البنك المركزي فساد المسؤولية وضعف الأداء

البنك المركزي فساد المسؤولية وضعف الأداء - عبدالسلام الأثوري

في 2005 اتخذ البنك المركزي اليمني قرارا بتصفية البنك الوطني بعد أن وصل به الحال إلى حالة الإفلاس، وتقييم طبيعة المشكلة حينها التي تسببت في انهيار البنك والمتمثلة بفساد الإدارة وعبثها التي تسببت في ضياع أموال المودعين والمساهمين، ووقع في عدة مشكلات تمويلية وإدارية، وارتكب العديد من المخالفات المالية والفنية والقانونية، وكان أكثر جرأة على مخالفة ضوابط وقواعد وأحكام النظام والقانون المصرفيين. ومشكلة البنك لم تكن وليدة تلك الفترة، بل كانت منذ سنوات. وكان تقرير للبنك المركزي قد أوضح في 2001 أن البنك الوطني يعاني من أوضاع سيئة، ونصح حينها بالتدخل لتصفية البنك، لكن البنك المركزي تغاضى عن مسؤوليته وجعل البنك يواصل نشاطه دون أن يدرك الناس والمودعون حقيقة البنك وأودعوا أموالهم في البنك على ضمانة رقابة البنك المركزي ومسؤوليته والموافقة على تلك الميزانيات التي كانت تنشر وتظهر البنك في مستوى ناجح.
ظل البنك المركزي اليمني في موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يهمه رغم مسؤوليته التي يدعيها، أنه مسؤول عن حماية ودائع الناس، واكتفى بتوجيه التحذيرات فقط رغم توفره على صلاحيات واسعة تعطيه الحق في التدخل لمنع وصول أي بنك إلى الانهيار من خلال منع فساد الإدارات المتحكمة في البنوك ومشكلة البنك المركزي لا يطبق قانون البنوك فقد تساهل في تجاوز قانون البنوك في منع تركز الملكية والأسهم في البنوك ومنع تضارب المصالح من خلال منع الجمع بين الملكية والإدارة، فقد سمح وتغاضى -بصورة تحمله المسؤولية- عن تحويل البنوك إلى بنوك عائلية تتحكم العائلات على ما يزيد في بعض البنوك على 50% من ملكية تلك البنوك وتحولت تلك البنوك إلى مصارف خاصة لتمويل أعمال وشركات خاصة لمالكي البنوك والتلاعب بأموال المودعين المعتمدين على مسؤولية البنك المركزي.
عندما أصدر البنك المركزي تقريرا عن واقع البنك الوطني في 2001 يحدد ضرورة التدخل لوضع اليد على البنك وأن البنك في حالة إفلاس، فلم يقم البنك المركزي بمسؤوليته القانونية، ومع ذلك سمح للبنك بالاستمرار في استقبال ودائع الناس، معتمدين على شهادة البنك على ميزانيات البنك التي كانت تظهر البنك في وضع جيد حتى وصل إلى مستوى الانهيار الحقيقي ليكتشف الناس المودعون أن البنك المركزي كان يساهم في التدليس عليهم وإخفاء حقائق البنك ليتسبب بضياع أموال المودعين، وهذا إنما يعكس طبيعة الفساد والضعف المسيطر على البنك المركزي وقيادته وعناصره التي لم تعد في مستوى الأمانة والمسؤولية، فلم يجرؤ على حسم الموقف، وإنفاذ واجبه، والتدخل في الوقت المناسب وإنقاذ هذا البنك المنهار من استهتار قيادته، ومن ثمة حماية أموال المودعين وصغار المدخرين، وما سيترتب على هذا الاستهتار من مغبات التأثير السلبي على كامل النظام المصرفي، وعلى أمن واستقرار الاقتصاد.
وتلك الحقائق التي أخفاها البنك المركزي عن البنك الوطني يخفيها اليوم عن العديد من البنوك الآيلة للانهيار. فهناك عدد من البنوك مرشحة للانهيار لولا إخفاء البنك المركزي لحقائق الواقع عن تلك البنوك التي يتغاضى كثيرا عن اختلالاتها التي تضع أموال الناس على كف عفريت، نتيجة قيام مجالس الإدارة في بعضها بتحويل أموال البنوك لصالح شركاتهم وممارسة الإدارة فيها كإدارة الدكاكين وأحواش الخردة والأخشاب، وهو أمر تساهل فيه البنك المركزي في مخالفة القوانين والأنظمة المصرفية، فالجمع بين الملكية والإدارة كالجمع بين الأختين، ويعتبر من أخطر المخاطر على البنوك والشركات المساهمة وهي أخبث، وأخطر عوامل الضعف والخطر التي تتربص بأمن واستقرار الاقتصاديات الوطنية، ونمو البنوك، فالجمع بين "الأختين" خطير، شديد الوبال والخطر والتبعات، على دور ووظيفة البنوك من ناحية، حيث يسيطر القرار الشخصي الواحد على سلامة القرار الإداري والاستثماري والفني، وينحاز إلى دعم المصالح والمنافع الخاصة بالملاك، وثانياً التضحية بالأسس والقواعد والضوابط الفنية ودرجة الأمان والأمن والسلامة المالية والاقتصادية، ويحول ثالثاً دون الخلق والإبداع ورفع الكفاءة الكلية الإدارية الإدخارية والاستثمارية للبنك، ورابعاً يميل القرار إلى المحاباة والمجاملة والشللية والفساد والإفساد، وخامساً السيطرة المطلقة على موارد البنك وأموال المودعين والمستثمرين، والمتاجرة بها والتفريط بها وتعريضها للخطر دون أن تقابلها ضمانات وضوابط من الحفظ، والصون والحماية، وسادساً وأخيراً فإن ذلك الجمع الغريب والخطير ينتج نظاماً معلوماتياً يفتقر إلى الإفصاح والشفافية، ويعمل على تحوير المعلومات والبيانات والنتائج، ولا يساعد من ثم على إقامة نظام كفؤ من الرقابة المالية والمحاسبية الداخلية والخارجية.
