السقاطرة في حقل التجارب الإدارية.. الوضوح أولا

> فهد كفاين
التقت اللجنة الفنية المكلفة بدراسة وضعية سقطرى الإدارية، برئاسة وزير المياه والبيئة المهندس عبدالرحمن الإرياني، وعضوية ثلاثة من وكلاء الوزارات المختصة (الادارة المحلية، السياحة، والأشغال العامة)، يومي السبت والأحد الأسبوع الماضي، أعضاء المجلس المحلي ومدراء المكاتب وعددا من المشايخ في مديريتي "حديبو" و"قلنسية" وذلك للاستماع إلى آرائهم في الموضوع.
إلا أن اللقاء كان مرتجلا، والأفكار المقدمة من اللجنة كانت ضبابية وغير واضحة، مما جعل النقاش غير هادف، والأفكار غير مرتبة. كنت أتمنى أن تأتي تلك اللقاءات الأخيرة لمناقشة الوضع الإداري الجديد لأرخبيل سقطرى بعد وضوح الأفكار والمقترحات وبعد وجود مشروع متكامل عن كل مقترح، بحيث تتضح إيجابيات كل مقترح وسلبياته ومدى تلبيته لتطلعات ومطالبات المواطنين في جزر: سقطرى، عبدالكوري، وسمحة؛ وعن تركيبة الإدارة القادمة بوضوح وكيفية اختيارها ومدى صلاحياتها وطبيعة مؤشرات النجاح أو الإخفاق. أي أن تكون هناك حزمة من المشاريع الواضحة تماما والقابلة للنقاش والأخذ والعطاء؛ عندئذ فقط يكون للنقاش جدوى وللآراء منفعة. أما أن يكون هناك نقاش حول مقترح غامض، وفكرة غير واضحة، ويحتد الجدل حول مسميات دون معرفة ما تتضمنها وما بعدها، وما لنا وما علينا منها، فهذا أمر غير مجد، ومضيعة للوقت ليس إلا، في حين تكون نظرتنا إلى مكاسب بسيطة، من قبيل منصب المحافظ أو الوكيل أو رئيس الهيئة وأعضائه، بداية الزلة وإرهاصا لصراع جديد لا يأتي بخير كما جرت العادة.
أتمنى أن نتعامل مع موضوع واحد بنضج ووعي ولو لمرة واحدة، خاصة ما هو مهم، مثل موضوع الترتيبات الإدارية الجديدة للأرخبيل، وأن ننظر إليه نظرة استراتيجية نرجح فيها مصلحة أبنائنا وأجيالنا القادمة، ونرتفع عن مصالحنا الشخصية أيًّا كانت.

***
مسؤولية الجميع
 
كنت ولا أزال أتوقع من السلطة المحلية في جزيرة سقطرى أن تتعامل مع القضية باعتبارها قضية وطنية أكثر منها قضية السلطة، وأن تشارك منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، والمشايخ والأعيان وجميع المواطنين، وتتيح الفرصة للجميع لإبداء رأيه، ومن ثم جمع تلك الآراء وبلورتها، وتقديمها للجهات المختصة، حتى يتحمل الجميع مسؤوليته أمام الله أولا ثم أمام مواطني الأرخبيل ثانيا.

***
بين خيارين

غير واضح إلى الآن ما الذي تعتمده اللجنة الفنية المكلفة بدراسة الموضوع! هل سيكون اعتمادها على الدراسة الميدانية وتحليل أوضاع الأرخبيل واحتياجاته فقط؟ أم أن لأبناء سقطرى رأياً في الموضوع نفسه؟
إذا كان الاعتماد على الخيار الأول، وهو الدراسة الميدانية، فللجنة الحق في اختيار الآلية المناسبة للوصول إلى النتيجة. أما إذا كان الخيار الآخر وهو الاعتماد على رأي السقاطرة أنفسهم، وهذا ما نطالب به، فباعتقادي أن اللقاءات التي تمت غير كافية، والآلية التي اعتمدت غير مجدية، حيث وقد انحصرت اللقاءات في أعداد قليلة دون الأخذ بعين الاعتبار شرائح مهمة في المجتمع، وعلى رأسها طلاب الجامعة والموظفون وأعضاء منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وعمال القطاع الخاص (صيادين، رعاة) وعدد كبير من مقادمة القبائل والمشايخ والأعيان.
إن كان الأمر يتعلق برأي الجهات العليا وحدها فلا داعي لما سبق، ولتتخذ قرارها بشفافية ووضوح، ولتتحمل مسؤوليتها فيه، ويكون مؤشر صوابه أو خطئه في كونه حل مشكلات الأرخبيل، ولبى مطالب المواطنين فيه، أو عكس ذلك، وهذا ما سيحدده المواطنون أنفسهم. أما إذا كان هناك مكان فعلا لآراء السقاطرة -وهذ هو الأساس- فالأصل أن تنزل مقترحات واضحة ومحددة تتم على إثرها لقاءات موسعة مع مختلف شرائح المجتمع: مشايخ، موظفين، رجالا، نساء، طلابا، أحزابا... الخ، وتبقى السلطة ملزمة بعد ذلك بتوصيات المواطنين في سقطرى وعبدالكوري وسمحة؛ حيث أنهم المستفيدون أو الخاسرون من الأمر، وإلا فإنه وفي عهد الديمقراطية واللامركزية فأي قرار يتعلق بالمواطنين ولم يشاركوا فيه ولم يتوافق مع قناعاتهم ويتعلق بنمط وطريقة إدارتهم فهم غير ملزمين بقبوله، ولهم الحق في المراجعة والمناقشة والمطالبة بإلغائه أو تعديله أو رفضه إذا لزم الأمر وبالطرق التي كفلها لهم الدستور.
وأخيرا، إذا ما تم التوافق على نمط إداري معين، محافظة أو هيئة أو أي وضع آخر، ليس هذا هو المهم بقدر أهمية أن تكون هناك حلول جذرية تصاحب ذلك الوضع الإداري الجديد لمشكلات الأرخبيل المزمنة والمتمثلة بنقص المواد الغذائية ومواد الوقود وتردي الخدمات بشكل عام، وألاَّ يكون هناك انتقاص من حرية المواطن في اختيار طريقة إدارته ومن يديره، وألاَّ تشهد سقطرى تراجعا عن الديمقراطية واللامركزية تحت أي مبرر. نريد سقطرى خالية تماما من شيء اسمه اختفاء الغاز ونفاد الديزل وانعدام الدقيق. نريد سقطرى يتعلم أبناؤنا فيها مثل بقية خلق الله، نريد مستشفى للعلاج لا للتسفير! نريد كهرباء وماء غير منقطعين، نريد وظائف بالمطلوب لا بالتقطير، وكل اثنين بواحدة وإلى المحكمة.