من يخالف القانون؟!

من يخالف القانون؟! - فوزي الجرادي

بمجرد أمر إداري من وزارة الداخلية إلى رجال الأمن، يتضمن منع حمل الأسلحة والتجول بها في العاصمة والمدن الرئيسية, رأينا اختفاء المظاهر المسلحة من الشوارع, وإغلاق أبواب السيارات الخلفية على مسلحيها.
إذاً، فقد نجحت حملة منع الأسلحة دون الحاجة إلى إصدار قوانين جديدة, أو توفير إمكانيات هائلة وظروف استثنائية تصل حد إعلان حالة الطوارئ، كما كان يصور الأمر من قبل الحكومة.
وبات الجنود وسيارات الشرطة قادرة على إيقاف سيارات المسلحين وتمنع دخولهم المدن, مستندة إلى قانون تنظيم حمل وحيازة الأسلحة وبالإمكانيات المتوفرة, وذلك بعد أن توفرت الإرادة السياسية فجأة لدى السلطة للحد من الظاهرة، وفي الوقت نفسه لقيت الإجراءات الأمنية تفاعلا ايجابيا من كافة شرائح المجتمع. وخلال شهر كامل لم تجد الأجهزة الأمنية صعوبة تذكر في تطبيق القرار, وأبدى الناس التزاماً كبيرا بالقانون, وذاك أمر يستحق التقدير والإشادة.
وقد حضرت –كصحفي– مؤتمر مجلس شورى مجلس التضامن الوطني, وتعرضت وسيارتي للتفتيش في نقطة أمنية مستحدثة أسوة بسيارات كثيرة كانت تقل المشاركين في المؤتمر ومعظمهم من كبار المشائخ والشخصيات الاجتماعية والسياسيين. ومع ذلك لم تسجل حادثة واحدة تشير إلى رفضهم التفتيش عن الأسلحة.
وهذا يدفعنا للتساؤل عن السبب الذي منع السلطة من تطبيق قانون الأسلحة الصادر عام 1992, وما الذي استجد اليوم كي تصحو الإرادة السياسية لتطبيقه بعد 15 عاما من التقاعس؟!
اللافت أن السلطة ظلت تلقي اللوم –عند كل اختلال امني– على مجلس النواب وتحمله مسؤولية تأخر إصدار قانون جديد لتنظيم السلاح. وبدوره البرلمان كان يرد بمطالبة الحكومة بتطبيق القانون النافذ أولا, ومن ثم البحث في تعديله وفقا لما قد يظهر عند تنفيذه على ارض الواقع.
المؤسف أن السلطة لم تستفد من نجاح الحملة في فرض هيبة القانون وتعزيز الأمن والاستقرار, لكنها عوضا عن ذلك استخدمت الحملة للكيد السياسي وحصد المكاسب الانتخابية, وقابلت امتثال الناس للنظام والقانون بجملة من الخروقات والمخالفات التي أفرغت الحملة من أي نجاح.
مثلاً: القانون يحظر التجول بالسلاح ويفرض غرامات بحق المخالفين, وخول الداخلية إصدار تصاريح للراغبين في حيازة أسلحة شخصية. وأجزم انه لو تم استيفاء الغرامات من المخالفين لاختفت الأسلحة منذ وقت بعيد.
لكن السلطة خالفت القانون حينما ألغت التصاريح الموجودة، وفي الوقت نفسه قررت مصادرة أي سلاح غير مرخص, وهي تعلم باحتواء اليمن على 50 مليون قطعة سلاح غير مرخصة, يصعب التحكم بها أو ترخيصها على المدى المنظور, خاصة ومعظمها في الأرياف, حيث يكمن التخلف وقلة الوعي القانوني.
الشيء الثاني: إننا نعلم أن الذي أجبر المواطن على حمل السلاح هو غياب الأمن, وهو ما لم تنجح في توفيره الحملة الأمنية الأخيرة, بدليل ارتكاب جريمة ثأر مؤخرا في سوق عنس بالعاصمة راح ضحيتها أحد مشائخ البيضاء (كان غير مسلح) ولم تفعل الأجهزة الأمنية شيئا لحمايته, كما لم تقم بملاحقة الجناة والقبض عليهم حتى الآن, مما ينذر باندلاع حرب دامية بين قبائل البيضاء لهذا السبب. ويبدو أنها (الأجهزة الأمنية) كانت منشغلة بملاحقة الصحفيين وبشن الحملات المتكررة على مؤسسة مدنية وتعليمية بحجم مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، واعتقال حراسها، رداً على منعهم نجل وكيل وزارة الداخلية من دخول المستشفى بجنبيته.
ومن ذلك أيضا قيام قائد الحرس الجمهوري بذمار ومرافقيه باعتقال أحد المواطنين واختطافه وتهديده بالقتل, إذ أظهر تبرما من ارتفاع الأسعار, وسخريته من "اليمن الجديد" الذي وعدنا به مرشح الحزب الحاكم قبل عاما مضى.
أخيرا: يفترض أن تؤدي الحملة واختفاء المظاهر المسلحة إلى تقلص مواكب الحماية لكبار المسؤولين بعد زوال أسبابها, لكن ما تزال تلك المواكب على ضخامتها, وهو ما يتناقض مع أسطورة التأييد الشعبي العارم لسلطة الأغلبية الساحقة.
إن هذه الانتهاكات المخالفة للقانون تمثل جريمة كبرى بحق الشعب الذي يدفع من قوت يومه لهؤلاء لكي يوفروا له الأمن, وليس الاعتداء عليه, لكنهم يعلمون أن العقاب لن يطالهم مهما ارتكبوا من خروقات وانتهاكات, بل إنهم سيحظون بالتقدير والمناصب العليا بما يتناسب وحجم انتهاكهم للقانون. متجاهلين أن استمرار إشعال تلك الحرائق الصغيرة, والتي مع انتشارها قد تتجمع وتصبح بركانا مدمرا يحرق الأخضر واليابس, يغذيه غياب القانون, وعجز القضاء, وفي ظل إصرار السلطة على تحييد العمل المؤسسي لصالح الشخصنة، ودونما أدنى اعتبار للدستور القابع في ردهات وزارة الشؤون القانونية وأرشيف دار الرئاسة.
[email protected]