من يقدر أجندة منظمات المجتمع المدني؟

من يقدر أجندة منظمات المجتمع المدني؟ - إلهام الوجيه

شبه الصحفي نبيل الصوفي المجتمع المدني في اليمن كطفل صغير يحاول تركيب لعبة جديدة لأول مرة... يخطئ مرات كثيرة، ولكنه يتقن تركيبها واللعب بها في الأخير. لنأمل ذلك !!.
وبرغم امتلاك تشبيهه للكثير من التفاؤل والكثير الأكثر من التساؤل، إلا أنه أعادني إلى أيام الجامعة والكادر الطلابي النشط الذي لم يتوان جهداً للتعريف بنفسه بأنه واجهة أو بذرة للمجتمع المدني القادم لا محالة خلال أعوام !!
لم أشعر أيامها بأنه مثال يحتذى به أو خطوة واحدة في طريق الوصول إلى التوصيف ذاته... وإنما واجهة حقيقية لتقاليد المجتمع ومفاهيمه الجامدة، لا أكثر.
 وقد بنيت نظرتي تلك، كما هو حال الكثير، بناءً على مفهوم خاطئ، وهو الخلط بين الحداثة والمجتمع المدني, حتى طال ذلك الخلط، المنظمات والأحزاب والنقابات.. وعمل كل منهم واختصاصاتهم كلا على حده.
ولأن مصطلح المجتمع المدني مصطلح أوروبي الأصل، ككثير من مظاهر التقدم التي تتبجح دول المنطقة بأنه جزء من ماضيها الحضاري، وبأنها صارت تخطو خطواتها الهامة والحاسمة في طريق تفعيل دوره الحقيقي، إلا أن الفرق شاسع وليس بسهولة ترديد المصطلح وإسقاطه على أنفسنا.
فظهور ذلك المجتمع لدى الغرب جاء كبديل حقيقي وليس زائف للسلطة الدينية ونظم الحكم الاستبدادية ليصنع تحولاً ديمقراطيا حقيقياً في بنية المجتمع.
وبمقارنة ما نمر به في اليمن، باعتبارنا دولة رفعت شعار الديمقراطية كقرار سياسي وليس كخيار، شعبي، نجد أن بلادنا ما زالت تجثم تحت التأثيرات السابقة التي جاء المجتمع المدني ليحل محلها، وهذا يجعل اليمن تربة خصبة وخصبة جداً للعمل عليها، والتخلص من كل المظاهر المعادية لذلك المجتمع المنشود... لذا يصعب على من هم مثلي لمس وجود ذلك المجتمع في ظل سيطرة أعمق للحزب الواحد، برغم مئات الأحزاب المعلن عن تواجدها، ونقص للخدمات في ظل مئات المنظمات التي ترفع شعارات التنمية بجانب الحكومة،كذلك الشعور المتزايد بالملكيات المطلقة والقبلية والفردية.
ولأن الهدف الأساسي من المجتمع المدني هو التخلص من كل المظاهر السلبية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية, أجدني أكتب عن ثقة المتعايش بأنه لا وجود حقيقي للمجتمع المدني خارج من يصنفون أنفسهم كأعلام ورايات لذلك المجتمع طالما والإقصاء لا يأتي ممن يضمنون المقاعد والأصوات لحملة لواء التمدن، ولكنه يأتي للأسف ممن ينصبون أنفسهم دعاة للتمدن ضد كل مخالف لهم.
