الاهتمام بالمحافظات، إدارة المناقصات، مكافحة الفساد، مؤتمر لندن.. اليمن الجديد في مواجهة الإحباط السياسي

الاهتمام بالمحافظات، إدارة المناقصات، مكافحة الفساد، مؤتمر لندن.. اليمن الجديد في مواجهة الإحباط السياسي - نبيل الصوفي

اتصل بي الزميل ناصر الربيعي يسألني عن سبب عدم الاهتمام بالجدل البرلماني بشأن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. سؤاله كان قطرة ماء باردة وسط جو مشحون بالاهتمامات.
أحسب أن "نيوزيمن" الموقع الذي أعمل فيه تابع تفاصيل القضية. صحيح أن محرره البرلماني غاب وسط أهم مرحلة من مراحل النقاش في دورة عدنية لمركز المعلومات، ولكنه المصدر الإعلامي الوحيد الذي نشر تفاصيل القانون كمشروع قدم للبرلمان وهو يحاول أن لايغيب عن قارئه يوميات الجدل البرلماني وإن كان باختصار.
غير أن الربيعي –وهو الصديق الذي لطالما أفادني رأيه في قضايا كثيرة في الاختلاف قبل الاتفاق- لم يكن يسألني عن الأخبار بل عن النقاش العام.
وأجدها فرصة للتعبير عن الحنق من حالة الإحباط السياسي التي تلف العمل السياسي في بلادنا.
باعتقادي أنه لو كان ثمة تحالف حاكم –وليس تفردا مؤتمريا- لكان نقاش مثل هذه القضايا الأكثر أهمية، يتصدر وسائل الإعلام، ولكنا كصحفيين غير معنيين بالتعبئة الحزبية لا نجد ما يغري على النقاش. والمقصود بشكل مباشر أن المعارضة ستعلن مواقفها هكذا "خبط عشواء" تكمل بها التصريحات التي قالتها عشية اختلافها الأول مع الحكم والحاكم. ستقول أنه لا ولم.. حتى دون أن تكون قد قرأت مشروع القانون فضلا عن أن تكون درسته أو ناقشته بشكل جمعي.
أرجو الانتظار فأنا لا أدين المعارضة هنا، بل أشير إلى ما هو أهم من الإدانة، وهو حالة الإحباط السياسي التي تفرزها نتائج أي انتخابات حين تقصي الآخر كليا وبما هو أكثر من الأغلبية المنطقية؛ الحديث يتجه نحو برلمانيات 2003 ومحليات 2006م بغض النظر عن المتسبب في صناعة تلك النتيجة. والأمل يتوجه نحو قرار رئاسي باتجاه لجم انتخابات 2009 من أن تهيل التراب كليا على العمل السياسي في اليمن.

مؤتمر لندن.. صورة من قريب
سأضلل القارئ لو قلت شيئا عن تفاصيل من جلسات مؤتمر المانحين. ولو فعلت، أنا أو أي من أعضاء الوفد الصحفي الذي نقلتنا الدولة من صنعاء إلى لندن، برسم "تغطية مؤتمر المانحين"، وأنفقت علينا مبالغ مالية –صحيح هي أقل من قيمة سيارة صالون لشيخ أو متنفذ حد تعبير أحدنا المرحب بالسفرية ولو بدون مهنة- لكنها في النهاية مؤشر على ارتباكنا حيث ننفق ثم لانستثمر هذا الإنفاق فيما هو محدد له.
أقول لو كتبنا عن المؤتمر ويومياته، لما فعلنا غير المساهمة في تضليل القارئ أسوة بالذين خطبوا وأكدوا وصرحوا متحدثين عن فشل "مؤتمر لندن" وهم في مقايلهم على بعد آلاف الكيلوهات، مكتفين بالأمس دليلا عن أن الغد سيكون أسوأ. ومع أن القارئ يعتبرهم مصادر إلهام وحق لايأتيه الباطل من بين يديه، فإن بعضهم هم –في الحقيقية، وبعض الحق مغضب- لم يبذلوا مثقال ذرة من جهد لمعرفة حقيقة المؤتمر وما قبله من جهود بين صنعاء وعواصم البلدان المعنية، وما أثناؤه. لم يسألوا الأطراف المعنية، وهم عدة. بينهم اتفاق واختلاف كبير. منهم المحلي ومنهم الأطراف الخارجية، وجميعها يمكن أن يوفروا للمعارضة أرضية معرفة تفصيلية عن أهداف وبرنامج المؤتمر.
