تحديث مجتمع مكتظ بالمبادرات

تحديث مجتمع مكتظ بالمبادرات - منى صفوان

تزداد تموجات الرمية الأخيرة في البركة الراكدة اتساعا. ولكون توقيت الرمية جاء قبيل الانتخابات، فهي قد وفرت أن يمر إيقاع الانتخاب ببهوت النسق ذاته.
إن ظهور مبادرة جديدة في الوسط السياسي هي "مبادرة التحديث والتنمية"، وهو الاسم المتداول حاليا لفكرة، بدأت فكرة، ويجري العمل عليها حتى لا تنهي كذلك، أكد أن تلك البركة كانت فقط تنتظر رمية صغيرة.
فبقاء دائرة العمل السياسي معزولة عن المطالب الاجتماعية، أهلها أكثر للانغلاق حول نفسها وانحصار أزماتها لجعلها سببا لخنقها، وسببا آخر لقلة تعويل الناس الأغلبية على دائرة التأثير السياسي في قدرتها على تغيير نمط حياتهم.
لذا سهل الحديث عن أن الأحزاب كدائرة مغلقة أسقطت دورها الاجتماعي واكتفت بمهمة ممارسة دور سياسي، بعيد عن أي تشعبات أخرى؛ مما جعل الأمر يبدو دائما أنها تتخلى عن حياة الناس البسيطة، وتظهر مطالب هذه الحياة مطالب تافهة في تفصيلاتها، وكأن السياسة ما هي إلا فعل للكبار ولأهداف كبيرة، وعلى الانتخابات أن تجري لمواءمة هذه المطالب الكبيرة، لذا قد لا يعول الناس العاديون على الحدث الانتخابي، فليس هو الحدث الذي سيحسن نمط حياتهم.
كما أن كثيرا من الناس "غير العاديين" أسقطوا أيضا ورقة الأحزاب، فمطالب كبيرة أيضا، مثل المشاركة السياسية للنساء، لم تجتهد بها الأحزاب وبقيت ورقة مهملة، زاد من حنق النسويين. كما أن قضايا انتهاك كثيرة بقي الدور السلبي للأحزاب سببا لسخط النخب عليها؛ ليكون ملائما أن أشخاصا آخرين "غير عاديين" فضلوا الانسحاب، متأخرا، من دائرة السياسة الحزبية، وابتكار دائرة سياسية أخرى غير حزبية، بالتالي عليها الاهتمام بما لم تهتم به الأحزاب وبما اهتمت به. لذا يمكن الحديث عن وجود أحزاب دون إكسسوارها الشعبي.
وجاء انحصار هذه الدائرة الجديدة في مبادرة أطلقت، فكانت تجربة محتملة لتكون مهمة إنقاذ لدائرة جديدة كانت قد بدأت في التشكل، دون أن يوجد لها إطار محدد ومسمى يجمعها، مع أنه جمعها همها الواحد وسخطها المشترك؛ لتتشكل بسرعة ملامح الدائرة الجديدة، والتي كانت جاهزة بحسب رؤية كل صاحب فكرة، لتظهر أنها مولعة بالتفاصيل وبعيدة عن التعميمات، لدرجة أنها غرقت في التفاصيل، التي لم يجر الاهتمام بها من قبل على مستوى عال.
إن حدوث التفاف سريع حول فكرة أطلقت، وتشكيل دائرة صغيرة تكبر بحذر، يؤكد أن الفراغ الذي كان موجودا كان الكل يفكر في كيفية العمل فيه. وكون من داخل الدائرة بلا خبرة للطريقة التي عليهم العمل فيها، فإن هذا لا يعني أن الوقت سيأخذ مداه لتشكيل هذه الخبرة التي تحاول الاستناد إلى أدبيات وتجارب مشابهة، وتحدث مكتبتها الخاصة، وتسترجع عملها الاجتماعي في تحالفات وتشكيلات مشابهة كانت لها أهداف تتلخص تحت هدف واحد هو ببساطة: التغيير.
