رحلة الحج.. (1-2) - عناء جبل المعيصم و«طيران اليمنية» وحجاج يمنيون يفترشون صالات الفنادق والحرم! - مصطفى نصر

رحلة الحج.. (1-2) - عناء جبل المعيصم و«طيران اليمنية» وحجاج يمنيون يفترشون صالات الفنادق والحرم! - مصطفى نصر

وأنت تربط إحرامك استعدادا لحج تسأل الله ثوابه، لا تتخيل حجم المعاناة التي ستعيشها مع طيران اليمنية وفي جبل المعيصم الذي اختارته وزارة الأوقاف لحجاج اليمن في منى، ثم افتراش عنابر وصالات الفنادق في مأوى غير لائق، والفرار إلى جوف الحرم من سكن قيل إنه قريب جدا!!
تبدأ رحلتك فتفاجئك "اليمنية" أن الطائرة التي حجزت عليها ملئت، تتخيل أنك أخطأت الوجهة وحجزت في باص سيئ الخدمة، ولا يعدم المسؤولون في المطار حيلة أن يقولوا: “أنتظر إلى غد، ستسافر مع رحلة ستأتي من الهند”، إذا سنقضي ثماني ساعات في صالة الانتظار، وطالت كأنها الدهر!!
شكل تعامل “ اليمنية” مع ركابها صدمة بالنسبة لي، فهي المرة الأولى التي أسافر فيها عبر “اليمنية”. وفي رحلة وحيدة إلى خارج اليمن جوا تعاملت مع الإماراتية فكان الوضع مختلف!!
عندما صعدنا إلى الطائرة كان عدد الركاب الهنود أكثر من المقاعد فأضطر المسئولون لإنزال ركاب ماليزيين كانوا في الترانزيت، وعبر زميلي علوى بن سميط عن سخطه مازحا لإنزال الماليزيين الطيبين! وعرفت لاحقا سر غضبه حيث تبين لي أن لديه أقارب كثر ماليزيين..
أكثر من ست ساعات قضيناها عقب وصولنا إلى مطار جدة، أو بالأحرى مدينة الحجاج، يعتمد السعوديون خطة لنقل الحجاج بأنفسهم إلى مكة، تنفسنا الصعداء عقب سفر مضن، وكان مشهد الكعبة المشرفة الاكثر إبهارا، أجبرنا على تضميد التعب..

حريق فندق اليمنيين!
يوميان فقط، ورن جرس الهاتف: الفندق الذي يقطنه الحجاج اليمنيون احترق. ولسوء الحظ كنت قريبا من الفندق الذي احترق، حيث استطعت مشاهدة الحريق لحظة بلحظة، وشاءت الأقدار أن معظم الحجاج اليمنيين كانوا يؤدون الصلاة في الحرم، وتبدو الجهود السعودية واضحة حيث استخدمت الطيران المروحي لإنقاذ الحجاج العالقين في سطح البناية الضخمة التي يقطنها ما يزيد عن 2500 حاج ممن فوجتهم الوزارة، واستطاعت خلال ساعات قليلة أن تسيطر على الحريق الذي قيل إن سببه تماس كهربائي.
ورغم الحديث عن حالة إغماء تعرض لها وزير الأوقاف في محاولة منه الدخول إلى الفندق، كانت الشكوى كبيرة من قبل الحجاج اليمنيين تجاه عجز البعثة اليمنية عن وضع حلول عاجلة، حتى تدخلت المملكة لنقلهم إلى معسكر للإيواء افتتحه اليمنيون لأول مرة حيث خصص لمواجهة طوارئ الحج!
يقول أحد الحجاج: خسرت ما يزيد عن 1600 ريال سعودي في مواصلات، وأنا أبحث عن المسئولين عن البعثة ليرشدوني إلى مكان المخيم الذي تم نقل اليمنيين إليه.
ويؤكد أنه سمع صفارة إنذار الحريق ليلا وعندما أخبر المشرفين على الحجاج اليمنيين في الفندق، قالوا “إنه ربما يكون ناتجا عن سجارة”. ويتهم الحاج عبدالله عائض المسئولين عن الحج بالإهمال، ويقول: البعثة اليمنية لم تحرك ساكنا سوى وعود من قبل الوزير.
عقب الحريق بأيام وجدنا الكثير من الحجاج اليمنيين يجأرون بالشكوى، يحمل البعض أمتعته ويفترش الارض، بعضهم فقد أقاربه، والبعض الآخر ظل تائها لأيام، ولم تكلف بعثة الحج اليمنية نفسها استئجار باصات وإعداد مرشدين في الفندق لتلافي الكارثة، وتدارك ما أعقبها، كما لم تعوض من تعرضت أمتعته للتلف بسبب الحريق.
وعلمنا حينها أن الأقدار تدخلت لحماية نساء كبار في السن كن نائمات في الغرف أثناء الحريق ولم يعلمن بشئ ولم يصبن بأذي.
ويتبادر إلى الذهن فورا: هل عجزت الوزارة عن استئجار مساكن بديلة للحجاج الذين تعرض مسكنهم للحريق؟ بالتأكيد لم تفعل ذلك رغم أنها لم تدفع المبلغ كاملا لصاحب العمارة، ومن حق الحجاج أن يطالبوا بتعويضهم بإعادة جزء من مبالغهم المسلمة للوزارة.
 