أعود للندن، لأقول للقارئ حقا آخر- وبعض الحق مغضب أيضا- أننا –معشر الصحفيين- تركنا في فندق في قلب لندن، وليس فقط سحب عنا باص كانت السفارة هناك خصصته لنقلنا إلى المؤتمر، بل إنه لم تسلم لنا ولا ورقة واحدة من أوراق المؤتمر. وبدا أن صاحب الدعوة وهو الرئيس شخصيا، قد نسي في غمرة الانشغال بتفاصيل المؤتمر والزيارة التي هي الأولى له منذ الانتخابات الأهم في تاريخنا السياسي، أن له ضيوفا دعاهم، "ضيوف الرئيس" هي العبارة التي سمعتها كثيرا لتسهيل مهمة مرورنا بين الحرس الرئاسي كلما رافقنا الرئيس، وطالما وقد انشغل الرئيس فإن الحقيقة تتجلى، فالصحافة أو الإعلام عموما وأي مهنة ليس لها أصدقاء حقيقيون داخل المؤسسة الرسمية. ولذا فإنك ستجد أن أي جهة حكومية–هي هنا وزارة التخطيط التي بذلت جهدا تستحق الإشادة به وشكرها عليه- فإن الإعلام بالنسبة لها ليس سوى "بدلـ" نقدي يوضع بين يدي "عدد" من صحفيين وإعلاميين، لايقدمون شيئا للقارئ، ليس لأنهم بلا كفاءة، ولكن لأن هذا "البدلـ" لايتيح أي تغطية فعالة حقيقية، فالتغطية تحتاج معلومات وقبله احترام لوظيفة الإعلام، ومن ورائه الجمهور، وليس "بدل حضور" ندوة في صنعاء أو في لندن. وهذا مالاتجده في بال هؤلاء المنظمين، للأسف الشديد. (وسأكتفي هنا بالتحسر أننا نتحدث وكأن لا وزارة اسمها وزارة الإعلام).
غير أن دقائق المؤتمر الصحفي، وبالذات كلمة الرئيس علي عبدالله صالح –وهي التي دفعتني لكتابة هذا- إضافة لاهتمام شخصي بالمؤتمر منذ اللحظة الأولى للإعلان عن التحضير يمكنني من أن أقول للقارئ، أن المقر السابق لإدارة المستعمرات البريطانية "لانكستر هاوس" استضاف ساعات من النقاش الجاد والحقيقي بين كل الأطراف اليمنية. وأن حضور صالح على رئاسة فريق وزارة التخطيط أعط دفعة كبيرة إن على مستوى استعداد الحكومة اليمنية أو لتفاعل المجتمع الدولي لمزيد من الاهتمام باليمن. وبالنظر إلى كمية المعلومات المعتبرة التي تضمنتها بيانات الأطراف المختلفة (الحكومة اليمنية، البنك الدولي، الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، وأطراف أخرى)، فإنني لن أتحدث عن الأرقام المنجزة وهي أرقام كانت متوقعة. (أذكر هنا بفكرة جميلة للزميل مصطفى راجح، مفادها أن الأهم من البحث عن الحزاوي والمعلومات السرية قراءة ما يعلن، هو كان يتحدث عن علاقة الشيخ عبدالله بالرئيس قبل الانتخابات بقرابة نصف العام) والأمر مبدأ عام يمكن الانتفاع به كثيرا.
