عن الحاكم

منصور هائل يكتب عن: الحاكم

الحاكم بما هو الأب وولي الأمر والراعي، والرئيس والملك والسلطان، والزمن والكيان اللامتناهي اللاهي في ملكوته، المتباهي بجلاله وعظمته وهيبته، والمتماهي بالآلهة.
والحاكم بما هو سلطة لا حدود لشبكتها الواسعة، وعناقيد ضفائرها المرئية والمتوارية، وليس من السهل إحصاء أوامرها ونواهيها وآثارها وتأثيراتها وحفرياتها واصدائها.
والحاكم بما هو طيف شفيف له خفة  وثقل وذَرِّيَّة (الزئبق الأحمر)، وبما هو اطياف لا تحد، واشباح وكوابيس لا تعد ولا تصد، وكائن سحري كثير في حضوره وتلاشيه، وفي انتشاره وتفشيه، وتسلله واندساسه وتخفيه وتنكره وفخامته وبهرجته وكمونه واحتراسه وحراساته ورقابته  وعقابه.
والحاكم بما هو صورة تتناسل إلى ما لا حصر له من الصور، وانفاس واصوات تتردد وتتناهى إلينا من اعماق الشعور البعيد، وتلامس النظر وتهز الاوتار السطحية للذهن كما ترج مغارات الطبقات السحيقة من الوجدان والوعي والذاكرة.
والحاكم بما هو سلطة  تفترش اوسع مدى  وتحجبه، وتنزرع في مروياتنا ومسيرة ايامنا، وفي «مقايل» الاصيل وجلسات السمر، وفي الاغنية والقصيدة والتعويذة، وفي اللعنة والسبحنة وفي القصور والمقابر، وفي قطع وأوراق النقود، وفي الاساور والاقمشة والجدران، وفي الامثال والاقوال، وفي المواويل والزوامل والمهاجل..الخ.
والحاكم بأبعد ما يمكن ان يكون، وبأكثر من ان يكون مجرد شخص مفرد، وبأكبر من أن يختزل بآدمي عابر حتى وإن كان رئيس الجمهورية!
ذلك الحاكم الملفوف بأهداب الاسلاف، وظلال القرون، والمتوزع إلى عشرات ومئات الصور المتوالدة عن رشح صورته المرتسمة في الذهن الشعبي البسيط والمركب والمحكوم بـ«حاكم» كثير الاسماء ومتقادم العمر بحيث ترجع بدايات تخلقه وتجليه إلى «اساطير التأسيس» ويمتد إلى اللحظة الراهنة كاسطورة تتعرش الغصن الاخضر من الذاكرة.
وأخيراً يمكن القول إن بعض هذا الحاكم او جُلّه سيكون مجالاً للتداول والمقاربة في ندوة «صورة الحاكم في الثقافة الشعبية» التي سيعقدها بيت الموروث الشعبي بين يومي 19-20 نوفمبر الجاري بمركز الدراسات والبحوث بصنعاء.
والحق أن فعالية فكرية كهذه جديرة بالاعتبار كونها ستعنى بتفحص سؤال الحاكم بعيداً عن الخفة والابتذال والتسطيح، وبمنأى عن الالتياث بشواغل اللحظة، أو الاصابة بطفح التسييس الاعمى؛ ما يعني أنها (أي الندوة) تعقد الرهان على زحزحة في الوعي ووخزه لحفز نشاط الخيال وتوسيع مجال النظر للحاكم من زوايا مختلفة، وذلك ما انهجست به  معظم اوراق الندوة التي تشارك فيها نخبة متميزة من الاكاديميين والمثقفين اليمنيين.
فتحية لبيت الموروث الشعبي ورئيسته الزميلة  اروى عثمان, التي اعلم انها ستثور في وجه  كاتب هذه السطور من منطلق قناعتها بأن شهادة أم العروسة مجروحة.
mansoorhaelMail