" عالم أحمد السلامي " الممتلئ ب "العناوين الثقافية "

جمال جبران يكتب عن : " عالم أحمد السلامي " الممتلئ ب "العناوين الثقافية "

(1)
أعلن الشاعر أحمد السلامي مؤسس ومدير موقع «عناوين ثقافية» أعلن لمتصفحي الموقع احتمالية توقفه في أية لحظة وذلك بسبب التبعات المادية المترتبة على مهمة بقاء الموقع حياً ومتجدداً. دخل السلامي المحدود، وهو المحمل بواجبات مادية عدة ليس أقلها اسرية، لا يستطيع ان يستمر مقسوماً على مصارف عدة.
خبر كهذا بدا يتيماً لم يمسه تناقل، ثقافة «الثوري» وعلي دهيس استثناء وحيد هنا التي أوردته في عدد الخميس الفائت. خبر كهذا توقف مجمداً في الهواء، مورست عليه حركة ضغط على زر تجميد الصورة في جهاز كونترول. احتمالية توقف «عناوين ثقافية» لا يستحق ان يكون علكة أو مانُشيتاً رئيسياً في مقايل انتاج الكلام، وقتل الوقت. مقايل اللت والعجن.. هاوية عمليات القص و«اللزق» وحركات شن مونتاج على حقائق الحاصل وإعادة تركيبه ليغدو مشوهاً ومزوراً، يسبح في تراكمات احتقاناته الداخلية. كأن «عناوين ثقافية» هنا يذهب لدفع ضريبة تواجده في بيئة ثقافية على وجه الخصوص، ملغومة بالتفاهة والفراغ.
(2)
وهكذا، في مصيره، يبدو «عناوين ثقافية» وأحمد السلامي بطبيعة الحال وبداهة، سائراً في توقفه متروكاً عن قصدية وتعمد. لا أقول هنا بمؤامرة منظمة ما هي ضدة. الصمت الذي يواجه خبر احتمالية توقفه، هو صمت يشير إلى تنسيق أعلى وأفدح. تواطؤ المناخ وعادة سير الاشياء هنا. معاملة اجتراح المبتكر والمتقدم باعتباره ارتداداً دينياً، كسراً لعادات وتقاليد، تجاوزاً لا اخلاقياً نبت في حقل عائلة مقدسة رتيبة. يتمثل احمد السلامي هنا هيئة وصمة على كل ذلك، بقعة بيضاء وحيدة تبدو ناشزة في ثوب أسود.
(3)
في البداية كان تأسيس «عناوين ثقافية» عبارة عن رابط مجاني في موقع «جيران» فكرة عملت على تجميع عدد من الأصوات الشعرية الجديدة. ذهب الأمر ليستقل احمد السلامي بالموقع تاركاً إياه في محيطه الشخصي. قيل الكثير عن الاسباب التي دعت لهذا. مجرد اقوال تقف في خانة احتمالات وبين يدي تأرجح. المهم ان السلامي ذهب بفكرة موقعه إلى حدود الاستقلالية. أن يحجز لنفسه مساحة خاصة باسمه على الفضاء الالكتروني المفتوح بلا نهاية، وكان عناوين ثقافية. استقلالية ابتعدت عن مجانية مراحلها الأولى لتصبح حاملة همومها المادية، بنزينها الخاص وقوة دفعها.
يبدو الأمر هيناً عندما نتحدث عن مواقع الكترونية خاصة، شخصية، تتوقف مسألة تزويدها بالجديد والأحداث بما يتقاطع مع اهتمامات مؤسس الموقع وصاحبه. لا تترتب عليه أية واجبات حيال ما عداه، ما لا يخصه. موقع لا يبتعد كثيراً عن تلك المواقع الناطقة باسماء شيوخ وامراء وأصحاب بنوك. مواقع هي ناطق رسمي بتحركاتهم وهمساتهم وذهابهم ومجيئهم وبمناسباتهم العائلية. خانات صور من الماضي، خانة لشجرة العائلة، سيرة حياة في جمع لمال وتكويمه. كثيرة هي المواقع التي على هذه الشاكلة وتنتشر متزايدة على طول الشبكة وعرضها كل يوم وكل لحظة، لكن مؤشر عدد زوارها يبقى متراوحاً بين العشرة وما بعد هذا الرقم بقليل.
(4)
السلامي كان قادراً على أن يكون «عناوين ثقافية» كالأمثلة السابقة. عبارة عن موقع ناطق بتحركاته الثقافية وبآخر نتاجه الشعري، مع زوايا خاصة بالمقالات التي تناولت ذلك الانتاج إضافة لقائمة الصحف والمجلات والدوريات الثقافية التي تشرفت بنشره. كان لأحمد القدرة التامة على فعل هذا والإصرار عليه؛ لكنه ليس شيخاً ولا أميراً ولا رجل أعمال.
