الصحافة المغضوب عليها في المبادرة الرئاسية

الصحافة المغضوب عليها في المبادرة الرئاسية - سامي غالب

تقدم المبادرات الإصلاحية الرائجة هذه الأيام، برهاناً جديداً على المكانة المتأخرة للصحافة في إدراك النخبة السياسية في الحكم وفي المعارضة.
 لا مكان للصحافة في المبادرة الرئاسية بكل ما ولدته من مواقف وتوقعات داخل المنظومة السياسية والمدنية في اليمن. ولئن جاء ذكرها في بيان المشترك بشأن المبادرة الرئاسية، ففي سياق النقد الحاد لما يبثه الاعلام الرسمي (الحكومي) من تعريض بالمعارضين وبالحركة الاحتجاجية السلمية في المحافظات. ولا يذهب المشترك إلى أبعد من هذا الموقف السلبي، على عدالته.
 صحيح أن الحكم والمعارضة كانا اتفقا في وثيقة الحوار الموقعة بينهما الصيف الماضي على إدراج مشروع قانون الصحافة (الحكومي) كبند في أجندة الحوار، لكن المشروع الكارثي بالروحية التي صيغ بها وانبثت في «مواده السامة»، لا يصلح إطاراً ولا منطلقاً لحوار يؤدي الى حماية الهامش المحدود لحرية الصحافة، ناهيك عن تعزيز الوظيفة الديمقراطية للاعلام في زمن ما بعد المبادرة!
 الثابت إن الصحافة بما هي الموضع الأوهن في منظومة سياسية تحتكم للقوة والعصبيات، دفعت على الدوام جزءاً من فاتورة الأزمات والحروب الداخلية، وتم تعيينها كموضع لتفريج الاحتقانات والتوترات.
 الصحافة اليمنية، وبخاصة المستقلة والمعارضة، أول المغضوب عليهم في الأزمات، وأول الأضاحي في التسويات. وأهلها من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يأبه إليهم الأشداء، وإذا تم تمييزهم، فسلبياً كغيرهم من الفئات المهمشة في دولة الغلبة.
 الصحافة الحرة والمستقلة التي تواصل تقدمها حثيثاً لتكون فاعلاً ذا وقع وصدى، تخوض في اللحظة الراهنة حرباً على جبهتين: من أجل تأمين ما بقي من المكاسب التي تحققت لها غداة الوحدة اليمنية، وفي سبيل صد الغزوات المتلاحقة التي تستهدف أمن وسلامة الصحفيين.
 تفتقر الصحافة إلى سند حقيقي ومستدام داخل المنظومة السياسية. ولا عجب أن تخلو المبادرات والمبادرات المضادة من أية إشارة تفيد بأن أهل الحل والعقد يأخذون الصحافة في حسبانهم إذ يتوسلون تقديم أنفسهم في هيئة رجال دولة إصلاحيين.
 وإذ يحشد هؤلاء الدعاة الأدعياء ما بوسعهم من أزمات للتوكيد على أولوية الإصلاح، يتعامون عن الحصار المضروب على الصحافة وأهلها، ولا يبدر عنهم ما يفيد إدراكهم للميزة النسبية (الوحيدة على الأرجح) التي توفرها الصحافة المستقلة والمعارضة لليمن في محيطها الاقليمي.
 الأنكى أن حديث المبادرات الرائج في سوق السياسة يأتي بعد انتهاكات غير مسبوقة تؤشر على مشهد كابوسي قادم مستوحى من فظاعات الأنظمة العسكرية في امريكا اللاتينية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
 محنة الزميل عبدالكريم الخيواني شاهد على ذلك، فعلاوة على حالة الحصار التي يحياها منذ شهور، داخل السجن وخارجه، فإنه يواجه أحكاماً رهيبة في حال استمرت محاكمته الاستثنائية كإرهابي لا يتردد مطاردوه في التلويح بإمكان إعمال قانون «القتل المستهدف» الرائج في عالم ما بعد 11 سبتمبر.
 وبالمثل ينتظر الزملاء في صحيفة «الشارع» بعد عيد الفطر محكمة استثنائية سيمثلون أمامها بوصفهم متورطين في جرائم ضد أمن الدولة، لا باعتبارهم صحفيين وأصحاب رأي. وهذه سابقة خطيرة تقِّوض مصداقية أية مبادرات مشهرة، وتستجلب نقمة المجتمع الدولي على الدولة اليمنية.
 تجاهل الرئيس الصحافة، وتقاصر معارضوه في بيانهم عن الظهور -مجرد الظهور- كأنصار حقيقيين لحرية الصحافة المطوقة بالأحكام القضائية والحملات الأمنية، وهواة تكسير الأصابع!
 هذا التغاضي وذيَّاك التجاهل يقرران سلفاً مآل المبادرات، وبالأخص المبادرة الرئاسية.
 بكلمة واحدة فإن مصداقية حديث المبادرات رهن برفع الحصار عن الصحافة، وهذا يبدأ بإلغاء المحاكمات الاستثنائية التي تنتظر الزميل عبدالكريم الخيواني والزملاء في صحيفة «الشارع» المستقلة. ذلك ما ينتظره الصحفيون من رئيس الجمهورية فلعه يستدرك ما فاته في لقائه بمنظمات المجتمع المدني مساء غدٍ في مدينة تعز.