صعدة مقبرة النظام

صعدة مقبرة النظام - خالد سلمان

محق رئيس الجمهورية وله تمام الحق في نقد مواقف النُخب تجاه ما يجري في صعدة. ولكنه النقد الخاطئ المرسل في العمق الخاطئ؛ فالنُخب أخطأت في الصمت حيال المجازر البشعة التي ارتكبتها مجنزرات السلطة بحق مدنيي صعدة، وفي عجزها عن فعل شعبي ميداني حقوقي يدين هذه الإبادة الجماعية ويضغط لوقف حمامات دم النظام ضد مواطنيه في سائر محطات الحرب الآثمة، وإحباط تحويل اليمن إلى معاقل للتواجد الاممي للسلفية التكفيرية والعسكرية البعثية.
في المنطق لا توجد خيارات متعددة. إما التقدم أماماًً نحو مصالح الشعب، وإما الوقوف في منطقة رمادية ونقطة وسط تُفسر سيراً إلى الخلف والتحاقاً بآخر ركب للداعمين لهذه البربرية، والوحشية الفظة غير المبررة لآلة قمع النظام. وهو ما تحشر به النُخب عنوة بين شقي رحى بلعبة رئاسية شيطانية، تعمد إلى توجيه ضربة استباقية ضد المعارضة لتكثيفها وابقائها خارج ساحة الفعل المنتج.
وإن نجح مرصد الدكتور محمد المخلافي، سابقاً في رسم لوحة تنز دماً للإعتداءات الحكومية ضد قاطني صعدة، إلا أن هذا الرصد لم تلتقطه آنذاك قوى الفعل السياسي لتراكم وتبني عليه وعياً وطنياً، يرفض اللجوء إلى غمط الناس، حقوقهم السياسية والمدنية وحتى المذهبية، عبر القوة والعنف وإسالة انهار الدم، وتوزيع احكام التخوين وسحب صكوك الوطنية يميناً ويساراً او على امتداد الخارطة.
نعم من حق الرئيس التقاط هذا الارباك السياسي للنخب لعدم التدقيق في مواقفها وعدم المجاهرة العلنية بالإنحياز الكلي لمدينتي صعدة خلال الحروب الماضية. ومن حق النخب بالمقابل وواجبها الاستفاقة السريعة من وهم جدوى تقديم الترضيات للعدوان، وبالتالي النأي بنفسها بعيداً عن هجمات وتخرصات رأس النظام العسكري. فاللاموقف هو في مطلق القراءات موقف داعم لهذه الذهنية الدموية التصفوية.. وهو خسارة مزدوجة للنخب؛ إذ تخسر تعاطف الشارع الوطني، وتخسر في عين الوقت رضا الحكم عن مثل هكذا توجه سياسي مراوح.
تجاربنا مع العربدات السابقة للنظام من حرب 94م الإلحاقية إلى حروب صعدة وكل اليمن، تقطع بأن الصمت يشد من قبضات السلطة، ويصب في مكنتها الحربية المزيد من القوة بمنحها الغطاء السياسي الأخلاقي لسفك المزيد من الدم الحرام.
فالحكم درج على آلية متخلفة، في إدارة البلاد عبر صناعة وتفقيس الأزمات، وبعث بالونات دعائية للضرب والامريكان، نحن جذور إرهاب أصولي في اليمن يهدد ليس النظام وحسب بل وعموم المصالح الغربية.
فتح حنفية الدم في صعدة، وإطلاق شارة البدء لعملية الارض المحروقة، تأتي في سياقات محددة، تقايض فيها السلطة فقدان النظام لورقة المحاكم الصومالية، بتسويق أضاليل وجود الإرهاب المحلي بحاضنة «حكيمية/ إيرانية» في اليمن؛ بحثاً عن «شباش» أمريكي ومساحة ابتزاز ولعب مكشوف بما يؤدي إلى إرجاء استحقاقات تتصل بفساد السلطة ووحشيتها وعدم صلاحيتها في الاشتغال على ملفات تتصل بالأمن والاستقرار الداخلي وفي الجوار.
من الفضاعة أن يرسم حكم الرئيس «صالح»، مناوراته الغبية تلك بدم ضحاياه، أن يشكل مجسم سياسته من اشلاء مواطنيه.
فإن كررت النخب ذات الأداء، إن لم تخرج من حبائل صمتها واستحياء بياناتها، إن لم تتجاوز رجراجية مواقفها السابقة، إن لم تتمايز عن مكنةإعلام الرئيس بمواقف أكثر تحديداً ونضجاً وانحيازاً لناس هذه البلاد؛ فإنها قد تُدفع خطوة أخرى باتجاه الظل الصامت.
على كل ابناء اليمن استشعار حجم الكارثة. على الجميع أن يتحسس حرارة دم اطفال ونساء وشيوخ صعدة. ومن عدن إلى مران، من التهائم إلى قمم جبال كل اليمن: حان الوقت لإعادة الاعتبار لوحدة المعاناة. حان الوقت للتعجيل بإسدال الستار على ترويكة حكم تقتات على استنساخ الحروب، وصناعة الأزمات، وثقافة استمطار المزيد من الدم، المزيد من الجثث.
على الناس أن تتحرك حفاظاَ على خلق بلاد كل ما فيها يتكسر, حتى لا يأتي وقت «نبكي فيه كالنساء.. وطناً لم ندافع يوماً عنه كالرجال».
... لتكن صعدة/ عدن هما المحك، هما بوابة مقبرة فساد النظام.