الرياضة المدرسية في عدن.. قرن من الألق... والانكسارات (1-2)

الرياضة المدرسية في عدن.. قرن من الألق... والانكسارات (1-2) - طلال سفيان

من القديس يوسف في كريتر إلى القديس سانت جوني في التواهي مروراً بثانوية خور مكسر إنتهاءً بثانوية عدن بدار سعد، هي لنقطة البداية التي تأسست منها هذه المدارس في مدينة عدن منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مشكلة بداية مرحلة تشهدها الرياضة اليمنية عبر بوابة مدارس مدينة عدن التي تأسست في عهد الاستعمار الانجليزي لجنوب اليمن الكامل الملامح لنهضة رياضية مدرسية في مدينة دخلت دوماً في سباق محموم مع الزمن والذي ترك على وجهها إرثاً عظيماً من الانجازات والإخفاقات في مسيرة مدينة عصرية.

النقطة الأبعد نحو جنوب مدينة عدن تتركز بين محورين وهي كل من: منطقة كريتر في أقصى جنوب المدينة، تقابلها مناطق المعلا والتواهي فضلاً عن منطقة خور مكسر الواقعة شرق المدينة والمحاذية لشريط ساحل أبين، وبينهما وعلى مساحة 10 كيلو مترات تنتشر منطقة منبسطة يتوسطها خط بحري يصل هذه المناطق ببقية أجزاء المدينة الشمالية والتي تبرز منها مناطق المنصورة والشيخ عثمان ودار سعد، يكملها المحور الرابع والذي تمثله منطقة البريقة الأبعد غرباً على خارطة عدن التي مثلت أول دور معاصر للمدنية الحديثة على مستوى الجزيرة العربية على يد أحفاد الكابتن هنس الذي احتل عدن منذ قرن ونصف وضمها إلى سلسلة امبراطورية التاج البريطاني التي كانت يوماً لا تغيب عنها الشمس فأشرقت أشعتها على مدينة عدن، المحج الأول لقبلة الوافدين إليها من كل حدب وصوب نتيجة حراكها الاقتصادي والتعليمي والذي أسهم في هذا الاخير من قبل إدارة مستعمرات الهند الشرقية التابعة للإمبراطورية البريطانية بإنشاء ما يقارب أكثر من أربعين مدرسة تعليمية ضمت بين ثناياها العديد من الألعاب الرياضية والتي تصدرتها تاريخياً «كرة القدم» كرمز لانتشار ثقافة المستعمرين الانجليز.
مسرح.. النجوم الكبار
أطياف ذكريات الزمن الجميل والذي تعود معه نجمة تنس الطاولة ورياضية القرن العشرين في اليمن، الأستاذة نائلة نصر عباس، ابنة المدرب الرياضي الشهير نصر عباس، والذي اعتاد اصطحاب نجمته الصغيرة منذ الستينيات لمرافقته على المران الخاص في ألعاب القوى، وتداريب الفرق الكشفية سواء على ساحات المدارس أو مدرجات الملاعب التي شهدت ولادة أسطورة رياضية على مستوى اليمن والجزيرة العربية رسمتها الأنامل اللبنية للموهوبة نائلة على مضمار إعدادية «30 نوفمبر» في الشيخ عثمان والتي تقول عنها الأستاذة نائلة، بأن تفتق موهبتها الرياضية بدأت منذ صعودها إلى الصف السادس الابتدائي بالمشاركة بأنشطة كرتي السلة والطائرة، مروراً برحلة ولوج مرحلة الإعدادية والتي انغمست فيها شغفاً وتألقاً في لعبة تنس الطاولة التي اشتهرت بممارستها إلى جانب كرتي السلة والطائرة على مستوى الطالبات قبل أن يقتحمن مربعات ملاعب كرة القدم على ملعب الحبيشي عام 1974 والذي جمع لقاءً كروياً بين طالبات إعدادية المعلا و نظيراتهن في اعدادية 30 نوفمبر للفتيات في الشيخ عثمان والذي مثلت ألوانه النجمة اليانعة في تنس الطاولة في البطولة المدرسة المختلطة عام 1975، قبل أن تمر إلى مراسي نادي الميناء الذي استضافت فيه طاولته لحوار الاستفادة من هذه الاسطورة التي تربعت عرش اللعبة محلياً منذ العام 1976 حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي عبر 161 مباراة دولية، منها 91 لقاء فردياً و56 فئة زوجي سيدات و14 زوجي مختلط.
