مقعد في بيته يراوده حلم صغير: دفن إبنه.. والد فواز الربيعي: كان شجاعاً.. لم يتنكر عندما زارني في المستشفى

مقعد في بيته يراوده حلم صغير: دفن إبنه.. والد فواز الربيعي: كان شجاعاً.. لم يتنكر عندما زارني في المستشفى

- ناصر الربيعي
طالب يحيى حسن محمد الربيعي السلطات المختصة بسرعة تسليمه جثة إبنه فواز الربيعي المتهم بالانتماء للقاعدة والذي لقي مصرعه في إحدى ضواحي العاصمة صنعاء مطلع اكتوبر الجاري خلال مواجهات مع قوات الأمن.
كما طالب بالإفراج عن إبنه أبوبكر الذي اعتقل يوم مقتل أخيه فواز ولم يفرج عنه حتى الآن.
وقال لـ«النداء»: «كل همنا الآن هو الإفراج عن أبو بكر ليذهب ويستلم الجثة ويدفنها إكراماً لأخيه في اقرب وقت».
تصف الأجهزة الأمنية «فواز» بأحد أخطر عناصر تنظيم القاعدة في اليمن. لكن فواز، في نظر أبيه، هو الشهيد الذي «عاش أسداً ومات أسداً».
«كان مختلفاً عن باقي إخوانه في مواقفه، وكان كلامه دائماً عن الدين والجهاد»، قال يحيى الرجل الستيني. واستطرد: «كان رجلاً شجاعاً (...) زارني، غير متنكر، في مستشفى العلوم والتكنولوجيا بعد أربعة أشهر من فراره من السجن».
فواز (27 عاماً) هو أحد السجناء ال23 الذين تمكنوا من الفرار من سجن الأمن السياسي في فبراير الماضي. وكان حكم بالإعدام صدر في حقه بعدما أدين بتدبير عمليات مسلحة، والإنتماء إلى «القاعدة».
وإلى فواز، لدى يحيى الربيعي 3 أبناء (حسن وسلمان وأبو بكر) و4 بنات، إحداهن تعيش معه هي وابنتيها بعد طلاقها من زوجها جراء ملاحقة اشقائها بتهمة العمل مع القاعدة.
الأب الذي تلاحقه المصائب منذ عاد مع أسرته من السعودية عقب الغزو العراقي للكويت عام 1990، يعاني من السكري وضعف البصر، وهو يسكن في منزل متواضع شمال العاصمة، رفقة زوجته صفية، وإبنته التي تعمل مدرسة، وحفيدتيه.
«هل انتم الصحفيون؟»، سألتنا الحفيدة الكبرى (7 سنوات) التي كانت تنتظرنا عند بقالة مجاورة للبيت. وعرَّفت بنفسها: «فواز الذي قتلوه هو خالي»، قبل أن تتقدمنا متخذة دور الدليل الذي سيوصلنا إلى البيت حيث ينتظر والدا فواز.
رحبا بنا، لكن الأب ابتدرنا بالعتاب: «أنتم الصحفيون لا تنشروا شيئاً إلا بعد أن يطلع عليه غالب القمش (...) نقول شيئاً فتكتبون شيئاً آخر، وأحياناً لاتكتبون شيئاً»، ولتعزيز ملاحظته ضرب أمثلة وزودنا بأسماء!
أم فواز معروفة بإسم «أم حسن». وحسن هو الأبن الأكبر الذي يعمل سائقاً لباص، ويعيل أسرة من زوجة وستة أطفال، ويعيش في منزل منفصل في العاصمة. وهو أمضى سنة في السجن بجريرة التهم الموجهة لإخوتة الثلاثة، كما تؤكد أم حسن.
عندما زارتهما «النداء» في البيت لم يكن هناك أثر لأشقاء حسن. فواز لقي مصرعه فجر الأحد الأول من أكتوبر في عملية أمنية وصفت بالناجحة. بعد ساعتين دهم المنزل رجال أمن، واقتادوا أبوبكر (الشقيق الأصغر لفواز) بملابسه الداخلية -على حد تعبير «أم حسن»- إلى المعتقل.
ويقضي سلمان عامه الخامس في معتقل «غوانتانامو»، منذ اعتقاله في افغانستان نهاية 2001.
