أخبار الموبايل.. رعب السياسة وضرورة العصر

أخبار الموبايل.. رعب السياسة وضرورة العصر - غمدان اليوسفي

لحظة نزول ساركوزي إلى شارع الشانزليزيه برفقة زوجته، انتشاء بفوزه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية مساء اثنين الأسبوع الماضي، كانت الهواتف ترن برسالة إخبارية مفادها أن الرئيس علي عبدالله صالح يهنئ ساركوزي بفوزه. وبعد 40 دقيقة من وصول رسالة وكالة "سبأ" كانت القنوات الإخبارية -التي تبث احتفال ساركوزي مباشرة- تشير إلى أن جورج بوش أول من هنأ بالفوز.
لحظتها كانت تساؤلات كثيرة تتداخل في البال حول سبب عدم الإعلان عن أن الرئيس صالح أول المهنئين، وهل يجب على مشتركي الخدمات الإخبارية عبر موبايل المؤسسات الرسمية أن يتلقوا تهاني الرئيس قبل نظرائه دون تمتعهم بخدمة أخبار عبر الموبايل من مصادر مستقلة؟
يحبس مسؤولو وزارة الإعلام أنفاسهم كلما تلقت هواتفهم النقالة رسالة نصية وذلك خشية أن تكون رسالة من "ناس موبايلـ" أو "خدمة بلا قيود"، برغم أن الرسائل الإخبارية أصبحت لدى دول الجوار والعالم من أسهل ما يمكن الحصول عليه وبالصوت والصورة المتحركة والاتصال بالصوت والصورة أيضا وهذا الأخير تتحفظ عليه السلطات الأمنية وتمنعه وفقا لمصدر في (إم تي إن يمن).
لم يمض زمن طويل على هذه الخدمة في اليمن ولم يزد عدد المشغلين للخدمة سوى وكالة "سبأ" وصحيفة "سبتمبر" الرسميتين بينما مازالت خدمتي "ناس موبايلـ" و"بلا قيود" محصورة على شركتي: (سبأفون)، و(سبيستل) التي أصبحت (إم تي إن يمن) ولم تسمح الشركة الحكومية (يمن موبايل) لهما باستخدامها لنشر الأخبار عبرها، برغم أن الأمر سيكون اختياريا للمشتركين ومن حقهم أن يختاروا ما يريدون أن يصل إليهم.
ويبرر المدير التنفيذي ل (يمن موبايل) محمد عبدالله الذهباني الأمر ل "النداء" بأن "ناس موبايلـ" و"بلاقيود" ليس لديهما ترخيص من وزارة الإعلام. مؤكدا: "إن الأمر يخص وزارة الإعلام وحدها ولن تمنح أي جهة صلاحية تلك الخدمة بدون ترخيص".
تعتقد السلطات أن خدمتي "سبتمبر" و"سبأ" محصنتان من الخطأ وهو اعتقاد يتلاشى مع تكرار الأخطاء-خصوصا "سبتمبر موبايلـ"- وذلك بشكل دائم ويومي، فإن لم يكن خطأً مهنيا فأخطاء إملائية بالعشرات. لحظة ينشر فيها الخبر ويتم نفيه من ذات الوسيلة، وحدث مؤخرا في أخبار كثيرة من هذا القبيل منها أن حريق حراج العولقي بسبب ماس كهربائي وبعد لحظات نفي لمؤسسة الكهربا، وكذلك خبر أن "اليمنية" ستنسحب من الخطوط المحلية ثم نفيه بعدها، وعدد كبير من الأخطاء لا يمكن رصده.
تستأثر "سبتمبر موبايلـ" بما يحلو لها من الأخبار وفي أي وقت تشاء، فبرغم أن المشتركين يطلبون خدمة الأخبار المحلية إلا أنها لا تلتزم بهذا الأمر على الإطلاق فأخبار العراق تأتي في المرتبة الأولى من أخبارها (المحلية طبعا) إلى جوار الأخبار الرسمية التي تتواجد في الإذاعة والتلفزيون والصحف الرسمية، وهذه الوسائل تكفي لتخدم أهداف الجهات الرسمية بدون خشية من رسائل قصيرة تصل لعدد محدود من الناس.
لم يعد للمشترك خصوصية في اختيار ما يريد في هذه الخدمة ووقتما يريد حيث يمكن أن يتلقى رسائل عند الواحدة منتصف الليل وهو أمر سيء بالنسبة لبلد عرف أن قراه ومدنه تنام مبكرا.
مسائل أخرى يمكن أن تتدخل في الخصوصية الشخصية، أكثرها إزعاجا تلك التي تقوم بها الشركات المزودة لأجهزة "يمن موبايلـ"، التي تعد من الشركات النادرة المشغلة لنظام CDMAحيث تقوم تلك الشركات بتحميل مقطع من أوبريت "خيلت براقا لمع" أو ما شاءت في أجهزة الهاتف بحيث لا يتم تشغيله أو إغلاقه إلا مع سماع مقطع "ما في النجوم إلا سهيلـ" وذلك دون تدخل من الشركة وفقا لما أوضحه الذهباني.
الأمر برمته هو حديث عن الخصوصية وحرية الاختيار لكن الجهات الحكومية تجعل الأمر فرضا كما ورد بينما تستكثر على الآخرين ممارسة الأمر كمهنة يختار الآخرون الاشتراك فيها لا أن يجبروا عليها.
"العصر أصبح عصر صحافة الموبايل إن رفضناه تجاوزتنا التكنولوجيا إليه".. حديث مقتضب لحمدي البكاري مسؤول شؤون المهنة في نقابة الصحفيين اليمنيين الذي رأى في الأمر "خدمة لا يمكن أن توقف ووسيلة جيدة تحقق التقارب بين الناس وما يدور حولهم وهذا الهدف أبرز أهداف الإعلام أساسا".
يضيف البكاري :"يتبقى الحديث عن جودة الخدمة وهو موضوع آخر لا يمكن فرضه على الجهات التي تملك الخدمة غير أن الأساس يبقى في لجوء المتضرر إلى القضاء، وذلك حق للجميع أيضا".
أمر آخر يتدخل في الأمر وهو مسألة الوقت الذي مرت به اليمن منذ بدأت خدمة الأخبار القصيرة عبر الهاتف المحمول وهو قصير مقارنة مع الحديث عن إيقاف الخدمات غير الرسمية حيث لا يمكن الحديث عن سوء تجربة برغم الأخطاء التي يقع فيها بعض المشغلين من غير الجهات الرسمية ك "بلا قيود" بالدرجة الأولى. لكن المخرج كما يراه البكاري أسهل من توقيف الخدمة وهو موضوع اللجوء إلى القضاء.
لم تنته أزمات وزارة الإعلام بعد، فقد خرجت إلى السطح المشكلة الأبرز وهي منح التراخيص التي يقول عنها الوزير حسن اللوزي إنها مسألة قانونية، وأن من تكتمل شروطه يتم منحه الترخيص. أمر جيد إذا سار بحياد، لكنه كما يراه البعض لعبة سياسية يتم من خلالها التحكم بما سيصدر، مستدلين بذلك على صحف نزلت بتراخيص رسمية ومهمتها الشتائم فقط لمن تريد. كما أن إعاقة المراسلين من خلال عدم منحهم وتجديد بطائق (التسهيلات) الخاصة بهم، أمر آخر تم تعقيده بشكل أكبر منذ مجيء الوزير الحالي.