التغيير هذه المرة سيكون عمليا، من خلال الزخم الانتخابي، ليكون نقطه للاختبار، ونقطة للبداية، فجيوب التحديث في المجتمع، والتي بقيت دون إطار يجمعها أو يحتويها، بقيت بعيدة غير مؤثرة على المجريات العامة وحياة الناس البسطاء التي أيضا تحتاج للتغيير، والتي بقيت تمارس عاداتها التحديثية بمعزل عن المجتمع، وخلقت لنفسها دائرة خاصة، ومجتمع جديد، لكنه معزول.
ولكن من أولويات أدوارها العامة تعميم تجربة الحداثة كما تود لها أن تكون في اليمن، وتحديث المجتمع اليمني لن يكون بفعل غير سياسي، أو بمعزل عن مجريات السياسة، فالسياسة في قلبها مشروع حداثي.
وكانت الجولة التي خسرتها الأحزاب هي الجولة التي تخلت فيها عن مشروعها الحداثي، ليسأل عما إن كان تحالف الأحزاب اليوم في اللقاء المشترك قد خدم التجربة الحداثية التي كانت تتشكل بخجل، وجرى بعد ذلك استهداف منظم لها وعمليات اغتيال مدروسة لها.
فالمشترك تحديدا كان معنيا، لأنه لا يضم قوى تقليدية فقط، وأحزاب نمطية، بل يضم الحزب الاشتراكي، مهندس هذا اللقاء.
الاشتراكي داعم النساء سابقا، الاشتراكي حليف العمال سابقا، الاشتراكي صديق الأسرة سابقا، الاشتراكي الوحيد صاحب التجربة الحداثية سابقا، الوحيد صاحب القانون الاجتماعي المنصف الذي كان سابقا لعصره، الوحيد صاحب سابقة الدولة والقانون، والوحيد الذي في سيرته الحزبية يروى أنه يوما ما كان هناك يمن مختلف عما نعيشه الآن.
ليكون كل هذا سابقا، وحاليا هو فقط عليه أن يتقبل سؤالا فجا مطروحا دائما: هل لبس الاشتراكي العباءة والعمة الإسلامية؟
ففي تحالفه مع الإصلاح، الذي هندس له جار الله عمر، بدا أن هذا اللقاء يعود باليمن إلى الخلف! فهل اجتهد الاشتراكيون في الحفاظ على إرث المشترك طوال هذه السنوات ليتخلوا ببطء عن قوى التغيير والتحديث في اليمن! وتصبح النخب المثقفة والناشطون الحقوقيون، والصحفيون والكتاب أصحاب الرؤى المغيرة، دون حزب يحمي توجههم!؟ وهل هذا هو ذاته اللقاء المشترك الذي هندس له جار الله عمر!!؟ أم أن تجربته الحداثية سقطت بسقوط جار الله؟
سقوط الاشتراكي في حضن المشترك، أسقط احتمال إحياء مبادرة حرية وتحديث وتنمية عصرية يقودها حزب يساري، وقبل ذلك كانت قد سقطت الكثير من المشاريع الحداثية، والمبادرات؛ مبادرات لمثقفين قبل أن تكون لسياسيين.
ومن دائرة السخط والإحباط التي بقيت فيها طويلا مبادرات تفصل بين ما هو للسياسي وما هو للمثقف، أنتجت مؤخرا دائرة عمل صغيرة، تحاول إخراج مبادرتها من كونها فقط مجرد مبادرة.
وهنا يتحدد تماما أنه فقط كان ينقص لتحريك ردود عملية أن يطلق أحدهم فكرة، وإن بدأت برسالة موبايل نبيل الصوفي.
لقد كان كل شيء مستعد، وينتظر، وإن لم يكن جاهزا تماما. والعمل الآن هو مع باقة من الاستعدادات فقط، فلا توجد تجهيزات، وأي مبادرة للتحديث والتنمية والحرية، لا تحتاج أكثر من التجهيزات، والتي إن لم تسعفها الاستعدادات سريعا ستبقى المبادرة فقط مبادرة حركت البركة ولم تصل حلقتها لليابسة لتحدث فرقا.
monasafwanMail