إن المجتمع الدولي –وجيران اليمن للمرة الأولى معهم- وعبر التحضير المؤتمر، أدركوا أن إدارة الرئيس علي عبدالله صالح منفتحة على مايتفق عليه بأنه مصلحة يمنية. وأنه يناقش القضايا التفصيلية بروح مقدرة للحليف الجديد، وهو هنا صوت الناخب الذي أكد صالح أكثر من مرة أنه "ممتن له".
هذا المجتمع الدولي وعلى رأسه الخليجي، صحيح لايهمه هذه الروح من الرئيس صالح، الذي يهمه هو أن تتحول إلى مشروع عمل ميداني تفصيلي صغير، يكون فيه المجتمع الدولي شريكا لليمنيين لتحسين ظروفهم، وأنه بكون الخليج على رأس المؤتمر فإن الطريق على من يتحدث عن الغرب الاستعماري قد تم قطعه.
الأمر الآخر المهم أيضا، إن مجمل ماتقوله الوثائق الدولية التي قدمت للمؤتمر، وبخاصة وثيقة البنك الدولي. إن اليمن أمام تحديات. لم يتحدث أحد –باستثناء الإعلام الرسمي- عن "الفرص"، ولو راجعنا حتى خطابات المسؤولين اليمنيين –أخص علي عبدالله صالح، وعبدالكريم الأرحبي في لندن الذي كان على الهواء مباشرة- لوجدنا إدراكاً لذلك. وهذا أكثر أهمية من السابق. لقد أعادت الانتخابات الدولة اليمنية إلى قضايا مواطنيها، وهذا هو من سيحقق "يمن جديد" حقيقياً وفعلياً لو وصل الأمر إلى منتهاه كما هو الآن.
وباستثناء الإعلام الذي قال الرسمي منه أن المؤتمر "كان غاية الأملـ"، فيما قال المعارض أنه "منيل بستين نيلة"، فإن الجميع بما فيهم قادة المعارضة كانوا حصيفين في التعاطي مع المؤتمر، وهذا الأمر بالنسبة لي يرفع درجة التفاؤل الحذر بالطبع.
 
صالح.. الديمقراطية والعلاقات الدولية كمورد
لقد سمعنا جميعا كلمة الرئيس علي عبدالله صالح في ختام المؤتمر، والتي تضيف –بالنسبة لي على الأقل- تأكيدات مهمة أنه يسعى بكل جد لمنع أجواء ما قبل الانتخابات من العودة إلى سماء اليمن.
وأول المقتضيات أنها المرة الأولى التي يؤكد علي عبدالله صالح أنه خرج –أخيرا- من مقتضيات "القانون اليمني" الحاكم لعلاقة هذه البلاد بدول الجوار.
إنني أحتفظ بأهم نقد للزيارات المتكررة لصالح للخارج، وهو مقال كتبه محمد الصبري رئيس الدائرة السياسية للتنظيم الناصري قبل عامين في صحيفة الشورى. المقال تضمن تساؤلا عن جدوى تلك الزيارات، وقال فيه إن أي دولة مالم تنتفع من زيارات الرجل الأول فيها فإن علاقاتها تتحول إلى أعباء ترهق حتى المؤسسات الداخلية.
في حديثه عن القاضي عبدالرحمن الإرياني، يقول الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، حفظه الله وأطال في عمره، أن الخطأ الوحيد للقاضي هو تعامله غير الحكيم مع المملكة العربية السعودية.
الشيخ يقول هذا –وهو حديث شخصي سمعته منه، وأنقله هنا معنى لا نصا لمقتضيات فنية- يقوله في سياق تقدير كبير للقاضي بعد سنوات أظهرت أنه كان الأصوب من مخالفيه في كل شيء إلا في العلاقة بهذه الجارة.