الوزارة التي نسيت نفسها!
الرقابة من قبل وزارة الأوقاف على الوكالات لتوفير مساكن بمواصفات معينة أهمها القرب من الحرم، نجحت في توفير مساكن جيدة للحجاج، إلا أن العجب أن الوزارة نسيت نفسها رغم أنها تفوج نصف الحجاج اليمنيين، ففي حين كانت بعض المساكن قريبة من الحرم، كان البعض الآخر بعيداً جدا، الحاج أحمد على عبد الله، جاء إلى مقر البعثة اليمنية يشكو بمرارة ما يتعرض له اليمنيون من إهانات، كان يسكن في منطقة تسمى “ محبس الجن” ويبعد عن الحرم بمسافة كبيرة، يقول: “حجاج جميع الدول المجاورين لنا يتم نقلهم إلى الحرم باستثناء اليمنيين”.
كل ذلك ناهيك عن الزحام الذي حشر فيه الكثير من الحجاج داخل الغرف، لا تتخيل كيف يستطيع أن ينام الحاج، بل لا يجد مكانا لوضع ثيابه، فضلاً عن الزحام في الحمامات وغيرها.
في أحد الفنادق التي استأجرتها الوزارة “مكة كورال” وضع ما يزيد عن تسعة وعشرين سريراً في القاعة الواحدة، وافترش بعض الحجاج صالات الفندق، وانتقل بعضهم هربا من الغرف إلى تحت السلالم!
ولم تكن معاناة الحجاج الذين تم تفويجهم عبر الوزارة في السكن فقط، فبعض المشرفين كان مشكلة أكثر حضورا، أحد الحجاج قال: آخر عهدي بمشرفي كان عند وصولنا إلى مطار جده، وبعضهم غادر المملكة قبل أن يتأكدوا من عودة الحجاج الذين يشرفون عليهم إلى اليمن، وتركوهم ليواجهوا مصيرا مأساويا مع “ طيران اليمنية”.
الصور شاهدة على الوضع المأساوي، والكلام يفقد معناه أمام دعوة حاج تترقرق دمعته كمدا، وهو يأكل الخبز والماء، يقول: "لا أجد غير الخبز والماء، وقد دفعت لوزارة الأوقاف حوالي 250 ألف ريال تكاليف الحج".
ولم يكن الحاج مجاهد الحاشدي، الوحيد من الحجاج اليمنيين الذين افترشوا الشوارع احتجاجا على إنزالهم في فنادق بعيدة ويقول: “خاصة وأن فنادق قريبة ترفض تسكيننا نظراً لعدم حملنا أي أوراق ثبوتية وهي لدى مسئولي التفويج التابعين للوزارة”.
ولجأ العديد من الحجاج اليمنيين إلى الركون مرارا في الحرم، هربا من النزول في فنادق تبعد مسافات كبيرة عن الحرم، خصوصا كبار السن الذين لم يجدوا حيلة سوى الافتراش رغم محاربة السلطات السعودية لذلك، أسعار التنقل كانت عالية جدا، هناك حالة من الهوس تنتاب سائقي سيارات الاجرة في مكة المكرمة، سواء المقيمون من جنسيات أخرى أم السعوديون، الكل يريد إبتزاز الحاج على طريقته، البعض يبرر ذلك بالزحام الكبير الذي يعطل الحركة المرورية، ويرى البعض الآخر أنه موسم يستغله أصحاب السيارات للإثراء، حيث ترتفع زيادة الاجرة بصورة خيالية، فما قيمته في الايام العادية ريال سعودي يصل إلى 15 ريال أيام الحج، وبالتأكيد فإن الجهات الرسمية السعودية منشغلة بمهام صعبة لخدمة الحجاج دون أن تدري بحجم الابتزاز الذي يتعرض له الحجاج، والاسوأ منه ما تقوم به مؤسسات الطوافة حيث تتخصص كل مؤسسة منها بدول معينة وتحتجز جوازات سفرهم خوفا من تخلفهم عقب الحج.
أما مشكلة الباصات، فلم يسلم منها أحد، ورغم أن بعض الوكالات توجه سهامها تجاه البعثة اليمنية على اعتبار أنها تدفع أجرة الباصات قبل أشهر، فإن مصادر في البعثة اليمنية تؤكد أن المشكلة تعود إلى الجهات السعودية التي أخلفت الوعد في تمكين البعثة اليمنية من جميع الباصات التي وعدوا بها. ويظل الامر غير مؤكد بالنسبة لنا، هل حدث تلاعب أم لا!؟
 