لم ينه فواز الثانوية. وبعد عودته من السعودية (حيث ولد)، عمل في القصر الجمهوري في وظيفة كاتب (وظيفة مساعدة في أسفل الهرم الوظيفي). ويقول الأب إن مسؤولين في الأمن شجعوا فوازاً على السفر إلى افغانستان في 2000. وإذ ينفي أية صلة لإبنيه الاخرين، سليمان وأبوبكر، بالقاعدة، يوضح بأن سلمان غادر إلى افغانستان بطلب منه (الأب)، وذلك للبحث عن فواز. «كنت أريد من سلمان أن يعود به من افغانستان، لكن الحرب (الامريكية على افغانستان) اندلعت، ولم يتمكن سلمان من العودة، وتم اعتقاله ووضعه في جوانتانامو»، يؤكد يحيى.
بدلاً من سلمان، عاد فواز بُعيد الحرب، لكنه ما لبث أن اعتقل بعد عامين بتهمة قتل جندي في محافظة أبين. في هذه المرة جاء الدور على أبوبكر الذي سلم نفسه للسلطات بعد اعتقال فواز.
ويقول الأب إن المسؤولين، وفي المقدمة رئيس الجمهورية، أكدوا للأسرة بأن «أبو بكر في وجههم، ولن يحصل له شيء». ويقطع بأن أبوبكر بريء «لكن المسؤولين كانوا يتعرضون لضغوط من الأمريكان». لاحقاً حُكم على فواز بالإعدام، وعلى أبوبكر بالسجن 10سنوات.
لكن محاكمة الأخير «كانت صورية، من أجل إرضاء الامريكان»، على حد تعبير الأب. «لم يقض أبو بكر يوماً واحداً في السجن»، ويضيف: «كان الأمن يأخذه ليظهر في المحكمة ثم يعيدونه إلى البيت». يستطرد: «بعد جلسات الاستماع لم يتواجد أبداً في المحكمة حتى عند النطق بالحكم».
بعد فرار فواز من السجن في فبراير الماضي، تعرضت الأسرة لمضايقات عديدة. جاء رجال الأمن لاعتقال الأب، وقد أصيب بجرح في قدمه اليسرى أثناء قيامهم باقتياده إلى الحجز. هناك حيث أمضى 3 أيام رهن الإحتجاز لم يتلق الأب المصاب بالسكري أي علاج للجرح، وعندما خرج تابع المستشفيات لغرض تدارك المضاعفات، لكن الأطباء قرروا بتر رجله من أعلى الركبة بعدما تبين إصابته بالغرغرينا.
أما أبو بكر الحاصل على الثانوية وبعض المهارات في الكمبيوتر، والموعود بوظيفة مطلع هذا الشهر، فقد تلقى اتصالات هاتفية عدة من مسؤولين خلال فترة فرار فواز.
ويقول يحيى إن إبنه أبوبكر تلقى قبيل أيام من مقتل فواز اتصالاً هاتفياً من مسؤول كبير ومقرب من الرئيس (ذكر إسمه). «كانت نبرة المتصل مختلفة عن سابقيه»، يضيف.
وطبقاً ليحيى فإن المسؤول قال لأبوبكر: «اخبر اخاك بأن يسلم نفسه وإلا رأسه سيطير».
وقد تحقق الوعيد. وتم اعتقال أبوبكر بعد ساعتين من مقتل فواز. «اعتقاله هذه المرة هو خطوة احترازية لتجنب قيامه بأي فعل انتقامي»، قال الأب، قبل أن يردف :«أريد أن يخرج (من المعتقل) ليستلم جثة أخيه»، وزاد: «إذا لم تكن رجلي مبتورة لذهبت للبحث عن جثة إبني ودفنها».
وفي حديثه لم يخفِ الأب المقعد تشككه بقصة فرار إبنه من السجن، إذ يعتقد أنها مجرد خطة للتخلص من فواز ورفاقه إرضاءً لواشنطن. وهو قال: «من يعرف السجن جيداً والمسجد المجاور لا يمكنه تصديق القصة».
قبل المصائب التي حلت بأسرة يحيى الربيعي، كان فواز قد عقد قرانه على إبنة يحيى صالح مجلي (أبو سيف)، لكن هذا لقي مصرعه هو وزوجته قبل سنوات في اشتباكات مع قوات الأمن بعد الإشتباه بأنه ضالع في الارهاب.
يخبرنا الربيعي بالحلم الذي كان يراود إبنه خلال فترة محاكمته وأثناء سجنه: « في إحدى زياراتي للسجن قال لي: أريد يا أبي أن أعيش وأتزوج وأشقي عليك أنت وأمي، لكنهم لم يتركوني وشأني»، يتذكر يحيى الربيعي الرجل الستيني حلم إبنه الشجاع. أما هو، الأب الذي جردته الحرب على الإرهاب من كل سند، فقد تواضعت أحلامه الآن، إذ لم يعد يريد سوى إكرام أسده بالدفن!