القاضي الإرياني، ويمكن هنا تذكر الدكتور عبدالكريم، ظل وفيا لمقتضيات الصراع التقليدي بين الوظائف والمرجعيات في الجزيرة مما أثر سلبيا على علاقة اليمن الدولة بالجارة الكبرى. ولم يكن علي عبدالله صالح بعيداً عن ذات المعطيات. ولذا ورغم انفتاحه الكبير على مختلف دول العالم بما فيها إمارات زايد، وعراق صدام، وبالطبع تظل الكويت التي مع فقداننا لها في 1990 فإنها الأولى عربيا في هذا المضمار. رغم ذلك فقد ظلت اليمن مقصية من الانتفاع من الوفرة الكبيرة التي حققها النفط للمملكة العربية السعودية.
وعكس محاولته المبكرة الانفتاح على أروقة الدول الصديقة من روسيا إلى الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وهولندا وغيرها خارج الإقليم، ورغم رؤيته ماتحققه مصر وسوريا، بل إن الملك حسين بنى دولة معتمدة على التعاون الإقليمي كمورد طبيعي للدول؛ فقد ظل صالح –ربما تحت تأثير الإدارة غير الرشيدة لملف العلاقات من قبل بعض أطراف القيادة السعودية- صارفاً للنظر عن استثمار الجيرة.
ونحن نعرف يمنيا أن مراكز القوى الجزئية استفادت من دول الجوار أضعافاً مضاعفة من الدولة بل لايمكن المقارنة إن لم نقل أن الأمر عكسي، فكلما استفادت المرجعيات خسرت الدولة المركزية.
وكان يمكن تفهم هذا الأمر في ظل الإدارة غير الرشيدة لدول الجوار لعلاقتها مع اليمن. غير أن الأيام غيرت ذلك كثيرا لصالح إمكانية علاقة تعاون محكوم بالمصلحة المشتركة وليس وفقا لخطاب الإحسان الذي لاشك أنه مؤذ لليمن واليمنيين، وهو لايقال إلا لهم، مع أن المال الخليجي أسهم بتنمية شاملة في كثير من الدول العربية من لبنان وحتى تونس. بل إنه اليوم شريك عالمي في غير بقعة من بقاع الدنيا.
من هنا فإن زيارة صالح للسعودية قبيل المؤتمر، وحديثه الواضح للمجتمع الدولي أن عليه دعمه لـ"الوفاء بوعوده لناخبيه"، ولـ"حماية الديمقراطية والإصلاح السياسي"، تعد معطيات لتحولات كبرى لصالح اليمن واليمنيين.
وحين ندرك أن برنامج التجمع اليمني للإصلاح لانتخابات 2003 تضمن التأكيد أنه سينفذ سياسة خارجية تؤكد أن العلاقات الدولية أحد موارد الدولة، فإن صالح باختطافه الفكرة يعود للتألق الذي أدار به دفة بلاد في مهب الريح على مدى ثلاثين عاما.
ليس هذا خطاب تملق، فأنا أرجو من القارئ أن يستعيد كلمة صالح في لندن ليدرك أنها المرة الأولى التي يقول صالح للعالم أننا بلد نسعى للتحول الديمقراطي ولكن تخلف التنمية يهدد هذا التحول، فالتعليم الضعيف لايساعد على فعالية سياسية. وطالما والعالم يقول أنه يدعم الديمقراطي فليساعد اليمن على حماية تحوله. إن أي ناخب لايجد تغيرا من كثرة التصويت الانتخابي يكف عن الانتخاب. لقد تباهى صالح بانتخابات "الجمعيات والنقابات"، ويتوجب علينا استثمار هذا التباهي لأنه يتضمن مطالبنا التي كنا نتحدث عنها.
 
مكافحة الفساد، وإدارة المناقصات.. قضايا تنتظر النقاش العام
ويزيد الأمر إيجابية نقاش مهم يدور في مجلس النواب بشأن قانوني مكافحة الفساد والمناقصات. ومثله يدور في أروقة اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام بشأن الحكم المحلي بين أرباب اليمن القديم والطموحين لليمن الجديد.