صدارة المسيئين!
في الحقيقة "طيران اليمنية" احتل الصدارة في الإساءة إلى الحجاج اليمنيين، إسألوا من عاد عبرها لتعرفوا حج المرارة، أنا وبمعيتي الزميلين “علوى بن سميط من الايام، وخالد القارني من «26سبتمبر»، كنا عالقين كغيرنا من الحجاج اليمنيين، نأتي لأكثر من مرة ونجد المكتب المؤقت لليمنية قد أغلقت أبوابه، فيما جوازات السفر محجوزة لدى المطوف السعودي بانتظار تأكيد العودة من قبل اليمنية، ولولا تدخل وكالة “سمر” للسفريات والسياحة لانقاذنا من الورطة لكنا ربما ضمن المرحلين من المملكة، كالآلاف من اليمنيين الذي يعودون يوميا من يطلق عليهم بال“المتخلفين “ ليس عقليا طبعا!!!
الحاج راجح معصار، خانته وعود اليمنية، حيث كتب في تذكرته أن رحلته السابعة مساء، وعندما جاء في موعده فوجئ أن الطائرة انطلقت صباحا.
شعرت بأقسى اللحظات وأنا أرى الدمع يترقرق في عيني الحاج حسين على الاهجري، كان واقفا على عكازه عند مكتب اليمنية المؤقت في مكة، قال: “يختارون من يريدون، ونحن لا نمتلك واسطة”.
وأخبرني بعض الحجاج أنه يتم إدخال حجاج يمنيين من مطار جدة دون حجز مقابل مبالغ مالية، وأجبر البعض على الدفع لمقاعد الدرجة الأولى لكي يعودوا لليمن في أقرب، ممكنة.
وزير الأوقاف بدا مستاء من تعامل اليمنية مع الحجاج، وأخبرني أنه أبلغ رئيس مجلس إدارة اليمنية، ورئيس الوزراء بما يتعرض له الحجاج.
أما ما يطلق عليه بالمطوف الذي سلمت له جوازات سفرنا منذ أن وصلنا حتى وصلنا مطار جدة عائدين، فقصة مأساوية أخرى، يتحدث بازدراء عن الحجاج، وأكثر ما استفزنا ما يطلقه عليهم من أوصاف “الترحيل” أثناء النقل إلى المطار، وبعد أن تكون قد ضاقت أنفاسك خوفا من عدم لحاق الطائرة يسلمك لمؤسسة النقل، التي تطلب منك مائتي ريال سعودي، رغم أن المشوار لا يكلف أكثر من خمسين ريالاً، فتدفعها مجبرا، وتخرج من مكة ساخطا على أهلها، وعلى المطوف، والكلام العربي المكسر الذي أثر حتى على لغة سكانها الأصليين.