الصومال إذ يقف على ساقين وساعدين

الصومال إذ يقف على ساقين وساعدين

- جلال الشرعبي
تقف السلطة في الصومال على ساقين وقدمين: جمهورية أعلنت استقلالها في النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين، ولاية فيدرالية في العام 99م، محاكم إسلامية تسيطر على العاصمة ومدن أخرى في الجنوب، حكومة مؤقتة تتخذ من «بيدوا» مقراً لها مع الرئيس عبدالله يوسف.
في الشمال، حيث أعلن الإستقلال، بقيادة الجنرال إبراهيم عقال، في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، يواصل الجنرال طاهر ريالي كاهن، الرئيس الحالي والذي تم انتخابه للفترة الثانية العام الماضي، حكم «صومال لاند» التي تتوسد على ميناء «بربرة» إقتصادياً.
وقد جرى في هذا الجزء الذي تبلغ مساحته (120) ألف كم2 انتخابات رئاسية وبلدية ونيابية، ويسوده الاستقرار والحياة الطبيعية، إذ هو يقف على ساقه اليسرى في هرجيسا.
وفي ولاية بونت لاند الفيدرالية، التي تتخذ من مدينة «جاروي» مقراً لرئيسها الجنرال عدي محمود حرسي، وتعتمد في دخلها الاقتصادي على ميناء «بصاصوا» تعتبر العشيرة هي الحاكم الأول في هذه الولاية وتعد بمثابة حديقة خلفية للرئيس الصومالي الحالي عبدالله يوسف الذي كان رئيساً لها في السابق ويعود إليها مرجعيته القبلية.. وهنا تحط الساعد اليمنى مكانها.. وفي العاصمة الصومالية «مقديشو» تبرز سلطة المحاكم الإسلامية جلية بعد إنتصار قواتها على أمراء الحرب بعد عقد ونصف من ملكيتها الخاصة للعاصمة.. لتواصل تواجدها في «جوهر» و«بلدوين» شمال العاصمة وحتى مدينة «كسمايو» في الجنوب، إذ هي تقف على ساقها اليمنى في مقديشو.
وفي مدينة «بيدوا» (250كم من العاصمة) اتخذت الحكومة المؤقتة مقراً لها والرئيس «يوسف» لتسند ساعدها الايسر على الحصى في بلدة متواضعة.
وفي حين تبدو المخاوف من الحرب الأهلية في الشمال أو أن لها إرتباط بما يجري في الجزء الجنوبي من الصومال، غير واردة، تطل في ولاية بونت لاند الفيدرالية قرون العلاقة إذا ما اشتدت الأزمة بين الرئيس «يوسف» وقوات المحاكم الإسلامية على إعتبار أنها ولاية تدين بالولاء القبلي والمركزي للرئيس.
وتكمن قوة المحاكم الإسلامية في سيطرتها على العاصمة «مقديشو» وعتاد عسكري متطور هو غنيمة النصر على امراء الحرب الذين استمروا على مدار خمس عشرة سنة يتلقون الدعم الأمريكي ويقبضون سيطرتهم بالقوة على العاصمة.. بالإضافة إلى تأييد شعبي ودعم تجار صوماليين وفرت لهم الاجواء المستقرة في العاصمة تجارة آمنة.
وغير هذا فإن المحاكم الإسلامية تنظيم متماسك في هيكله والعديد من قادته عسكريون متقاعدون أو كانوا في الجيش الصومالي، وقد سيطرت قواته على مدن مهمة تدر موانئها ومصالحها دخلاً اقتصادياً مهماً لاستمرار نشاطها.
أما نقاط الضعف في المحاكم الإسلامية فهي علاقات إقليمية سيئة مع أثيوبيا وتبدو مجالاتها مرشحة للتصعيد نحو المواجهة العسكرية. وكذا علاقات دولية يمكن قراءة مؤشراتها في أن رئيس مجلس الشورى في المحاكم العقيد حسن طاهر أويس، مطلوب لواشنطن بتهمة صلته بالقاعدة.
وتعتمد المحاكم الإسلامية في تمويلاتها على عائدات الموانئ والمطارات والضرائب والجمارك في العاصمة والمدن التي تسيطر عليها وكذا دعم رجال أعمال صوماليين. كما تتلقى دعماً عربياً عبر جمعيات خيرية.
أما الرئيس عبدالله يوسف الذي يتخذ من مدينة «بيدوا» مقراً لسلطته المؤقتة فإن تواجده على الأرض لا يمنحه القوة سوى الإعتراف العربي والدولي به وحكومته وعلاقات اقليمية توفر له الدعم المعنوي في غالبها ولا تتقدمها بضوء امريكي سوى اثيوبيا بالتلويح بتدخل عسكري ضد قوات المحاكم.
ومعلوم أن العلاقات الاقليمية والدولية للصومال هي المؤثر الأبرز بما يجري على الأرض الصومالية.
وتبدو التغيرات الإقليمية الأخيرة شاهداً على ذلك.. ففي حين يقف «يوسف» على رأس السلطة بدعم أثيوبي لاحت في الأفق أحاديث عن دعم أرتيري للمحاكم الإسلامية.
والواضح أن تحديات عدة تقف أمام الصومال فالحرب الأهلية يدق شبحها الأبواب يوماً بعد آخر وشريط ساحلي طوله (3500كم) مفتوح امام تجار السلاح و المخدرات وكذا امام المتسللين هرباً من البؤس في الداخل الصومالي.
وفي حين تبدو الجهود الدولية في الصومال تقف عند الوضع الإنساني في أحسن أحواله، ظل الدعم العربي قرارات في القمم العربية فيما يجد على الأرض الكثير من العتاب.
كذلك فإن الحكومة الصومالية المؤقتة التي تقف أمامها تحديات تشكيلها القبلي وعدم قدرتها في التواجد على الأرض لن تكون اكثر من سلة لاستقبال التبرعات العربية والدولية لمناقشة قضايا الصومال تارة من «نيروبي» وأخرى من «أديس أبابا»..
والعام في المشهد الصومالي أن حكم العسكر قد ترك خلفه تركة ثقيلة مثلما جعل العسكرية عنواناً أبرز للإستحواذ على الكرسي الصومالي الملتهب.
وقد بدت الصومال بعد الإنهيار مكاناً للدم والإقتتال وتجارة السلاح والمخدرات ومقراً آمناً لمتطرفين فيما كانت في عهد بري تخوض حرباً متواصلة دفع الصوماليون ضريبة باهضة ثمناً لها: عقر ونصف من الحرب الأهلية.
والراجح أن حل المشكلة الصومالية يبدأ بإيقاف التدخلات الأقليمية والدولية في الشأن الداخلي الصومالي، مع دور هام يجب أن تلعبه الحكومة المؤقتة لإدارة حوار داخلي يغلب المصلحة الصومالية على المصالح الشخصية.