هل تتذكرون أن تصريحات عالية المستوى كانت تعتبر الحديث عن مكافحة الفساد، عمالة وخيانة؟! ليس هذا في الستينيات بل قبل عام ونصف فقط. وأن الخطاب الرسمي كاد ذات يوم أن يعتبر اليمن دولة معادية للجميع، أميركا تريد التآمر عليها، بريطانيا تريد العودة لاحتلالها، وحتى الدنمارك، أما انتخاب المحافظين ففكرة تقسيم لليمن الميمون!! وعشرات الأخطاء التي ساهمنا في صنعها.
وكم كانت الانتخابات هامة لليمن، حيث أنها وبتحرك الرئيس علي عبدالله صالح أولا، واستجابة الناخب ثانيا أعادت ترتيب الأوراق حتى أن مجلس النواب اليوم يناقش الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. (من معلومات مؤكدة فإن علي عبدالله صالح هو من رفض أن يتضمن مشروع القانون حقه هو في تعيين الهيئة، وأنه هو من تابع الحكومة حتى أنجزت مشروع قانون المناقصات)، أعرف أن ثمة من يحتقن حين أكتب مثل هذا الأمر، ولكني لست مهتما طالما أقول حقا كاملا، وأما النيات والمقاصد فنتركها لوكلاء محاكم للتفتيش.
(تذكرت هنا وظيفة "حرق البخور" التي حذرني من العمل بها الدكتور محمد عبدالملك المتوكل الأسبوع الماضي. ومع أني أرى –إتباعا للتوجيه النبوي الكريم، أن إحراق البخور خير من نفخ الكير، فإني اشكر الدكتور الذي لا أشك لحظة واحدة في حرصه على توازني، وأتمنى أن يواصل نشر ملاحظاته بشأن مايرى أنه يستحق من كتاباتي –بغض النظر عن توصيفه أو اختلافاتنا- لأنه حين تختلف مع قارئ بحجم الدكتور المتوكل فإن الخلاف سيوصل إلى رشد حقيقي لا ادعاء فيه حتى لو حاول أحدنا أو كلانا فعله. كما أن ذلك مدعاة حقيقة للحرص على مقال لا"يحرق البخور". وأعده أني لن افعل ذلك بوعي وتقصد، ومادون ذلك فعليه احترام خياري والابتعاد عن الخبرة الاجتماعية السلبية التي تحقر المخالف، فهي التي نناضل ضدها أو هكذا ندعي).
أعود لأقول أنه لن يكون ثمة شيء كامل، ويكفي تبرير ذلك بالإشارة إلى أن من يطلب الكمال هو نفسه غارق في النقص. لذا علينا التخفف من الاحتقان والإحباط. فثمة مايتحرك بين حدود دولة الوحدة. ذات يوم قال ياسين سعيد نعمان أن الوحدة أكبر مشروع إصلاحي في العالم العربي، فهل ياترى يعجز هذا المشروع عن التجدد، أعتقد أن الإجابة بنعم فيها تعسف كبير.
نعم سيدور نقاش كبير حول الهيئتين، وانتخاب المحافظين، وسيحدث اختلاف اكبر، وقد يتغلب الرأي الأكثر محافظة، ولكن الجدال المشروع والاختلاف العلني حول الآراء والمصالح المباشرة والتي تعني اليمنيين جميعا هو التجربة التي لم نخضها بعد، وعلينا الإيمان أن نتيجتها هي الحل الحقيقي. وهو أي الجدال الدليل الوحيد على أن لا أحد على مايشاء قدير. واليمن الجديد لن يكون جديدا ومستقبله لن يكون أفضل حين يكون مجرد رأي واحد يدعي الصواب سواء كان الإدعاء قادم من كرسي السلطة أو مفرشة المعارضة.
 
الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام
الإعلام الرسمي في اليمن ولأن القرار السياسي والأداء الإداري حبسه وراء الشعور بالمسؤولية عن الإحباط العام، وبعقدة الذنب الناتجة عن أن الإعلام المعارض هو من سجل الحضور الأعلى في الحياة السياسية اليمنية، فقد بذل جهدا كبيرا للتأكيد أن اليمن حققت كل شيء بمؤتمر لندن، باستثناء التغطية المباشرة للفضائية.