لقد أشرت مسبقاً إلى كارثة الخلط بين الحداثة والتمدن إلا أن النخبة المتزعمة للمجتمع المدني منقسمة على ذاتها. وبرغم معرفتهم بأنهم خليط متشابك من عصريين وحداثيين وتقليديين وإسلاميين، وبدلاً من أن يدفعهم ذلك الاختلاف إلى التعايش والتخاطب نحو البناء رغم اختلاف الأفكار والإيديولوجيات، نجدهم يتمكنون يومياً من إقصاء بعضهم البعض وتأطير أنفسهم بأطر قد تكون حقيقية وقد تكون العكس تماما، ولكن الهدف منها هو أخراج المخالف من دائرة الانتساب لذلك المجتمع!! فليس من المستغرب إذا أن نجد بلادنا تعج بالمنظمات والأحزاب والجمعيات ورغم ذلك ما زالت لا تلعب دورها الحقيقي والمفترض بإقامة ثورة اجتماعية شاملة داخل البلاد مقتلعة كل أفكار الاحتكار والسلطات اللا محدودة التي تمنح في أجواء الاستبداد لشخصيات أو جهات بعينها؛ ربما لأن من يحملون راية المجتمع المدني لم يتخلصوا هم أنفسهم من الأخطاء التي يفترض بالمجتمع المدني محاربتها والتخلص منها، كغياب الديمقراطية الداخلية لديهم، وتبني المفهوم الديمقراطي كفكر وسلوك, وعدم حصر الديمقراطية في مجرد التعبير عن الرأي الحر والمخالف وإنما الأيمان تماماً بالاختلاف وبجمال جوهره الذي لا يؤخر أبداً وإنما يقود البلدان إلى الأمام كونها مرآة صادقة لمعنى أن تصبح ديمقراطياً.
كما أن غياب النقد وتفعيله والأخذ به داخل المنظمات والأحزاب، وخضوع كل منظمات المجتمع المدني للممولين ولأفكارهم، ذلك كله، يحد من الانطلاق المنشود لذلك المجتمع، ويقتل تماماً كل محاولات تجاوز العوائق وأسباب الفشل.
يجب أن تعود كل منظمات المجتمع المدني لأهدافها الحقيقية التي تباهت بإنجازاتها بدلاً من التبحر في الانشقاقات والأدوار الضحلة التي تصغر من شأنها لتعود إلى تحقيق أهم أهدافها، وهو حماية حقوق الإنسان، واحترام المواطنة، ومنع الحروب، وإحلال السلام، وعدم جعلها لذلك الهدف السامي مجرد كرت للمساومة مع الحكومات ومع المانحين ليصبح مجرد حماية لحقوق القائمين على تلك المنظمات، لا أكثر.
ثم يأتي هدفها الثاني: وهو مد يد المساعدة إن لم يكن يداً بيد مع الحكومات لمجابهة الفقر والتخلف والفساد والتخريب الذي تقوم به مجموعات لتذهب ضحيته أوطان بأكملها.
يجب أن نخوض الكثير من الجدل والحديث والنقاش والاختلاف حول الفعل ورد الفعل لدى منظمات المجتمع المدني والمجتمع بأكمله, وحول الكثير من التساؤلات والمعوقات أمام نهوضه نهضة حقيقية شاملة، وكيف نجعل من منظمات المجتمع المدني أداة للتأثير الفعال؟ وعدم محاربتها وتهميشها وإلباسها إما ثوب المعارضة أو ثوب السمع والطاعة.
المشوار طويل وأعتقد أننا نسير باتجاه خاطئ طالما لا نبحث عن الحلقة المفقودة والتي أعتقدها تتمثل بتبني الديمقراطية قولاً وفعلاً عاماً وخاصاً مجتمعاً أو أفراداً حتى نصل إلى ما يسمى، مجازاً، مجتمعاً مدنياً.
كنت قد قرأت عن إعلان منظمة تغيير، تزعَّم تأسيسها الدكتور، الذي لا أمل من قراءة تحليلاته، "عبدالله الفقية".
ليتبادر إلى ذهني السؤال القديم الجديد والذي حثني على كتابة ما سبق: منظمة جديدة، حزب جديد، جمعية جديدة. هل بالعدد الكثير سنشكل المجتمع المدني، أم بالكيف، وبتحقيق الأهداف، التي من أجلها نشأ هذا المصطلح وأصبح حقيقة واقعة نشأت عليها معظم بلدان العالم المتقدم!؟