أحزاب الأنابيب!!..

أحزاب الأنابيب!!.. حسن عبدالوارث

.. الأحزاب ظاهرة غير حديثة العهد على المجتمع اليمني الذي عرفها منذ أواخر النصف الأول من القرن الماضي.
ومنذ تلك الفترة جرت مياه كثيرة تحت الجسور السياسية والإجتماعية والفكرية في اليمن، وسالت دماء كثيرة أيضاً تحت وفوق هذه الجسور. وكانت الأحزاب –في كل الأحوال– ليست بعيدة البتة عن مجاري تلك المياه، أو مصادر هذه الدماء، على حدٍ سواء.
كانت الأحزاب اليمنية –على الدوام– إما مدارس فكر وتنوير، وإما بؤر تحريض وتنوير، وإما منابع كفاح نحو التحرير؛ برغم أن معظمها اتُّهم -في مراحل تاريخية مختلفة- بالعمالة أو الخيانة الوطنية، نظرا ً لكونها امتدادا ً لأحزاب وتنظيمات، قومية وأممية، خارج الحدود اليمنية.
إلاَّ أن الإنتماء إلى حزب أو تنظيم أو جماعة سياسية كان –في معظم الأحوال– بمثابة شهادة لصاحب هذا الإنتماء على طليعيته؛ فأبرز مثقفي الأمة وخيرة شبيبة المجتمع كانوا إما أعضاءً وإما أنصارا ً في هذا الحزب أو ذلك التنظيم، برغم اختلاف ظروف هذا الإنتماء، بالنظر إلى كون هذا الحزب ناشطا ً في الضوء أو ذلك التنظيم كامنا ً تحت الأرض.
غير أن من الخصائص التي شكلت ملامح المشهد الحزبي في اليمن –في مراحل متواترة من تاريخه– أن الضربات السياسية والعسكرية التي كانت تتلقاها هذه الأحزاب، لم تكن كلها صادرة عن انظمة الحكم وأجهزة السلطة، إنما كان بعضها صادرا ً عنها ضد بعضها، لاسيما تلك التي شهدها الماركسيون والأخوان المسلمون، أو البعثيون والناصريون، في هذه الحقبة أو تلك من مراحل الحياة السياسية اليمنية قبيل يوم 22 مايو 1990، بل وتكررت بعض ملامحها بعد ذلك اليوم!
وبالنظر إلى هذا المشهد، يمكنني القول أن عضد الحياة الحزبية في اليمن بلغ من القوة حدَّا ً قصيَّا ً.. غير أن هذا القول ينطبق على الصعيد الفكري (النظري) أكثر منه على الصعيد السياسي (العملي) بالإرتكاز على جملة من الشواهد المادية المتحركة في هذه اللحظة كرمال الربع الخالي وجليد القطب الشمالي.
فحتى هذه اللحظة مازالت الأحزاب ترتكب الأخطاء ذاتها، بل والخطايا عينها، التي سبق لها أن ارتكبتها مراراً، أو التي لا يجوز لأحزاب عريقة ومُجرِّبة للسلطة والمعارضة معا ً أن ترتكبها البتة. والأمثلة على ذلك تتراصّ –يومياً، وحتى لحظة كتابة هذه السطور– قبالة المواطن البسيط المتابع لمجريات "الحوار" بين الحكم والمعارضة بصدد الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة، لاسيما إنتخاب رئيس الجمهورية!
والمصيبة الفادحة أن هذا المواطن سيكتشف، بعد أيام قليلة، أن المعارضة لم تَدْرِ بعد ماذا تريد من– وفي –هذه الإنتخابات! أو أنها ستجد نفسها –بعد كل هذا الَهرَج والمَرَج– تمنح صوتها لعلي عبد الله صالح أو من يُمثِّل حزبه في انتخابات الرئاسة!!
.. ذات يوم، أقدم الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم على مبادرة –لا أدري مدى صحَّتها العملية من ناحيته– بتسليم زمام أمور الحكم لقيادة الحزب الشيوعي في بلده، غير أن الرَّد على هذه المبادرة جاءه صاعقا ً من قيادة ذلك الحزب: "ماكو أوامر.."!!.. والمقصود: " ماكو أوامر " من المرجعية " الأممية " للحزب!!
وأتمنى على الرئيس علي عبد الله صالح أن يتمثَّل موقف الرئيس عبد الكريم قاسم فيبادر المبادرة ذاتها.. فلعمري سيكتشف –ونكتشف جميعاًً حينها– أن أحزابنا (في الحكم والمعارضة معاً) ليست سوى... أحزاب أنابيب!!
wareth