وصل البرميل منها إلى (3000) ريال: الزيوت العادمة.. سلعة اقتصادية رغم مخاطرها!

وصل البرميل منها إلى (3000) ريال: الزيوت العادمة.. سلعة اقتصادية رغم مخاطرها!

- بشرى العنسي
لم يستطع أحد من الزائرين أن يخفي علامات الإندهاش والإستغراب الممزوجة بالغضب والحزن معاً ساعة دخولهم أحد معامل إعادة تكرير الزيوت بمدينة عدن. منظر العمال حفاة الأقدام ومكسوين بالسواد في مكان خطر كهذا، الذي رأوه، جعل الجميع يصف الوضع بالمأساة والكارثة.
لمكان كان من المفترض ان يكون موقعاً لتنقية الزيوت العادمة لإعادة استخدامها وللحفاظ على البيئة، فتحول إلى مأساة حقيقية لعمال يبحثون عن لقمة العيش وسط سموم قد توصلهم إلى طريق اللاعودة.
بعد عدة محاولات على بوابة المعمل استطعت ان أمنع نفسي من التقيؤ، واضعةً كل ما أمكن على أنفي لأقلل من حدة تلك الرائحة الكريهة والخانقة ولأتمكن باللحاق بمن سبقني من المجموعة إلى هناك.
في حين أن الدكتور باسل اليوسفي، نائب مدير المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لدول غرب آسيا لم يتمكن من مواصلة الزيارة واضطر للخروج واصفاً الوضع بغير الآمن.
وأضاف بعد ذلك: «شعرت بنوع من الحزن للوضع البيئي والصحي السيء ا لذي يتعرض له العمال، فالمواد العطرية المتطايرة ونتيجة لتدهور الضوابط الصحية والبيئية في الموقع (المعمل) ذلك يجعلها تتطاير إلى المحيط، خصوصاً أنه لا توجد تهوية جيدة كما لاحظنا، فتراكم تلك المواد العطرية في بيئة العمل وتعرض العمال لها يسبب لهم الأمراض السرطانية، خصوصاً أن معظمها مواد مسرطنة».
كما أعتبر الدكتور مرتضى العارف، مدير المركز الإقليمي لاتفاقية بازل، المكان بأنه موقع ملوث للبيئة وغير آمن. وأبدى استياءه من وضع العمال غير الصحي خصوصاً أنهم يفتقرون إلى أبسط مقومات السلامة والوقاية المتمثلة بأحذية طويلة وكمامات، إضافة إلى ملابس عازلة لتمنع وصول الزيوت إلى أجسام العمال.
أحد العمال المتقدمين في السن وبعينيه الحمراويين أجاب عن تساؤل «النداء» عن تلك المستلزمات بقوله: «مدير المعمل جاب الأشياء من قبل وانتهت والآن نشتي جديد». ثم أضاف باستعطاف تكلموا بالنيابة عنا مع المدير تعرفوا إن هذه الأماكن العمل فيها خطر علينا.
وعن الفحوصات اكد العمال بأنهم لا يخضعون لأي فحوصات دورية للتأكد من صحتهم. رغم أننا لم نستطع تحمل الوضع لدقائق فكيف بأولئك العمال الذين يمكثون لساعات طويلة في ذلك المكان!!!
إضافة إلى (14) طاقم يمني، يعمل هناك خمسة باكستانيين لم ينطقوا بأي كلمة ولم يُبدوا أي ردة فعل سوى الوقوف والإستماع بملابس لم تعد تميز إن كانت بيضاء من قبل كأن شيئاً بالنسبة لهم أفضل من لا شيء.
 
