محمد مفتاح يقدم رؤية في معالجة قضايا المخدرات

محمد مفتاح يقدم رؤية في معالجة قضايا المخدرات

هل يمكن للأخ رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس المحكمة العليا وأعضاء المجلس، وفي مقدمتهم النائب العام، وكذلك الهيئات المختصة بتعديل القوانين، إعادة النظر في قانون عقوبة المخدرات (وعقوبة الحشيش بالذات)، للأسباب التالية:
أولاً: لأن الله تعالى عندما شرع الحدود كعقوبات جعل إيقاعها مرتباً على خطوات مشددة بحيث لا تقام على شخص إلا عندما يكون متورطاً بكل وضوح في القضية التي يقام عليه الحد من أجلها، وكما تعلمون فإن أشد حد من حدود الله هو حد الزاني الثيب، ذكراً كان أم انثى. وقد جعلت السنة النبوية الطريق لإثباته إقراره بلا تراجع، او شهادة اربعة رجال عدول محققي العدالة برؤية محققة للمشهود عليهما وهما يمارسان الزنا وقد رأوا عضويهما كرؤية الميل في المكحلة!! أليس في ذلك تجنيباً للناس من هذه العقوبة الشديدة وإتاحة للفرصة أمامهم للتوبة بينهم وبين ربهم؟ وفي ذلك حماية لأعراضهم أيضاً، فكذلك يجب ان يكون الشأن في عقوبة المخدرات التي هي في شدتها مثل أعلى الحدود وأشدها.
ثانياً: هذه العقوبة اجتهادية تقديرية لا نص فيها من الكتاب والسنة وإنما تقليد لبعض القوانين المشرعة من قبل البشر، ونحن أهل اليمن أهل الفقه والإيمان والحكمة، بنص حديث خاتم الانبياء صلوات الله عليه وعلى آله، ولا أرى من الحكمة رمي اعداد من الناس في السجون لسنين طويلة تصل إلى خمس وعشرين سنة كما هو منصوص عليه في القانون، فماذا يصنع الواحد منهم بباقي عمره إن بقي له عمر ولم يمت في السجن؟!
ثالثاً: القضاء على المخدرات وتجنيب المجتمع آثارها المدمرة، لا يتأتى بالعقوبات البالغة الشدة بمفردها، وإنما هناك منظومة متكاملة تربوية إعلامية اجتماعية اقتصادية أمنية سياحية صحية... تعمل على ذلك، وهي الأهم من عقوبة السجن.
رابعاً: مادة «حشيشة القنب الهندي» منتشرة في بلادنا ولن يخفى على الجهات المختصة مواضع زراعتها ومحلات بيعها لو أنها أرادت ذلك وعملت من أجله وزجرت من يمارسه ولكان ذلك أنفع وأهون وأخف من إنزال العقوبات البالغة الشدة بمن جرتهم الصدف إلى أيدي السلطات ولم يعرفوا كيف يخلصو أنفسهم كما يفعل أهل الخبرة والممارسة في هذا المجال من إغداق الأموال على من يخلصهم ويتستر عليهم.
خامساً: سأنقلكم إلى الواقع، وأرجو أن تأخذوا المسألة بعين الاعتبار وتعتبروا كلامي عوناً لكم لرفع المعاناة عن كاهل بشر مدفوعين في السجن يلاقون أشد المعاناة، وهم كالتالي:
1 - عدة اثيوبيين منهم شخصان حكم عليهما بالسجن خمسة وعشرين عاماً كما أتذكر، وقد قضيا منها أحد عشر عاماً في قطيعة كاملة عن أهليهما الذين لا يعلمون إن كانا على قيد الحياة أم لا؟ ولا يعلمون أين هما، كما أنهما لا يعلمان عن أهليهما شيئاً، وهما الآن في مركزي صنعاء يقضيان هذه العقوبة الطويلة ويعانيان الغربة والفاقة، وحالتهما النفسية متدهورة، وقد رأيت أحدهما مرة في مكتب نيابة السجن وهو يهدد بحرق نفسه.
2 - رجلان كبيران في السن من أهل صنعاء القديمة احدهما لم يبق في فمه ولا حتى كسرة سن او ضرس، فقير، متربة، اعلن أمام محكمة استئناف الأمانة رغبته الصادقة في الإقلاع والتوبة عن تعاطي الحشيش، والتزام المسجد، فكان الرد عليه، حسب ما نشرته صحيفة «أخبار اليوم»، بأن يلتزم مسجد السجن، وقد حكم عليه بالسجن خمس سنوات قضى منها حوالي سنتين ونصف.
3 - أخوان شقيقان من مديرية الحيمة الخارجية حكم عليهما مع شخص ثالث بالسجن خمسة وعشرين عاماً كما هو منصوص عليه في القانون، ثم خفف عنهم في الاستئناف إلى خمس عشرة سنة، وقد قضوا ثلاث سنوات، واسرهم تعاني الفاقة الشديدة، خاصة أسرتيْ الاخوين الشقيقين لانه لا عائل ولا مساند لزوجتيهما واطفالهما بعد الله سواهما، وليس لهما دخل ولا وظيفة وهما نادمان وراغبان في توبة صادقة ولديهما منتهى الرغبة ليكونا مواطنين صالحين يوفران جهدهما وحياتهما لإعالة الاطفال ورعايتهم وقد اصبح مصيرهم ومصير عائلاتهم بايديكم وقد حملوني امانة إبلاغ رسالتهم وإليكم وهي: «ارحموا تُرحموا».
أخيراً: فإن ملابسات ضبط أغلب قضايا الحشيش المحكوم عليها، فيها ما فيها من استدراج المتهم ومخاتلته للحصول على اقراره، واحياناً يكون الاقرار تحت الضغط الشديد الذي منه الضرب. وأياً كانت الملابسات فإن عقوبة السجن خمس سنوات للمتعاطي المضبوط لأول مرة هي عقوبة كبيرة وكافية، وعقوبة السجن ثمان سنوات لمروج الحشيش المضبوط لأول مرة هي عقوبة مناسبة ورادعة، وينبغي ان تكون هناك حوافز ترغب المتورطين في قضايا المخدرات في الإقلاع والتوبة، كأن يكتفى بتنفيذ قدر من العقوبة لمن ظهرت توبته وحسن مسلكه مع اخذ التعهدات عليه والضمانات المؤكدة والقوية وإلزامه مثلاً باجراء فحص طبي سنوي او نصف سنوي إن كان من المتهمين بالإدمان، وإلزامه بإحضار شهادة حسن سيرة وسلوك مع تزكية سنوية من عقال وأعيان مديريته او حارته إن كان من المتهمين بالاتجار والترويج، كما انه يلزم توعية تجار الادوية واصحاب الصيدليات والعيادات بمخاطر بيع الادوية التي فيها مخدرات كالمنبهات والمهدئات وغيرها إلا بوصفة طبية موثوقة لأن اكثر المدمنين يحصلون على حاجتهم من الصيدليات ومن خلال الادوية المصرح بها والمعروضة فيها. كما يجب على وزارة الصحة ان تقوم بإنشاء مصحة متخصصة لمعالجة المدمنين، ويقوم الإعلام بواجبه في تبصير وتوعية المجتمع والمدمنين وعائلاتهم على وجه الخصوص لما يتوجب عليهم ان يفعلوه ليتخلصوا من هذه الآفة.
والله من وراء القصد!