج الماليزيين والاندونيسيين والاتراك معجبين بذلك الانتظام الرائع، هدوء يجبرك على احترامهم، كأنهم تلقوا برامج تثقيفية قبل مجيئهم للحج، وعندما ناقشنا ذلك مع أحد المسؤولين في مؤسسات الطوافة السعودية قال: “إن المملكة تعاني كثيرا من عدم الوعي من قبل الحجاج، إذ عادة ما يأتي الحاج لا يعرف إلا بيته ومزرعته والجامع الذي يصلي فيه”.
ويطالب المسؤول السعودي الدول أن تقوم بإعداد برامج تثقيفية لحجاجها قبل مجيئهم إلى المملكة العربية السعودية.
“ الحج عبادة فيها مشقة. وعلى الحجاج أن يوطنوا أنفسهم على المعاناة، والعجب أن تجد شيخاً، لا يكاد يقوى على المشي جاء يحج بمفرده، وقد لا يعلم حجم ما سيلاقيه”.
أن يجتمع ما يزيد على ثلاثة ملايين حاج في مكان واحد ليس أمرا سهلا، وغالبا ما تسمع الحجاج اليمنيون يثنون على جهود السعودية، يقول أحدهم:” لوكانوا عندنا ما استطعنا أن نسقيهم ماء”.
 
خلاصة
لا تخلو رحلة الحج من عناء يتمنى الحجاج أن يكون جزاؤه مغفرة من الله، ومع ذلك فإن الشعار الذي ترفعه جهات مختلفة “ خدمة الحاج شرف لنا” ما يزال بحاجة إلى تطبيق في الواقع العملي، الوزارة مطالبة بالتخلي عن منافسة القطاع الخاص في تفويج الحجاج، وهي مطالبة أيضا بالرقابة الصارمة على أداء الوكالات التي تقصر في خدمة الحاج، بل وتعويض من يثبت أنه تعرض للضرر من الضمانات التي قدمتها الوكالات لدى الوزارة.
 
لفتة
لا أنسى أن أشيد بالدور الذي قامت به البعثة الطبية برئاسة الدكتور عباس المتوكل، صحيح أن الحاج دفع مقدما المقابل، وأن البعثة اليمنية قصرت في تعريف الحجاج بأماكن تواجدها، الا أن الحجاج الذين زاروا أماكن البعثة الطبية للعلاج، وجدوا الاسعافات الاولية.