نداء انساني: إعلام بحاجة إلى... (2)

نداء انساني: إعلام بحاجة إلى... (2) - هدى جعفر

كتبت في الأسبوع الماضي عن بعض المغالطات التي قدمها الاعلام، والاعلام العربي تحديدا، على شكل أفلام أو مسلسلات أو إعلانات  تجارية أو حتى أناشيد دينية. وهنا أكمل ما بدأته الاربعاء الماضي:
 في كثير من الأفلام العربية كثيرا ما يظهر البطل المثالي وهو يشرب الخمر كنوع من الهروب  بعد أن فقد وظيفته أو حبيبته. وهذه الصورة خطيرة في نقطتين الأولى: زعزعة ثقة المشاهد في المبادئ، لكونها تهاوت أمام أول عقبة، فنحن نرى البطل المثالي الخلوق الذي كان يتغنى بالمبادئ بمناسبة ودون مناسبة على غرار "ما فيش أحسن م الاستآمة) ثم وبعد الحادثة  نراه غائر العينين غير حليق وبجانبه قنينة الخمر البغيضة. والنقطة الخطيرة الاخرى  هي سد الأبواب أمام أي حل آخر لا يوقع الممثل في وهم المثالية الذي أيضا تفنن الاعلام في صياغته وغالبا ما تكون البطلة طبعا  فاتن حمامة، وكذلك لا يصدم المشاهد ويجعله مهزوز الثقة في مبادئ بطله المفضل!
 والصورة الثانية والتي تظهر غالبا في الإعلانات والأناشيد الدينية  هي ظهور الأب يقرأ الجريدة أو يستخدم الكمبيوتر، والأم دائما في المطبخ أو تقوم بكي الملابس أو تنشر الغسيل. وليس في العمل المنزلي ما يعيبها، بل على العكس تماما، فأنا أؤمن بشمولية وظائف المرأة، فالمرأة المثالية هي سيدة جميلة وطباخة ماهرة وموظفة نشيطة، ولكن حصر المرأة في العمل المنزلي فقط بينما أبواب العلم مفتوحة أمام الرجل، فيه الكثير من التنميط البغيض والظالم بشكل لا يرضي نوال سعداوي نهائيا. ومن الصور سيئة السمعة ايضا مشاهد عديدة  يظهر فيها الشباب -فتيان وفتيات- "يختالون في روض الشباب وبرده" كما يقول الشاعر محمد كوسا. بينما الجد أو الجدة (المتحجبة طبعا)، المريض الكئيب، يصلي أو يقرأ القرآن. والصورة واضحة هنا: العبادة للذي (رجله والقبر) ينما الماء والخضرة للشاب ذي الوجه الحسن. ومن الصور الإعلامية التي قدمتها لنا قريحة الإعلاميين التي تكذب ولا تتجمل هي صورة المتدين من قبل أحداث سبتمبر بعقود وقبل أن نسمع بالقاعدة أو الواقفة، حيث قدم المتدين بصورتين لا ثالثة لهما: الأولى هي: الساذج, القريب إلى البلاهة, الذي تجحظ عيناه في لحظات التجلي, ويرتدي ملابس رثة ويدور في الحواري حاملا مبخرة. وغالبا ما يحذر البطل الوسيم أو البطلة الجميلة من الصديق الفلاني أو الزوجة الفلانية، ويصدقه البطل غالبا لأنه رجل "بتاع ربنا". أما الصورة الثانية فهي: المتدين الفظ, عدو الحضارة والمدنية, الذي  يفتقر لأدنى قواعد اللياقة, غير المهندم, يرتدي ثوبا قصيرا وتمتد لحيته مترين إلى الأمام, حاد النظرات وكأنه عضو مافيا وليس متدينا وربما مكبوتا -جنسيا- كما قدمته إيناس الدغيدي في فيلم "ديسكو... ديسكو". وطبعا الواقع لا يخلو من هذه النماذج نهائيا، ولكن التعميم مرفوض جملة وتفصيلا، وأن تظهر هاتان الصورتان دون غيرهما لهو شيء غاية في السوء. إن الإعلام العربي كان وما زال كريما في أخطائه التي تتراوح ما بين الجنحة والجرائم التي يعاقب عليها قانون المنطق والذوق. وسواء رجع الإعلام إلى رشده أم لا، فما قدمه من مغالطات لا تعد ولا تحصى ولا تصحح  أيضا.
[email protected]