وعلى الضفة الأخرى لخليج عدن يطوي الكابتن أحمد جُميع، المشرف الفني لاتحاد الملاكمة، شريط ذكريات أم الألعاب التي تألق نجوميتها عبر رياضتي رمي الجلة والقفز الطويل والتي أحتوتهما ساحة ثانوية خور مكسر منذ منتصف الستينيات الماضية، ضمن شراكة تنافسية جمعتها مع مدارس: القديس يوسف في كريتر، والقديس سانت جوني في التواهي، وكلية عدن في الشيخ عثمان، والمعهد الفني في المعلا، والمعهد التجاري في كريتر، والتي اشتهرت فيها هذه المرافق التعليمية بالتفوق النوعي في رياضة ألعاب القوى منذ مراحل مبكرة لعقود القرن الماضي، والذي يصفها الكابتن جُميع بأنها مرحلة جذرية لبذرة ألعاب القوى اليمنية التي نمت في ظلال الاستعمار الأنجليزي لمدينة عدن، وذلك من خلال اهتمامهم بإنشاء بنية تحتية متينة في مجال التعليم منذ مطلع القرن المنصرم الذي شهدت عقوده المتتالية نقلة نوعية في الأنشطة الرياضية المدرسية في عدن حين أطلت مدارسها بمشاهد التكوين الأساسي للملاعب والصالات المتعددة الأغراض الرياضية تحت إشراف فني وفره المستعمرون الأنجليز للكادر المحلي. حسب تأكيد الأستاذ محمد سعيد سالم، مدير عام دائرة الإعلام بوزارة الشباب والرياضة، بالعودة مجدداً لذكريات الزمن في مجده الذهبي عبر ولوجه أبواب الرياضة بدءاً من الإبتدائية الشرقية بالشيخ عثمان مروراً بالمدرسة المتوسطة بالشيخ، إنتهاءً بمعهد الثروة السمكية بخور مكسر والذي صعد بعدها لتمثيل الفريق الكروي الأول للشبيبة المتحدة «الواي» خلال الفترة 1970 -1975، قبل الدخول في مراحل الدمج الرياضي والذي أفرز وجود نادي «الوحدة» حامل إرث أندية الشيخ عثمان في دوري أندية الجنوب سابقاً والذي حمل معه بن سالم اللقب الأول في الموسم 1976 - 1977، تقلد بعدها ولسنوات عدة إدارة النشاط الرياضي في نادي وحدة عدن.
دائرة إخفاقات
هكذا مرت دروب الألعاب الفتية لمدينة فتنت عشقاً جنونياً في مزاولة الرياضة عبر أزقتها وحواريها وشواطئها وملاعبها ومدارسها منذ لاحت أنوار أشعة فجر صباحها الأولى حتى إطلالتها على لحظات الغروب الأخير بعد أن اقفلت مدارسها أبواب مرحلة ماضية وفتحت بعدها نوافذ أمل مستقبلية لغد مشرق أنفلج بشيخوخته التسعينية على ميادين وأقبية الرياضة في مدارس المدينة والتي تصفها تفاؤلياً الاستاذة آسيا علي محمد الحاج، موجهة في قسم المتابعة الفنية في مكتب التربية والتعليم بمحافظة عدن، من خلال تأكيدها على الدور الذي ينفرد به مكتب التربية وإدارة الأنشطة المدرسية والمجالس المحلية في محافظة عدن وذلك من خلال الاهتمام والمحافظة على المنشآت التعليمية والتي شهدت مؤخراً عملاً دؤوباً في عملية الصيانة والترميم في إطار المدارس الأساسية والثانوية على مختلف مديريات المحافظة، إلى جانب إتاحة فرصة الأوقات المناسبة لمبادرة إدارة المدارس في لعب دورها التنويري المصاحب بالأنشطة الاجتماعية والفكرية والرياضية والتي تشهد حراكاً نموذجياً في ثانوية عدن في دارسعد وادريس حنبلة في الشيخ عثمان وعبدالباري في خور مكسر، وذلك بتعدد أنشطتها الفئوية التعليمية والمرتكزة بممارسة رياضية تنشط في كرات السلة والطائرة وتنس الطاولة والألعاب الشعبية بالإضافة إلى فنون الخياطة والتطريز والموسيقى في صفوف مدارس الفتيات المعتمدة بأنشطتها النوعية على عكس مدارس الذكور التي تبرز الآن وبشكل كثيف على رياضة كرة القدم في المقام الأول أو السباحة على مستوى جزئي، وعلى نفس الاتجاه ذاته، يشير نبيل باشا أنور، متخرج من ثانوية محمد عبده غانم في خور مكسر، على المستوى المتدرج الذي مرت به أنشطة مدرسته والتي التحق بصفوفها المتوسطة منذ منتصف التسعينيات، وذلك من خلال الإنحدار السلبي لمرافقها الرياضية العتيقة زمنياً والتي كانت توفر مساحة شاغرة لأنشطة رياضة كرتي: السلة والطائرة التي رحلت اجنحتها هبوطاً بمسببات الإهمال الذي أصابها في مقتل لم تحيا بعده على الرغم من تسليمها الراية الرياضية لقرينتها «كرة القدم» والتي هي الأخرى ليست بأفضل حال في مدرسة مثلت ولعقود زمنية طويلة الرمز الأول للنشاط الرياضي على مستوى الجزيرة العربية، وهو ما يقول عنه الزميل الإعلامي سامي الكاف: إن الرياضة في مدارس عدن شكلت مبكراً فترة ألق نتيجة ثقافة مجتمع المدينة بشكل عام وجهود القائمين عليها بشكل خاص وذلك قبل أن تنتقل الرياضة في مدارس عدن إلى مجرد كتل اسمنتية محشورة بالطلاب في فصول ضيقة وفقيرة بمخرجاتها الرياضية البشرية على مستوى الساحة الغنية سابقاً بأنشطتها الرياضية النموذجية بريادتها للمضمار القائم على التنوع الرياضي.