لقد بذل الإعلام الرسمي جهدا كبيرا للترويج، والحديث عن الفرص، (هذا حق لأصحاب الرأي لكن حين يسيطر على الخبر يقتل القارئ الذي نعرف أنه محبط بسبب التأثيرات السلبية على حاله على مدى أربعة أعوام عجاف سياسيا عاشها اليمنيون)، والأهم أنه شوش على المؤتمر وأهميته الحقيقية. ويبدو الإعلام عاجزا عن إبراز هذه التطورات المهمة ضمن الأجندة الإصلاحية.
ويزيد الطين بلة الإعلام المعارض الذي حتى رغم التحفظ الكبير –للمرة الأولى- لقيادته السياسية من الحديث العشوائي عن ذات المؤتمر وذات القضايا، فإنه لم ينتبه بعد أن الجميع قد نزل من عربة القطار الانتخابي. لذا فهو يواصل خطابه المطلق العام الغائم، الذي لايحبط إلا جمهوره للأسف الشديد.
لا أتمحك إدانة أساتذتي في الإعلام الرسمي أو المعارض، معاذ الله. فليسوا هم المسؤولين عن أدائهم. هم ينتظرون احتراما لوظيفتهم من قبل القيادات في السلطة والمعارضة، احتراما يقتضي الاشتباك معهم في مناقشة الرؤى والآراء، للمساعدة في التهيئة للتجديد الذاتي للقضايا والأفكار والمعطيات.
إنه مالم يتم ذلك، فإن الإعلام سيواصل صناعة الفشل والإحباط ولو دعائيا، وهو أمر أكثر ضررا من نقل الإحباط واقعا. ننتظر مؤتمرات وحلقات نقاش بين المعنيين وليس للدعاية الإعلامية. هل يمكن هنا تذكير المؤتمر بمبادرته الممتازة –مبدئيا- في عقد اللقاء الأول لمؤسسات الإعلام المؤتمرية. لماذا لايدار نقاش بذات المستوى، أقول نقاشا وحين يأتي الإعلامي ليجلس أمام "الأستاذ" أو "المسؤولـ" ليتلقى التوجيهات فإن ذلك ليس نقاشا ولايحقق أي ثمرة.
ليس المطلوب تغيير الأشخاص، بل تغيير السياسات التي صنعت هذا الإرباك للإعلام الذي يمكن ملاحظته أنه منقسم لحاكم ومعارض، ولكنه ليس إعلاما. فالإعلام الممكن أن يحقق النجاح ليس وسائل التعبئة، بل هو الإعلام-السلطة بحد ذاته حيث كان.
وليت أننا نرى اهتماما مشتركا من السلطة والمعارضة لإعادة موضعة هذه المهنة داخل الأداء الرسمي لكليهما سلطويا، لأنه الذي لم يسبق أن تحدثنا عن ذلك- عبر إعادة ترتيب أوراق الاهتمام بالإعلام والصحافة، خاصة وأن الرئيس يبدي تفهما واهتماما كبيرا بالإعلام، منذ ماقبل الأعوام العجاف التي حكمت العلاقة بين الطرفين، المهنة والمؤسسة. ومنذ مابعدها أيضا.
سيصح هنا لفت الانتباه إلى أن وزارة الإعلام كانت أول وزارة زارها صالح بحثا عن مخارج إصلاحية للمآزق التي غرقنا فيها جميعا بعد ذلك حتى مايو الماضي حين التقت الحكومة ونقابة الصحفيين وما تلاه من تطورات إيجابية في علاقة الطرفين، المؤسسة الرسمية والوظيفة الإعلامية، وهما معا مهنة ومؤسسة، مقتضيات ومنابت حديثة وجديدة في اليمن ويتوجب عليهما التعاون لتقوية بعضهما البعض. وأتحدث عن التقوية التي تتضمن احترام الطرفين لمقتضيات نجاح وشروط عمل الآخر، وليس العمل على متطلبات الاحتواء.
nbil