الصحافيون بين الحرية والمزيد من القيود

الصحافيون بين الحرية والمزيد من القيود - أمين محمد شرف

من المتعارف عليه أن مواثيق الشرف الصحافية هي عبارة عن جملة من القواعد الأدبية والاخلاقية التي تكرس حرية الصحافة، والهدف من ورائها تكوين ضمائر مبدئية للصحافيين معززة بشرف الكلمة ومصداقيتها. لكن ما ورد في مشروع ميثاق الشرف الصحافي الذي قدمته نقابة الصحافيين اليمنيين هو جملة من الإجراءات والمحاذير القانونية الجديدة المقيدة لحرية الصحافي ونشاطه والتي تضاف إلى القانون رقم (25) لسنة 1990م المنظم لعمل الصحف والصحافيين. وقد بادرت لتسجيل جملة من الملاحظات على هذا المشروع المطروح للنقاش الذي ينبغي أن يكون مفتوحاً وغير مغلق، باعتبار أن الصحافة الحرة لا تهم فقط الصحافيين وأصحاب الصحف، ولكنها تهم المجتمع بأكمله باعتبارها ركناً من أركان النظام الديمقراطي، ولكي لا تقع حرية الصحافة أسيرة لمزيد من القيود تحت دعاوى ظاهرها الرحمة وباطنها العبودية.
أولاً: الملاحظات العامة:
1 - احتوى مشروع الميثاق على مبادئ ومواد هي من اختصاص قانون الصحافة والدراسات الصحافية الأكاديمية، ولا يليق بميثاق الشرف الصحافي أن يكون موضعاً لها، ككيفية إعداد التقارير والاخبار والتحقيقات الصحافية ومنع التعرض بالنقد للقادة بدون إثباتات.
2- تضمن مشروع الميثاق مساحة كبيرة لما أطلق عليه «المجلس التأديبي»، وهو ما يشير إلى أن النقابة القادمة ستحاسب الصحافيين على ضوء دعاوى، ربما تكون كيدية، وهي بهذا تمنح نفسها حقوقاً هي من اختصاص القضاء.
والاكثر غرابة في هذا المجلس هو كيفية تكوينه، فمشروع الميثاق يشير إلى أن ثلاثة من أعضائه سيمثلون المجتمع المدني، ولا نعرف أي مجتمع مدني هذا الذي يتحدث عنه المشروع! هل هو المجتمع المدني الخاص بالسلطة أم المعارضة؟! وزيادة في امتهان كرامة الصحافي فإن ما ورد في الفقرة الثالثة عشرة من الضوابط الخاصة بالمجلس التأديبي التأكيد أن من حق المتظلم ضد الصحافي ألاّ يكشف عن هويته». وانظروا إلى استخدام كلمة «المتظلم»، فهي تعني تحيز النقابة من الآن ضد الصحافيين.
3- الملاحظ أن مشروع الميثاق قد تمت صياغته وإنزاله على عجل، والدليل ما ورد فيه من تفكك وعدم ترابط في الموضوعات التي يتناولها.
أيها السادة، كان يمكن لكم التروي في مراجعة مشروع الميثاق وعدم إنزاله بتلك الصورة التي تدعو إلى الرثاء.
4- كما أن مشروع الميثاق قد نص على «تشكيل» و«تعيين» أعضاء المجلس التأديبي، ولم يشر إلى انتخاب اعضاء المجلس التأديبي، إلا فيما يتعلق برئيس المجلس.
ثانياً: الملاحظات الخاصة بمضمون الميثاق:
1 - يمكن الاستغناء عن السطرين الأخيرين من الفقرة الثانية التي تقول إن «الديمقراطية ومهنة الصحافة تعتنق فكرة الاندماج وترفض فكرة الاستبعاد، تشجع النقاش الحر والمفتوح لاهتمامات المواطنين، ولا تؤمن بالنظرة المنغلقة والاستبعادية إلى العالم؛ لأنها تكرار لما ورد في الجزء الأول من الفقرة التي جاءت بعنوان «غرض النقابة» وكان من المفروض أن تأتي الفقرة تحت عنوان «أهداف النقابة» بدلاً من «غرض النقابة».
2 - فيما يتعلق بالفقرة الثالثة، يمكن الاستغناء عنها جملة وتفصيلا، لأنها تتعلق بكيفية إعداد التقارير الإخبارية، وهذه موقعها كلية الإعلام والمعاهد الصحافية.
3 - أما بالنسبة للفقرة الرابعة فيمكن صياغتها بالطريقة التالية:
«يلتزم الصحافيون باحترام الرأي الآخر في صفوفهم، انطلاقاً من قول رسول الرحمة صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اختلاف أمتي رحمة؛ واستناداً إلى قول الكاتب الفرنسي فولتير: قد اختلف معك في الرأي ولكنني على استعداد للتضحية من أجل أن تمارس حقك في إبداء رأيك».
4 - المواد التي جاءت بعنوان «مبادئ توجيهية لميثاق الشرف» من المادة (1) وحتى المادة (9) لا ينبغي أن تذكر، لأن موقعها القانون والدراسات الأكاديمية وكان قانون (25) لسنة 1990 قد اشتمل على بعضها.
5 - المادة العاشرة التي تقول: «لا يجوز للصحافيين أن يقبلوا على الإطلاق أية أموال أو رشوة أو خدمة مقابل تغطية إخبارية كانت أو سلبية أو إهمال تغطية إخبارية» ينبغي أن تصاغ من وجهة نظري بالطريقة الآتية:
«لا يجوز للصحافيين قبول الرشاوى أو أية منافع مادية مقابل أدائهم لواجباتهم».
6 - المواد من (11) وحتى (17) هي من اختصاص القانون والقضاء وليس ميثاق الشرف الصحافي.
7 - كل ما يتعلق بالمجلس التأديبي ينبغي أن يحذف، ولا لزوم لمجلس تأديبي في النقابة، لأنه يتنافى مع جوهر عمل النقابة القائم على مبدأ الدفاع عن حقوق الأعضاء المنتسبين للنقابة، إضافة إلى أن القضاء هو المؤدب للجميع وعلى الصحافيين أن يدافعوا عن سلطة القضاء واستقلاليته وضرورته لبناء الدولة المدنية الحديثة ومن واجب النقابة التضامن مع زملاء المهنة سواء كانوا على حق أم وقعوا في الخطأ، حتى يقول القضاء المستقل والنزيه كلمته الأخيرة والفاصلة.
وقد تغافل مشروع الميثاق عن قضايا أساسية وهامة ترد في كثير من المواثيق النقابية بصورة بنود، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
- الدفاع عن حرية التعبير وأهمية الصحافة الحرة ومبدأ حرية الكلمة في بناء المجتمعات من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- التزام كل الاعضاء المنضوين في عضوية النقابة بالتضامن مع زملائهم من أجل الحصول على حقوقهم المادية والادبية سواء في مؤسسات القطاع العام أم في القطاع الأهلي والخاص، ولو كانوا يختلفون معهم في رؤاهم واتجاهاتهم الفكرية.
- الإعلاء من شأن القيم الديمقراطية وفي مقدمتها الانتخابات الحرة والنزيهة وحرية تدفق المعلومات.
- الدفاع عن حقوق الانسان المنصوص عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية.
- دعم جهود بناء دولة القانون واستقلالية القضاء ورفض التدخل في شؤونه والوقوف ضد إنشاء المحاكم الاستثنائية والعرفية.
- وضع سيادة الوطن وتنميته وكرامة المواطن اليمني في مقدمة اهتمامات الصحافيين الاعضاء في النقابة.