ظهر الموقع منطلقاً من لافتته «عناوين ثقافية» تنتفي صفة الشخصية على عنوان الموقع لتبدو مفتوحة على المشهد المحلي، ما لبث ان طال مشاهد أخرى في تطور زمني لافت امتد نشاط الموقع كيما يبدو واجهة على ثقافة بلد. «لو أردت الاطلاع على المشهد الثقافي اليمني عليك زيارة موقع «عناوين ثقافية» عبارة سمعتها من أحد الشعراء الشباب العرب اثناء فعاليات الملتقى الأخير. وحيث موقع وزارة الثقافة 2004 متوقف وموقع اتحاد الادباء والكتاب ما يزال مراوحاً في مراحل ما قبل فكرة تأسيسه أصلاً، والفضائية اليمنية تسبح في ملكوت استقبل فخامته وودع فخامته وأصدر فخامته ولا خروج لأية إصدارات ثقافية إن كان كتباً أو صحف على قلتها ورداءتها. حيث كل هذا هو المشهد وحال الثقافة يظهر «عناوين ثقافية» متقدماً في الصف الأول. تبدو حالة التصنيف هنا عبثية، إذ كيف لاي تصنيف أن يستقيم ولا أحد باستثناء «عناوين ثقافية» هو الصف الأول والصف الوحيد، المركز الأول يتنافس مع ذاته، وهنا تتمثل صعوبة ان تكون وحيداً في فضاء انت سيده المنفرد والمسيطر عليه. يبدو احتمال سكونك وتجمدك قوياً إذ لا تنافس دافع ومحفز.
حالة كهذه قد تنطبق على ما سوى «عناوين ثقافية». إذ لم يركن على الداخل وما فيه ليبني عليه ومستقياً تقييمه، كان الخارج فضاء متاحاً والتزود بما يدور ويحدث في المحيط الخارجي، العربي مادة للتزود والتجدد والذهاب إلى قلب الامام وما بعده.
(5)
أبدو منحازاً هنا، وأنا أسير كاتباً عن «عناوين ثقافية» وربما حملت هذه الكتابة انفعالية ما قد تبدو أيضاً زائدة. لا أنكر انحيازي، وإن كان الانحياز هنا وقوفاً إلى جانب طرف، هو الوحيد، لا اطراف اخرى كي يبدو لانحيازي مقوماته. الانحياز مع طرف ضد آخر، مع عصبة ضد سواها.
«عناوين ثقافية» طرف وحيد، هو المعادلة برمتها، هو اليتيم في ساحة عائلة مقدسة؛ لهذا لا أخفي تحيزي وانفعالي وتجاوزي، بل أرغب في ارتكاب المزيد منه.
(6)
توقف «عناوين ثقافية» لأسباب مالية بحتة، احتمالية قريبة التحقق. تبدو هذه الاسباب ظالمة في بلد لا يعوزه مال بل يعوزه دليل لتصريفه كيما ينبغي لكن السلامي ليس جزءاً من المعادلة بل وبعيداً عنها بحيث هو خارج عن أية حسابات هناك. يعمق هذا ما فعله وقام باجتراحه، انجاز متجاوزاً لعمل مؤسسات لديها الكثير لكن بلا شيء فيما يخص المبتكر والمتقدم والناجح.
طبيعي هو أمر توقف «عناوين ثقافية» في حال هو هذا الذي نحن فيه إذ كل ما يحدث يظل محلياً غارقاً فيها، أقصى ما يبغاه خبراً صغيراً مدته أقل من ثلاث دقائق في نشرة للأخبار المحلية مسجلة على شريط رديء متهالك من كثرة ما تم استخدامه.
من هم فوق لا يحتاجون لهذا المحلي عندما يرغبون او يتخيل لهم أن لديهم جديداً ما يريد خروجه واعلانه. فخامة الرئيس يختار ال MBC عندما يرغب في إجراء حوار يتحدث فيه عن سيرة حياة.وتحته خالد الرويشان وزير الثقافة ينتقي قناة دبي أو النيل الثقافية بدرجة أقل لنفس الغرض. يبقى المحلي مستبعداً هنا.
(7)
لا تبدوتكلفة بقاء «عناوين ثقافية» باهضة. هي أقل من قيمة مساعدة علاجية لاحد اعضاء المجلس التنفيذي لاتحاد الادباء والكتاب.
أقل من إجمالي كلفة فاتورة هاتف لاحد ابناء أصغر مدير عام في وزارة الاتصالات. أقل من تكاليف أية فعالية يقيمها الاتحاد تكريماً او احتفاء بالهواء.
لكن أحمد السلامي بعيد عن كل هذا. للرجل التزامات تثقل كاهله ولا يستطيع التنصل منها. كان له اجتراح البداية وهذا كثير ويكفيه، ليس البداية فقط بل وقد ذهب كثيراً إلى ما بعدها. دونما ادعاء لأية بطولة أونضال سياسي. تظل الكرة الآن في ملعب الاخرين. وزير الثقافة المعروف باجتراح البدايات وابتكارها، المسرح المفتوح مثالاً، لن يبقى متفرجاً على المصير الذي سيؤوله «عناوين ثقافية». ليعتبر الموقع بديلاً عن موقع وزارته كما ومجلة الثقافة، الرجل قادر على فعل الكثير.
 اتحاد الادباء والكتاب غير مشرف ان يكتفي بأخذ مقعد على شرفة في مسرح لمتابعة ما يجري فقط.
عليه واجب مفروض لان يبقي «عناوين ثقافية» مفتوحاً و متقدماً. ما سوف يقدمه ليس مكرمة ولا هبة هو من ضمن ما يندرج في لائحة المهام التي انتخب لاجلها، اظهار المشهد الثقافي وابرازه، «عناوين ثقافية» يتكفل بهذا.
(8)
اعتقد أن على الجميع، ممن يدخل في دائرة الاهتمام الثقافي كما وسواه، خاصة ممن لديه امكانية دعم، مسؤول عن هذا الموقع وعليه واجب بقائه مفتوحاً. عليه أمر دعمه، دعماً غير مشروط ولا ضاغط، لهذه الواجهة المتقدمة، الطموحة، الاولى كما ولا دونها إلا فراغ كبير.
أينبغي قول المزيد!!
--------------------------------

jimy