حنايا

حنايا - هدى العطاس

هرشت ذهني وأنا أغازل الشاشة الفضية، ماذا عساني أكتب؟! يدهشني حد الحسد من يكتبون عمودا يوميا أو يمارسون الكتابة طقسا لا يغادرهم. أن تكتب عمودا في الصحافة يعني أن تتحدث إلى آخرين يجب أن تفترض أن لديهم سقفا عاليا من الذكاء، حتى تباري نفسك عمودا ذكيا، حينها يقفز سؤالك: ماذا وكيف يمكنني أن أكتب؟! هل أكتب عن أحداث زاعقة تفرض نفسها عرضيا على اليومي الذي يبدو في سطحه مغمورا بالرتابة، وإن اختضم داخله الكثير؟! هل أكتب عن الحدث العام والملح، والذي غالبا يتعلق السياسة ميدانا له؟! ويبدو هذا الخيار تغريرا لذيذا للخوض والسفسطة. تتجلى الصحافة في أحد وجوهها فن ملاحقة الإبهار. وفي بلداننا المتخلفة الإبهار يعني: فن ملاحقة الحاكم وأخباره، وفي صحف الضد: نقدا وهجاء له، وفي صحف الـ"مع" مدحا وتقريضا في مناقبه وإن عدمت، وصحف الاعتدال لا يمكنها تحييد صوره وأخباره عن صفحاتها الأولى. في المقابل هناك ما يشبه الازدراء لليومي والعادي وتفاصيل الحياة والمعاش. ربما يأتي ذلك كمقابلات سلوكية تتقاطع وسلوك الحاكم والسلطة من القضايا اليومية للمواطن وتفاصيل حياته التي تبدو (عمدا) هامشية لدى السلطة والحكم وعلى ذاك تقيس الصحافة.
وفي موازاة مغايرة نتأمل المختلف عنا، نتقرا واقع بلدان وشعوب تعتبر متقدمة علينا بسنين ضوئية. سيستوقفنا إبهار التفاصيل في صحافتهم. يحكي لي أحد الأصدقاء الأجانب المقيمين في اليمن أن والدته أرسلت له "ايميلـ" تحذره من شرب الشاي بالحليب، وذلك عطفا على ما تناقلته الصحافة عندهم في صفحاتها الأولى عن خطر هذه العادة وما تسببه من أمراض. وعليه تخلى صديقنا عن شرب "الملبن"، وفقدت مقهاية العدانية أحد زبائنها.
واستدراكا على ما سبق: هل في المقابل القارئ لدينا تعنيه تفاصيل حياته اليومية؟ أم تجانس مع دور الأطرش في زفة إبهار الحاكم وأخباره، وعلى إثر الانتكاسات اليومية الدائمة أصيب بمرض تحقير الذات وشؤونها الصغيرة المهمممممة؟!... وحديثنا ممتد.
hudaalattasMail