«أمل».. بوعي ناقد وفعل جاد

«أمل».. بوعي ناقد وفعل جاد - محمد ناجي أحمد

بشفافية رائعة وقدرات مميزة في إدارة الفعل الحقوقي، تستمر «أمل» من خلالها ومن خلال «منتدى الشقائق» في تعرية الواقع الذي يسلب الانسانية وجودها ويزداد هذا الاستلاب شراسة مع النساء والأطفال والمهمشين. بنبرة عالية وحركية فوارة، تتعمق «أمل» في مناقشة القوانين المقيدة للحريات والحقوق، وفي تسليط الضوء على انتهاكات تمارس تجاه الطفولة والمرأة والمهمشين.
هي امرأة آسرة بقدرتها على «السرد»، حتى أنني أتعجب من عدم إثرائها للمكتبة السردية بعمل، وهي المرأة التي استطاعت أن تعيد بناء صورة (متخيلة/ حقيقية) لزوجها المرحوم «أحمد طربوش».
كانت قراءتي لـ«أحمد طربوش» لا تتجاوز النظر إليه كأعلى سقف في افق زملائه الناصريين، وكذلك كان في موضوعه الموسوم بـ«دراويش على ضريح عبدالناصر» لكن مقالته تلك لا تعني ان ضريح «عبدالناصر» ليس موجوداً في ذهنه، هذا تصوري، لكنه في كتابات ومشافهات «أمل» شيء آخر تم رسمه بعناية وبألوان غير محدودة.
هي «أمل» التي اتعجب كيف لا تكون إمرأة بحجمها وكثرتها «وزيرة لحقوق الانسان»؟ لكن الإجابة سرعان ما تقرأ وأنت تستمع إلى وزيرة حقوق الانسان الحالية «خديمة الهيصمي» وهي تتكلم في ورشة عن «محكمة الجنايات الدولية»، تكلمت كثيراً لكنها لم تقل شيئاً، باستثناء نطقها لحرف القاف بأربع صور صوتية: «جاف، كاف، آف، قاف»، وكذلك تأتيك الإجابة من واقع سياسي لم يستوعب وزيرة بحجم «أمة العليم السوسوة» بكل هدوئها تبحث عمَّا يجب ان يكون!!
تتحدث «أمل» عن كتاب يجمع كتابات «أحمد طربوش». ولأن «أحمد» لا يتجاوز في ذاكرتي سوى بضع مقالات مميزة، فإنني اتوق إلى قراءة كتاب باسم «أمل» وليكن موضوعه «أحمد طربوش»، ستكتب حينها تصوراً جديداً لا يوجد في ذهن على الأقل.
توفي «عصام محفوظ»، و«أحمد طربوش»، الأول لم يحظ بامرأة تعيد خلقه من جديد، والثاني ميزته الأقدار بامرأة من «ماء ونار»، لا يمر عام على رحيله إلا وعملت على بعثه في كينونة جديدة.
«أمل» امرأة تتميز بعناد متقد ولديها روح متسامحة وقدرة على الانصات إلى نصوص الآخرين.
حضرت في الفترة الاخيرة ندوة اقامها «منتدى الشقائق» عن المجالس المحلية والمرأة، خرجت بانطباع ان وجود المرأة في الهامش يغذيه ثقافة متراكمة في الوعي واللا وعي تفضحها وتدل عليها بعض الدلالات التي تتسرب أثناء تحمسنا للمرأة وانتصارنا لها، بل وذهب انطباعي إلى دلالة «منتدى الشقائق» كدلالة تعني الوجع في الرأس أو الشق في الرمال. ركزت في قراءتي على الدلالة التي تؤكد هامشية المرأة، تجاهلت الدلالات الأخرى إلى تعني «الأخ» و«الشبيه» و«المماثل» و«النظير» اوبعنادها دافعت عن الاسم كونه -كما ترى هي- محملاً بدلالة الفعل الثقافي والحقوقي الذي انتجه «المنتدى» واصبح جزءاً من الدلالة.
«أمل» يجتمع في «منتداها» المميزون في الأدب والصحافة والفكر. ترفض أن تتحول مؤسسات المجتمع المدني إلى مراكز تابعة لوزارة الداخلية او مكتب الرئاسة، ولا تضع نفسها كما يصنع البعض ناطقاً «غير رسمي» ليوضح للرأي العام ان الطفلة «حنان» لم تختطف ولكنها «مختفية». إنها على عكس ذلك تذهب إلى عمران لكي تتبنى قضية الاعتداء على الطفلة «سوسن»، وتقوم بدورها بوعي نقدي لكل المؤسسات التي تتواطأ مع هكذا جريمة.
هي لا تفرغ «الورش» -الممولة من قبل «دول» او منظمات- من محتواها الذي عملت لأجله، كما يصنع البعض الذين لا يتجاوز همهم حجم التمويل. أما طبيعة «الورش فيتم «فبركتها» بطريقة وبوعي «متعهدي الحفلات» أو «الحواة» او اللاعبين على الثلاث ورقات!!
بشفافية عالية وثقة بالنفس لا تصادر جهود الآخرين لتسد خواء داخلها كما هي عادة الكثيرين، هي لا تعترف بجهودهم فحسب ولكنها تشيد بها تعزيزاً للفعل الجميل الذي قاموا به.
قد أكون أخطأت في التعبير حين قلت: «منتداها»، بإضافة المنتدى إليها، ربما بفعل السائد والواقع الذي نشاهده من حولنا فالكثير من مؤسسات المجتمع المدني «مشخصنة» وذات ملكية فردية. هي على عكس ذلك لا يمتد ظلها على المنتدى، وتلحظ وجود وتميز الآخرين سواء «رنا» أَمْ «نبيل» أَمْ غيرهم من شركاء المنتدى.
هكذا تدير «أمل» «منتدى الشقائق» بوعي قائم على الشراكة وليس «التفرد»!!