هل سيدخل السلفيون معمعة السياسة؟

هل سيدخل السلفيون معمعة السياسة؟ - نبيل البكيري

تتردد الكثير من التسريبات هذه الأيام في اليمن عن ترتيبات جارية لتشكيل حزب إسلامي جديد يمثل التيار السلفي الحركي بشقيه: «الإحسان» و«الحكمة»، وهما جمعيتان خيريتان تمثلان هذا التيار كانتا قد انشقتا في بداية التسعينيات عن التيار السلفي التقليدي الذي أسسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في مطلع ثمانينات القرن الماضي بعد عودته من المملكة العربية السعودية التي أتم فيها دراسته الجامعية.
وتأتي مثل هذه التسريبات في جو من العلاقات الحميمية والدافئة هذه الأيام بين السلطة الحاكمة والتيار السلفي الحركي منه خصوصاً وذلك بعد اللقاء الأخير الذي جمع لأول مرة الشهر الماضي بين الرئيس صالح وعدداً من رموز جمعية الحكمة اليمانية الخيرية التي تمثل أحد أجنحة التيار السلفي الحركي في اليمن.
ذلك اللقاء الذي يعد الأول من نوعه يجمع بين الرئيس صالح والتيار السلفي والذي عده في حينه عدد من المراقبين أنه يأتي في إطار تداعيات الحرب القائمة بين الحكومة اليمنية وتيار الحوثي المدعوم شيعيا والذي يقود حربا ثالثة في محافظة صعدة ضد الحكومة اليمنية من جهة، ومن جهة أخرى محاولة مبكرة لتفريخ خصمه اللدود التجمع اليمني للإصلاح، الإسلامي الإخواني التوجه، خاصة وأن الانتخابات البرلمانية 2008م علي الأبواب.
الشيء الأهم في الموضوع كله بحسب المراقبين هو دخول الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس مجلس شورى الإصلاح السابق والقيادي الأبرز في الحزب في الخط وذلك من خلال إشارة بعض المصادر إلى أن الشيخ هو من أبرز الشخصيات المرشحة لزعامة هذا الحزب السلفي الذي سيتلاءم مع توجهات الشيخ السلفية.
ورغم النفي الصادر عن مكتب الشيخ الزنداني لفحوى هذه التسريبات الصحفية يرى مراقبون أنه نفي بارد لا يرقى إلى مستوى الحدث مما يؤكد أكثر مما ينفي في ذات الوقت. مما يعني أن هناك خلافاً حاداً بين قيادات في الإصلاح لم يطف على السطح بعد وإنما يبدو من خلال الإشارة الأخيرة التي ظهرت من خلال مقال للمحلل السياسي في صحيفة "الناس" المقربة من الإصلاح والذي جاء فيه "أن الشيخ الزنداني مطالب مع حزب الإصلاح بأن ينفض غبار (المسكنة) ورداء (الذل) اللذين يستظلان بهما في مواجهة الغطرسة والابتزاز لتحقيق مآرب شخصية من قبل الطرف الأقوى!!". وهي إشارة إلى الرئيس صالح واستخدامه لقضية الشيخ الزنداني مع الأمريكان وسيلة للتأثير على الشيخ لإبعاده عن الأداء العام لحزبه المعارض الأقوى للكثير من سياسات الرئيس صالح.
ويرى بعض المراقبين أن التقارب الأخير بين الرئيس صالح والشيخ الزنداني الذي أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية ضمن قائمة ممولي الإرهاب في 2004م من جهة، وبين صالح و سلفيي الحكمة من جهة أخرى هو دليل على أن هناك شيئاً ما يتم التحضير له وخاصة في ضوء بعض التسريبات التي قالت إن الرئيس صالح طلب بل وأمهل قياديين سلفيين فترة من الزمن لتشكيل حزب سياسي سلفي والإعلان عنه قريبا.
مثل هذه التسريبات كانت قد بدأت مبكرا من العام الماضي، حيث تردد حينها أن التيار السلفي طلب من الرئيس صالح السماح لهم بإنشاء جامعة سلفية في صنعاء على غرار جامعة الإيمان التي يديرها الشيخ الزنداني وتتهم أنها بمثابة محضن تنظيمي للإخوان في الوقت الذي هي أقرب بمناهجها إلى الاتجاه السلفي منها إلى الإخواني. بل وفوق هذا كله ينشط فيها عناصر من التيار السلفي الحركي بشكل ملفت وكبير.
إلا أن الرئيس صالح رفض هذا الطلب بحجة أن جامعة الإيمان تفي بالغرض طالبا منهم إنشاء حزب سلفي وهو الأمر الذي كان قد قيل حينها أن السلفيين في صدد الإعداد له، ولكنه لم ير النور حتى الآن وذلك بسبب أن جناحي السلفية الحركية في اليمن: جمعيتي "الحكمة والإحسان" السلفيتين، منقسمتان في هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض، بحجة التوقيت من حيث المبدأ. أما من حيث الحزب فهما معه من حيث الفكرة.
صحيح أن التيار السلفي الحركي في اليمن ما زال متحسسا من العمل الحزبي بفعل التأثير الطاغي لأفكار الشيخ مقبل الوادعي المحرمة للحزبية، إلا أنه أصبح اليوم في فسحة من الأمر، وخاصة وأن هناك إشارة رضى في هذا الجانب وخاصة بعد تبني المملكة العربية السعودية للعملية الانتخابية كالانتخابات البلدية التي أجريت مؤخرا مما أعطاهم فسحة في الأمر.
إلا أن المشكلة التي يواجهها السلفيون اليوم بخصوص تشكيل الحزب هي المنهجية الحركية المعقدة لديهم، والتي ستكون بمثابة آلية طاردة، بل وانعزالية لا تتوفر فيها دينامكية العمل الحزبي الجماهيري كالتي لدى حزب الإصلاح مثلا وذلك لأن هذه الجماعات يقوم عملها التنظيمي على أساس التربية الدينية والعلمية للأفراد من خلال مراكزهم التعليمية التي يبقى فيها الطالب أربع سنوات يتلقى خلالها العلوم الشرعية وخاصة علوم العقيدة التي هي مثار خلاف دائم مما ينعكس على سلوكيات هؤلاء الأفراد الخلافية التي تنفر أكثر من أن تستقطب.
ثم أن هذه الجماعات بهذه الكيفية الحركية لا وجود لها قاعديا إلا بحدود ضيقة جدا وذلك باكتفائها في العمل التنظيمي بمخرجاتها التعليمية فقط وانحصارها على النخب الدينية ذات الميول والاتجاهات السلفية فقط مما يؤدي إلى انغلاقها على نفسها وانعزالها عن بقية النخب المثقفة الأخرى، مما يمثل تحديا كبيرا أمام الحزب الجديد ما لم يتم النظر في أدبياته الفكرية والتنظيمية لكي يتواءم مع المرحلة الجديدة التي يتم التحضير لها حاليا وهي التي تختلف عن مرحلة العمل الدعوي الخيري جذريا مما يتطلب المزيد من الانفتاح الفكري والتنظيمي قبل الشروع بالتفكير في دخول معمعة العمل السياسي الذي يتطلب براجماتية أكثر وديناميكية حركية أيضا.