وأبين ترجّى حين تضطرب

وأبين ترجّى حين تضطرب - فضل علي مبارك

قالوا عنها قديماً: «أبين.. أرطب وألين» وخلد السيد الوحش ذكرها: «أبين بلاد الحاس والحسحاس». وفي سفر الكفاح المسلح ضد الإحتلال البريطاني شكلت الفتيل الذي أحرق معاقل الانجليز وأعوانهم، وظلت في منعطفات الثورة الرقم الصعب الذي لا يمكن لأي فصيل من الفصائل والأجنحة المتصارعة تجاهله؛ إذ أضحى أبناء أبين هم «زمام الحسم»، وهو الأمر الذي أدركه الرئيس علي عبدالله صالح في حربه مع خصومه من شركائه في وحدة 22 مايو، عندما تنافرت المصالح المتفق عليها بعد شهر العسل، فكان أن اشتعلت الحرب، وسعى صالح إلى كسب مجاميع كبيرة، عزف على وتر خصومتهم، وثأرهم المبيت من أحداث 13 يناير 1986، بعضهم ضد بعض فكانوا عنوان النصر في حرب يوليو. وهو الأمر الذين يدركه الرئيس والمحيطين به، حتى أنه لم يتردد قط بان يطلق على أبين «بوابة النصر». وتحكي وقائع النصر بذلك، لأن الآخرون من قوات الشرعية، صنعوا لأنفسهم بطولات من ورق سرعان ما ذرتها الرياح بعيداً عقب أن تكشفت حقائق زعمهم ومحاولتهم إلصاق النصر بهم.
لكن مشكلة الرئيس صالح بعد أن ظن استقرار الأمور، أن حاول «قصقصة» أجنحة أبين بالكثير من الإجراءات التي تدخل ضمن قاعدة «جزاء سنمار» وسعى ارتكازاً على إيهام مستشاريه ان يقوم بتنفيذ سياسة «دق الحجر بأختها» حيث عمل على إزاحة كثير ممن كانوا السند الرئيس له في حرب يوليو 1994 وعامل انتصاره الذي مهد له الطريق وقواته لاغتنام الجنوب، دون شريك. كما عمل على تهميش الآخرين، وحاول استقطاب بدلاء، ممن كانوا في صف الخصوم، لكن الرئيس صالح وقع في فخ لم يحسب حسابه أبداً في مجرى اللعبة السياسية التي اتبعها لاحتواء الجنوب وهي ان «المصائب تجمع وتوحد المصابين» فها هم قد تجمعوا ليغدوا صوتاً واحداً، طرفي نزاع حرب يوليو، الجناح المنكسر بسبب الحرب والجناح المتخلص منه الذي لفظه النصر.
ويبدو أن الرئيس صالح الذي ظل لنحو ثلاث عشرة سنة معتمداً على تصفية أصدقائه بالتخلص منهم وتقريب خصومه بديلاً عنهم في لعبة التوازنات التي أتقنها جيداً طوال فترة حكمه التي يكمل بها هذا الاسبوع ثلاثة عقود من الزمن. لكن كما تدل المؤشرات ان حدسه قد يخذله هذه المرة من بوابة ابين، التي ضجت وبلغ فيها السيل الزبى جراء السياسة الهوجاء التي قادت تراكماتها الى حالة من الانفلات الأمني والتسيب والفوضى العارمة، وهو أمر لم تشهده المنطقة من قبل، ما يقود إلى كارثة محتملة، حيث وان كثر الضغط يولد الانفجار.
ومما لا شك فيه أن هذا الاضطراب الحاصل في ابين من خلال جملة الشواهد والمترتبات عليه والذي يتزامن مع تراخي الدولة، سيعيد تكرار كثير من السيناريوهات وإن بصيغة أخرى معدلة، قد لا تكون في الحسبان في ضوء ما يراه البعض ارتهاناً ليوم 7 يوليو.
إذ يرى كثير من المتابعين والمراقبين ان ابين مثلما كانت هي مفتاح كثير من المنعطفات، فإنهم يرشحون أبين لإطلاق صافرة التغيير الحتمي بعد نضوج ظروفه الموضوعية.
والتي بلغت معها حالة الناس الحضيض ليس على مستوى أبين فحسب أو على صعيد الحياة المعيشية فقط، وإنما في عموم البلاد وفي جميع جوانب الحياة.
ومثلما ترجى السماء حين تحتجب..
فإن أبين ترجى حين تضطرب.