شهيداً في سبيل «الفيد»! - إب

شهيداً في سبيل «الفيد»! - إب - إبراهيم البعداني

كان عصام المشرقي يشاهد -عبر التلفاز- المجازر والمذابح التي تعرض لها أبناء مدينة غزة على يد الصهاينة. كان يشتط غضبا حين يرى الناس هناك ينتشلون من تحت ركام المنازل بفعل آلة القصف الإسرائيلي. أراد عصام في أحد أيام غزة الدامية أن يبوح لأمه بسر، إنه يتمنى أن يموت شهيداً كأبطال غزة.
عصام، ذو ال19 عاماً، خريج الثانوية العامة، الطامح للشهادة في سبيل الله، من أسرة ريفية فقيرة، وشاب نشيط، وعامل بسيط يعمل في البناء، وتارة في فلاحة الأرض.
الأسبوع الفائت حصل عصام على عرض عمل من أحد ملاك الأراضي يقتضي قيام عصام بإصلاح جدار للأرض الواقعة في منطقة وادي اللحج بمدينة إب.
استيقظ عصام باكراً ليباشر عمله حاملا معه أدوات العمل. حين وصل إلى الأرض وجد أن صاحب العمل قد سبقه إلى هناك برفقة طقم عسكري يتبع الشرطة العسكرية. وحين استفسر (عصام) عن سر وجود العسكر هنا أجابه صاحب العمل: كي يحموا الأرض! ليتضح له بعد دقائق من وصوله أن هناك مشاكل على هذه الأرض، وأن الشرطة متواجدة لحماية الأرض من أي اعتداء. "لا تشغل نفسك (يقول صاحب العمل لعصام) اشتغل، الشرطة موجودة والدنيا أمان".
بدأ عصام يعمل في تلك الأرض بحماس شديد، تاركاً مشاكل الأرض جانباً، فهي لا تعنيه؛ "يسدوا!". كان الوقت يمر وعصام منهمك في عمله، ورجال الشرطة يحتسون الشاي، ويشعلون السجائر، ويلهون مع بعضهم في انتظار وقت الغداء والقات، فهم جاءوا لحراسة الأرض بطلب من صاحب العمل،
حسب مصادر أمنية خاصة، وليست أوامر من الشرطة العسكرية. المصادر ذاتها أكدت أن صاحب العمل اتفق مع أحد ضباط الشرطة العسكرية على توفير حماية لأرضه مقابل دفعه مبالغ مالية لهم نظير تلك الحماية.
كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة ظهراً، والمكان خاليا إلا من: عصام، عسكر الشرطة، وصاحب العمل. وبدأ الملل كعادته يؤرق عساكر الشرطة الذين كانوا على هذه الحالة منذُ أسبوع، ليس لهم من عمل سوى المكوث في تلك الأرض لغرض الحماية! ربما وجدوا أن مكوثهم في أرض خالية هو أشبه بسجن، رغم مساحتها الواسعة وهواءها الطلق. كان الجنود يتثاءبون من شدة الملل والفراغ الذي كاد أن يقتلهم. فجأة انتفض العسكر بسرعة البرق، كلاًّ يهم بإمساك سلاحه، ثمة شيء أيقظهم من غفوتهم، وجعلهم يتخبطون في مكانهم. كان ذاك بعض طلقات نارية انطلقت في الجوار أفزعت خلوتهم، بدأ العسكر يطاردون بنظراتهم وآذانهم مصدر صوت الرصاص والجهة التي أطلقت الرصاص.
في هذه الأوقات كان عصام هو الآخر في حيرة من أمره كون الرصاص أطلق باتجاه الأرض، تحديدا استهدف الموقع الذي كان عصام يعمل به.
تقدم عصام مسرعاً نحو أفراد الشرطة ليحظى بالأمان وحماية الشرطة التي قرأ عنها ذات يوم أنها في خدمة الشعب. وقبل أن يصل إلى أفراد الشرطة سبقته طلقة رصاص قاتلة سكنت في رقبته وألقته أرضا من قبل مجموعة مسلحة تتبع الطرف الثاني في النزاع على الأرض. كانوا أكثر من تسعة مسلحين، نفذوا مهمتهم التي تلت عصام، وفروا مسرعين أمام ذهول أفراد الشرطة الذين عجزوا عن مواجهة الجناة أو تعقبهم، واكتفوا بنقل عصام إلى مستشفى الثورة محاولين إنقاذه، وصل عصام جثة هامدة إلى المستشفى عجز الأطباء عن إنقاذه؛ كون الرصاصة استقرت في رقبته، فلم يكن لديهم إلا انتظار وفاته.
مرت خمسة أيام وعصام في غيبوبة في العناية المركزة، وبعد معرفة أهله وأقربائه بوفاته تجمعوا جميعا إلى باحة المستشفى وحملوه على الأكتاف في مشهد يشبه حمل الشهداء في غزة، واستقروا به في ثلاجة الموتى التابعة للمستشفى.
مر أكثر من أسبوع على مقتل عصام المشرقي، والجناة فارون من وجه العدالة.
المذكرة التي وجهها مدير أمن المحافظة، العميد ناصر الطهيف، إلى وزير الداخلية، وحصلت "النداء" على نسخة منها، أكدت أن الجناة الذين تسببوا في مقتل عصام كانوا يستقلون سيارة صالون "لكسس" رصاصية اللون تحمل لوحة معدنية رقم 25026/2 خصوصي. وأضافت المذكرة أنه من خلال البحث والتحري اتضح أن المتهمين بقتل عصام هم عادل احمد حسين الصوفي، وعبدالكريم الصوفي، وجميل احمد حسين الصوفي، وعرفات الصوفي، وأنهم من "ممسى" الصوفي - مديرية حبيش.
وأضافت أيضا أن أمن المحافظة تواصل مع مدير أمن حبيش للعمل على ضبطهم، والذي أفاد بأن الجناة فروا إلى صنعاء واستقروا عند الشيخ بكيل ناجي الصوفي، عضو مجلس النواب. وطلبت المذكرة إلزام الشيخ الصوفي تسليم الجناة وإيصالهم إلى أمن محافظة إب.
وما زالوا هناك حتى الآن.