وضع الزيوت العادمة في اليمن
إلى جانب المعمل الذي تم زيارته في عدن هناك معمل آخر لإعادة تكرير الزيوت إضافة إلى معمل في المكلا ومعمل، طور الإنشاء، في صنعاء وكلها معامل تتبع القطاع الخاص. ويتم حالياً إعداد دراسة لإنشاء مصنع لنفس الغرض بعدن، يتبع المؤسسة الاقتصادية اليمنية.
وذلك في توجه للإستفادة من الزيوت العادمة اقتصادياً حيث يصل البرميل منه إلى (3000) ريال بعد أن كان بالمجان وتحول إلى سلعة اقتصادية خصوصاً بعد ان ارتفع سعر الديزل من (3500) إلى (7000) ريال.
وحسب المهندس علي الذبحاني، مدير وحدة السموم والنفايات الخطرة في الهيئة العامة لحماية البيئة، فإن أسعار تلك الزيوت في تنافس شديد وخاصة في الأمانة وتؤخذ تلك الزيوت إما لإعادة تكريرها، أو لإعادة استخدامها بدلاً عن الديزل كوقود، او تُصدر إلى الخارج، كما تستخدم تلك الزيوت في محارق أفران الخبز والحلويات ومعامل الزجاج وغيرها من الإستخدامات الأخرى.
وبحسب إحصائية 2005، فإن كمية إنتاج الزيوت العادمة بالأمانة خلال تلك الفترة كان يصل إلى (400) طن شهرياً -(4800) طن سنوياً- ويتم تجميعها من (1800) نقطة فتشمل هذه النقاط (600) محل تغيير الزيوت، أما النقاط الباقية والتي تشمل (1200) نقطة تشمل المصانع الحكومية والخاصة، محطات الكهرباء، محولات ومولدات المواصلات، والقوات المسلحة والأمن وغيرها.
ووفقاً للاحصائية السابقة فقد تركزت أعداد محلات تغيير الزيوت بأمانة العاصمة في مديرية السبعين (74) محلاً، تلتها مديرية بني الحارث ويرجع السبب في ذلك لانتشار المعدات الثقيلة فيها، في حين جاءت مديرية التحرير الأقل عدداً لهذه المحلات.
ويعتبر شهر رمضان أقل الأشهر التي يتم فيها تغيير الزيوت حتى شهر (ذو القعدة) أما بقية أشهر السنة فتشهد كثافة عالية في تغيير الزيوت.
وأشارت الاحصائية كذلك إلى أن الأمانة تستهلك نسبة 20٪_ من الكميات المستوردة من الزيوت.
 
مخاطر النفط والغاز
إستخراج النفط والغاز ومن ثم استخدامها في التكنولوجيا فاتورة يدفع العالم ثمنها من صحته وبيئته، فلا أحد يجهل المخاطر التي تسببها على الإنسان والبيئة، ومن أخطرها النفايات المشعة التي تنحدر في صناعة النفط والغاز من السلاسل الإشعاعية الطبيعية الموجودة في السحنات الجيولوجية العاملة للنفط والغاز، بحسب الدكتور محمد غفر، من المعهد العالي لبحوث البيئة بجامعة تشرين - سوريا الذي أوضح لـ«النداء» بأنه ونتيجة لالتماس بين تلك الشحنات والماء ينتقل قسم من عنصر الراديوم المشع (الراديوم 226، والرادوم 228) إلى المياه المرافقة لصناعة النفط والغاز ضمن الممارسات السابقة، ثم قذف هذه المياه المنتجة إلى البيئة مباشرة مما يحدث تلوث اشعاعي وبالتالي فإن هذه النفايات الخطرة تنتقل إلى المحيط اليابس ومن ثم إلى المحيط الحيوي ملحقة أضراراً مؤكدة على الإنسان والبيئة.
وأضاف «غفر» أن أنواع الأشعة الثلاثة: إشعات ألفا «نواة ذرة الهليوم»، إشعاع جاما (أشعة كهراطيسية ذات طاقة عالية)، إشعاع بيتا، إذا ما تجاوزت الكمية التي يتعرض لها الجسم الجرعة المسموح بها فإن ذلك إما أن يقتل الخلايا الحية مباشرة أو يؤدي إلى ما يسمى بالآثار التحويرية أي تحوير في عمل الخلية وبالتالي تكاثرهاتكاثراً سرطانياً.
أما فيما يتعلق بالبيئة فإن الأراضي أو المياه الملوثة بهذه النفايات المشعة تخرج عن الاستثمار لمدة تزيد عن مائة سنة على الأقل. فعلى سبيل المثال، زراعة الأراضي الملوثة بالإشعاع سيؤدي إلى تلوث المحاصيل الزراعية أيضاً منتقلة بذلك إلى الإنسان مرة ثانية. كما أن تلوث المياه بهذه المواد المشعة سيعيد سميتها ثانية إلى الانسان خاصة وأن أغلب مياه الشرب في الوطن العربي هي من «صادر جوفية يصلها التلوث إما من تلوث الأراضي أو من تلوث المياه السطحية».
ودعا الخبير السوري كل الشركات المنتجة للنفط والغاز «ان تلتزم باجراءات السيطرة على النفايات الإشعاعية الخطرة للحفاظ على صحة الإنسان وبيئته».
لكن المشكلة لا تكمن فقط في انتاج النفط والغاز وانتشار منشآت تكرير البترول وانتاج الزيوت، ولكن تتعداها أيضاً إلى كميات الزيوت العادمة (معدنية، نباتية) والناجمة عن الأنشطة المختلفة والمتعددة والتي يتم التخلص منها بطريقة غير سليمة وغير صحية مضيفة ضرراً آخر على الإنسان والبيئة ومن هنا جاءت الحاجة لإيجاد نظام متكامل وإدارة سليمة لتلك الزيوت المستخدمة ومخلفات قطاع النفط والغاز.
 