إن استفحال هذه المخاطر عادة ما تكون مرتبطة بضعف الدور الرقابي والمحاسبي للبنك المركزي وعدم قدرته أو محدودية صلاحياته في معالجة مثل هذه الاختلالات والتجاوزات والمخالفات من قبل البعض لقانون البنوك والقواعد المصرفية المعتمدة والتي تمكنه من حماية أموال المودعين والمساهمين وتعزيز الثقة بالعمل المصرفي الذي يحفز المواطنين علي الادخار في هذه البنوك وإيجاد السياسات التي تساعد على توجيه الادخارات في النشاطات الاقتصادية المنتجة والمحققة لنمو الموارد من الإنتاج التصديري والخدمات لتعزيز قوة السياسة النقدية والاستقرار الاقتصادي.
 فقيادة البنك المركزي ومسؤولوه لم يعودا على مستوى القدرة والكفاءة في تطوير القطاع المصرفي والرقابة عليه ولا تمتلك روية منهجية تمكنه من تجاوز إشكاليات استثمار أموال وودائع البنوك. كما أنه لا يمتلك قدرات منهجية أيضا لتجاوز واقع وإشكاليات السياسة النقدية الانكماشية وتصاعد المديونية الداخلية الناتجة من إجراءات أذون الخزانة وتجميد الأموال وعدم توظيفها في الأنشطة الاقتصادية المنتجة. كما أن طبيعة العلاقة بين البنك المركزي والبنوك الأخرى أصبح جزء كبير منها يحكمه تفشي علاقات فساد بين موظفي البنك المركزي مع البنوك الأخرى والتي تساعد على تفشي واستمرار تلك المخالفات والتجاوزات والتحايلات وغيرها من الممارسات المؤثرة على نشاط البنوك والتي تحولت إلى بنوك عائلية تستغل أموال الناس وتوظيفها لصالح الفئة القائمة عليها والمتحكمة بإدارتها ولا تجد ضوابط أو إلزامات حقيقية مما يؤدي في الأخير إلى انهيار بعض البنوك كما حدث للبنك الوطني أو تتقوى على حساب الاقتصاد الوطني ولصالح تركيز الأموال للقلة أو النخبة.
إن البنوك بهذا الواقع معرضة لمخاطر كبيرة إذا استمر الوضع دون إصلاحات فعلية وشفافة تحدد فيها نوعية الملكية وإجراءات التسيير ومدى انضباط الإدارات في الالتزام بضوابط العمل المصرفي القانونية، وخاصة أن البنوك أصبحت تستقبل ودائع ضخمة تجاوزت 1100 مليار ريال تحمل الاقتصاد الوطني ما يزيد عن 140 مليار ريال كفوائد تذهب لنسبة بسيطة من المواطنين المالكين لتلك الودائع والذين لا يتجاوز عددهم 200 ألف مواطن بين تجار ومسؤولين وقضاة ومضاربي أراض، وقلة من محدودي الدخل ومغتربين، ولا يتم توظيف تلك الأموال في التنمية الاقتصادية، فالغالب في نشاط البنوك يقوم على تمويل التجارة الاستيرادية ومحدود الأنشطة التمويلية للاستثمار، الأمر الذي يفقد الاقتصاد الوطني الفائدة الاقتصادية لتلك الأموال، كما أن هناك احتياطات مالية حكومية دولية تجاوزت 7.5 مليار$ وأغلبها مودعة بالدولار، وتفقد نسبة من قيمتها بين وقت لآخر بسبب تركز الاحتياطيات الخارجية بعملة الدولار الذي عرف خلال العامين الماضين تراجعا في قيمته أمام العملات الأخرى ما يزيد عن 30% وهذا عكس نفسه أيضا على خسارة اقتصادية علينا بالنسبة نفسها، وهناك أموال تتجاوز ملياري دولار للبنوك اليمنية موظفة لدى البنوك في الخارج.
البنوك اليمنية للأسف لا تتملك أدوات لتوظيف الأموال واستثمارها وتمويل الأنشطة الاستثمارية الداخلية، فأغلب الأنشطة التي تعمل من خلالها البنوك يقوم على توظيف تلك الأموال في شراء أذون الخزانة أو في جوانب الائتمانات التجارية وتتميز بضعف واسع للأنشطة الاستثمارية، الأمر الذي يتسبب في مضاعفة المشكلة الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخمات ومحدودية مساهمة القطاع المصرفي في الناتج القومي نتيجة تحول الأموال إلى أنشطة غير منتجة أو توجيهها للاستثمارات الخارجية حيث تقوم تلك البنوك في تحويل تلك الودائع إلى عملات صعبة وتشغلها في استثمارات خارجية أو ودائع لدى البنوك الأجنبية ولا يستفيد الاقتصاد الوطني منها إلا بحدود بسيطة لا تعبر عن الوظيفة الاقتصادية لها كمحرك للنشاط الاقتصادي الاستثماري والإنتاجي، فالغالب عليها هي الائتمانات التجارية، والتجارة لا تساعد على تحقيق النمو الاقتصادي للناتج المحلي ولا للتنمية الإنتاجية المحققة لفرص العمل والمولدة للثروة الاقتصادية وفرص العمل.