خطوط الإدارة السليمة للزيوت العادمة
كانت أول المساعي التي اتخذتها اليمن للتخلص من النفايات الخطرية هي التوقيع على اتفاقية بازل الدولية بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرةوالتخص منها عبر الحدود التي صنفت، ثم قامت الهيئة العامة لحماية البيئة، ممثلة بوحدة السموم والنفايات الخطرة، نقطةاتفاقية بازل الدولية -بإعداد الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للمخلفات الخطرة وتطبيق اتفاقية بازل في اليمن والتي نوقشت مع كافة الجهات ذات العلاقة، ومن ثم أقرت من قبل مجلس الوزراء في يناير 2005م، وحددت الاستراتيجية سبل الإدارة الآمنة للتعامل والتخلص من الزيوت العادمة؛ ثم جاءت الورشة التي اقيمت في عدن الأسبوع الماضي حول الإدارة السليمة للزيوت العادمة ومخلفات قطاع النفط والغاز والتي نظمتها الهيئة العامة لحمايةا لبيئة ممثلة بوحدة السموم والنفايات الخطرة بالتعاون والتنسيق المشترك مع المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لغرب آسيا بالبحرين والمركز الإقليمي لاتفاقية بازل للتدريب ونقل التكنولوجيا للدول العربية بجمهورية مصر وبمشاركة عدد من الدول العربية ومنها اليمن.
تقررت الورشة منذ أربع سنوات -حسب مدير المركز الإقليمي لاتفاقية بازل، وذلك بعد أن عرض مندوب اليمن الأوضاع السيئة للزيوت والبترول وأشار الدكتور مرتضى في حديثه لـ«النداء» بأن الكل قد اجمع على أن هناك أبعاداً كثيرة للموضوع أكثر من مجرد نقل تكنولوجيا وهو الوعي البيئي العام على مستوى الجماهير والفنيين والإداريين ومتخذي القرار.
وأوضح «مرتضى» بأن المشكلة تكمن أيضاً في عدم وجود معرفة أو حصر لكميات تلك الزيوت في الوطن العربي بشكل عام: «نعرف الكثير عن نوعية المشكلة، لكننا لا نعرف عن كم المشكلة»، لذلك كانت من ضمن التوصيات التي خرج بها المشاركون في الورشة هي ضرورة ايجاد دليل إرشادي للزيو العادمة، وكذلك عمل مسح وجمع للبيانات لمعرفة كميتها وأماكنها وكيفية التعامل معها. وسيتم حالياً مد يد العون لليمن لعمل مشروع صغير في المسوح الميدانية لدورة حياة الزيوت المرتجعة.
كما اعتبر الدكتور باسل اليوسفي أن إعادة استخدام الزيوت العادمة يجب أن تكون متكاملة حيث لا يمكن الفصل بين الناحية الاقتصادية والبيئية (إدارة مستدامة) وأوضح اليوسفي بأن إدماج مفهوم الاقتصاد البيئي في صنع القرار أمر نحتاجه في الوطن العربي. وعن التشريعات والقوانين البيئية أوضح اليوسفي لـ«النداء» بأن هناك تشريعات وقوانين بيئية كثيرة إلا أن هناك قصوراً في إنفاذ وتطبيق هذه القوانين في جميع الدول العربية.
وأضاف: «نحن نسعى إلى تدريب جهات القانون والجهات القضائية وأنا لا أدعو إلى العقوبات فقط وانما الموازنة بين العقوبات والحوافز لممارسات صديقة للبيئة وبالتالي تطبيق هذه القوانين».
الورشة التي استمرت ثلاثة أيام تخللتها زيارة لمصفاة عدن وميناء عدن وكذلك معمل لإعادة تدوير الزيوت، كما طرحت في الورشة تجارب بعض الدول العربية في إعادة استخدام الزيوت العادمة، والتي اتضح من خلالها بأن جميع الدول العربية تعاني من نقص في التشريعات الخاصة بالزيوت العادمة، وكذلك نقص في المعلومات عن كمية تلك الزيوت إضافة إلى الإدارة السيئة لها.
boshrasalehaliMail